23 عام على اغتيال شهيد الكلمة د. فرج فودة، الرجل الذي وقف وحيدا في مواجهة آلة التطرف والإرهاب يفضحها ويحذر من خطرها على مصر، ويفضح العلاقة السرية بين الرأسمالية الطفيلية التي تحكم مصر وبين جماعات الإسلام السياسي التي تحكم العقل المصري. وقف وحيدا يطالب بعلمانية مصر باعتبارها مركب النجاة الوحيدة لإنقاذ مصر من الغرق في ظلام الجهل والتخلف والطائفية. ولكن لم يسمع احد ولم يلتفت بل اعتبره أصحاب المصالح خطر على مصالحهم التي ارتبطت بجماعات الإسلام السياسي، فتقرر تركة ليواجه عدو لا يعرف إلا لغة القتل والدماء حتى سقط شهيدا في سبيل نهضة مصر وإنقاذها من الوقوع في براثن الحرب الأهلية التي اشتعلت في كثير من دول المنطقة والدول ذات الأغلبية المسلمة بفعل أفكار الإسلام السياسي.
إلا أننا بعد 23 عام من استشهاد د. فرج فودة نستطيع القول أن دماءه لم تذهب هدرا، فقد نفخت الروح في الحركة العلمانية المصرية، التي نستطيع أن نلاحظ وجودها القوي والمتصاعد في الحياة الثقافية والسياسية المصرية بكل وضوح.
ففي السنوات الأخير حدث حراك علماني قوى نستطيع رؤيته والشعور بتأثيره في الشارع المصري تتجلى مظاهرة في تصاعد الرفض الشعبي لأفكار وسلوكيات الإسلام السياسي المتطرفة، ورفض واسع لخلط الدين بالسياسة، يصاحب ذلك تزايد القبول لمصطلح العلمانية وتفهم معناه وأنه لا يساوي الإلحاد.
حيث شهدت الأعوام الأخيرة تزايد التجمعات والمؤسسات التي ترفع شعار العلمانية وتعمل على نشر الأفكار العلمانية والتعريف بها والنضال من أجل دولة ديمقراطية حديثة، تقوم على المواطنة وسيادة القانون والتداول السلمي للسلطة واحترام الحريات العامة والشخصية.
فقد انتشرت المواقع الإلكترونية التي تقوم بنقد الفكر الأصولي وتعريف وشرح العلمانية بكل تفاصيلها الفلسفية والسياسية والثقافية مثل الحوار المتمدن وحركة مصر المدنية وموقع الأوان، لتقف بذلك في مواجهة طوفان المواقع الالكترونية الاسلاموية التي تنشر الفكر المتطرف. كذلك ظهور الحركات والتجمعات الثقافية التي تعمل على نشر التنوير والحداثة في أوساط المصريين مثل حركة علمانيون ومجلة علمانية الطلابية وصالون زمرة الثقافي وحراس الهوية المصرية لتقف في مواجهة ما تبثه المساجد التي يسيطر عليها أصحاب الفكر المتطرف الذين يدعون إلى عودة مصر إلى القرون الوسطي سياسيا وثقافيا وتخليها عن هويتها المصرية لصالح هويات أخرى ترسخ للانقسام والطائفية في الأمة المصرية ما يهدد وجودها. وأخيرا، المولود الجديد للحركة العلمانية المصرية وهو الحزب العلماني المصري الذي يأتي تتويجا لهذه الجهود الثقافية ليقود النضال السياسي من أجل دولة ديمقراطية حديثة تقف فيه السلطة على مسافة واحدة من كل الأديان والمعتقدات والطوائف والمذاهب، ويخضع فيها الجميع للقانون.
لهذا ونحن في ذكرى استشهاد د. فرج فودة أدعو علمانيين مصر إلى استلهام روح الشهيد التي تميزت بالشجاعة والحماسة ما جعله يقف وحيدا في مواجهة جماعات الإسلام السياسي بكل جبروتها المالي والإعلامي والسياسي دون خوف أو كلل أو كسل حتى سقط شهيدا في سبيل الوطن. كما أدعوهم إلى الإقتداء به في أسلوبه السهل والقريب من أذهان بسطاء المصريين ما يجعلهم قادرين على فهم الأفكار العلمانية، فأخطر ما يمكن أن يهدد العلمانية في مصر هو انفصلنا عن هموم الشارع المصري وعدم قدرتنا على التواصل مع رجل الشارع البسيط، وتركه نهبا لجماعات الإسلام السياسي القادرة على السيطرة على عقول الناس باستخدام الدين.
إننا نتقدم إلى الأمام وبخطى ثابتة ونكسب كل يوم عقلا جديدا، ولعل في الهجوم الشرس من كل أصحاب العمائم على العلمانية والعلمانيين المصريين، ما يؤكد هذه الرؤية. فلولا إحساسهم بالخطر على عروشهم الدينية والمادية لما تكلفوا الحديث عنا ولتفرغوا لغسل عقول الجماهير من أجل مزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية، ولكن لأنهم يشعرون بتصاعد قوة العلمانية المصرية يصبون علينا جام غضبهم ويسخرون آلتهم الإعلامية من أجل تشويه العلمانية وبناء جدار فاصل بين العلمانيين ورجل الشارع.
أخيرا، أدعو علمانيين مصر إلى مزيد من التنسيق والتعاون من أجل نهضة مصر وتطورها، واقترح أن يكون 8 يونيو ذكرى استشهاد د. فرج فودة هو موعد لمؤتمر سنوي لجميع الحركات والتجمعات العلمانية المصرية لمناقشة مشاكلنا ووضع أجندة سنوية مشتركة نعمل عليها جميعا.