للعرب قبل الاسلام تقويمهم المستقل النابع من شؤون حياتهم اليومية الصحراوية الطابع، جاء الإسلام وغير في ذلك التقويم واعتبر العمل به كفراً بنص قرآني صريح، ماهو السبب الحقيقي لهذه القصة؟
ونحن نعرف أن اليهود يحسبون تقويمهم بنظام الكبس ومازالو حتى اليوم فيجعلون الشهر القمري ثابتا في نفس الموعد كل سنة وهذا ما يعتبره محمدا خطئا وقام بتحريمه ، فلماذا صام عاشوراء مع اليهود ؟ ولماذا لم يقل لليهود أو على الاقل لأصحابه أن هذا اليوم ليس يوم عاشوراء لأن حساب اليهود ليس دقيقا ، والغريب ان المسلمون مازالو يصومون يوم عاشوراء حتى الان وانا ايضا ( علي سعداوي ) كنت اصومه عندما كنت منخدعا بالاسلام ، فأخذوه من اليهود واليهود عندهم ذلك اليوم ثابتا كل سنة اما المسلمون فيتغير اليوم في كل سنة واصبح عاشوراء اليهودي في وادي وعاشوراء الاسلامي في وادي اخر ، فكيف يأخذون منهم اليوم ثم يغيرونه كما يحلو لهم ؟
والحقيقة أن ما كان يفعله العرب هو الامر الصحيح لأن نظام الكبس كان هو المعمول به من قبل الامم الاخرى ومازال اليهود يعملون به حتى الان وقد برعو فيه ، وهو أمر لابد منه لتعويض الفارق بين السنة الشمسية والاثنى عشر شهرا قمريا ، وقد حاول علماء الاسلام قديما وحديثا أن يقنعونا بأن حساب السنة على القمر هو افضل الحساب ويجهل هولاء او يتجاهلون بأن السنة عند القمر هي الشهر وأن القمر في الحقيقة لا سنة له ، كما يتجاهلون أنهم يحسبون كل صلواتهم بالاضافة الى الليل والنهار وما نتج عنهما من اوقات أنما يكون بالشمس لا بالقمر ، كما ان الارض والقمر وكل كواكب المجموعة الشمسية تابعة للشمس فحساب السنة بالشمس هو الاصل وهو الحساب الحقيقي ولا مانع من حساب الشهر بالقمر لأن حساب الشهر بالقمر هو الاصح فاليوم لا يكون ابدا الا بالشمس والشهر لا يكون الا بالقمر والسنة لا تكون الا بالشمس وهذا هو التقويم الحق الذي كان يتبعه أكثر العرب ولذلك كانت الشهور عندهم ثابتة لا تدور مع الفصول بل تتوافق معها تماما ، الا أن محمد الغى الكبس بأية سورة التوبة التي تقول ( أن عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا ) والغى النسئ بأية ( أنما النسئ زيادة في الكفر ) فالاية الاولى تحرم أي زيادة على الاثنى عشر شهرا وهو نظام الكبس والاية الثانية تحرم النسئ وهو تغيير الشهور ، وتحريم الكبس ومنعه هو الذي أدى الى تدميرالتقويم العربي وابداله بتقويم هو الاسوأ في العالم وحتى العلماء الذين يمتدحونه اليوم من امثال زغلول النجار وغيره لا يسيرون عليه ولا يلقون له بالا ولا يجيدون الحساب سوى بالتقويم الشمسي ، وبالاضافة الى ما فعله محمد من الغاء نظام الكبس الذي يعوض الفارق بين الاثنى عشر شهرا قمريا والسنة الشمسية فأنه اصر على ان الهلال لابد وأن تثبت رؤيته بالعين المجردة وهو ما جعل التقويم الهجري تقويم غير عملي وسئ جيدا وجعل المسلمين في حالة اضطراب وتخبط في اثبات الشهر القمري ونحن نرى كل سنة ما يحدث من اختلاف بين الدول الاسلامية في رؤية الهلال مما يجعلهم موضع سخرية من الامم الاخرى فاليهود مع انهم يطبقون التقويم القمري الا انهم يستطيعون تحديد الشهور ولو بعد الف عام ، وبالمقابل المسلمون عاجزون عن تحديد شهر قد دخل بالفعل .
والغريب جدا والمثير للتساؤل أن محمدا بعد أن الغى وحرم نظام الكبس والنسئ بزعم المحافظة على الاربعة اشهر الحرم ودفاعا عنها وعن حرميتها الا أن بعض العلماء ذكر أن حرمانية تلك الاشهر قد نسخت فاصبح القتال مباحا طوال السنة وقد قاتل وتقاتل المسلمون في كل الشهور ، وهذا امر غريب جدا !
وهذه بعض اقوال العلماء بخصوص التقويم القمري :
قول ابو ريحان البيروني في كتاب الاثار الباقية
وكان العرب فيالجاهليّة يستعملونها علي نحو ما يستعمله أهل الإسلام. وكان يدور حجّهم في الازمنة الاربعة، ثمّ أرادوا أن يحجّوا في وقت إدراك سلعهم من الاُدْم والجلود والثمار وغير ذلك، وأن يثبت ذلك علي حالة واحدة وفي أطيب الازمنة وأخصبها.
فتعلّموا الكبسَ من إليهود المجاورين لهم وذلك قبل الهجرة بقريب من مائتي سنة فأخذوا يعملون بها ما يشاكل فعل إليهود من إلحاق فضل ما بين سنتهم وسنة الشمس شهراً بشهورها إذا تمّ. ويتولّي القَلاَمِسُ بعد ذلك أن يقومون بعد انقضاء الحجّ، ويخطبون في الموسم، وينسئون الشهر، ويسمّون التإلي له باسمه.
فيتّفق العرب علي ذلك ويقبلون قوله ويسمّون هذا من فعلهم: النسيء، لانـّهم كانوا ينسأون أوّل السنة في كلّ سنتين أو ثلاث شهراً علي حسب ما يستحقّه التقدّم. قال قائلهم:
لَنَا نَاسِيٌ تَمْشُونَ تَحْتَ لِوائِهِ يُحِلُّ إذَا شَاءَ الشُّهُورَ وَيُحَرِّمُ
وكان النسيء الاوّل للمحرّم، فسمّي صفر به وشهر ربيع الاوّل باسم صفر، ثمّ والوا بين أسماء الشهور. وكان النسيء الثاني لصفر فسمّي الشهر الذي كان يتلوه وهو ربيع الاوّل بصفر أيضاً. وكذلك حتّي دار النسيء في الشهور الاثني عشر، وعاد إلي المحرّم، فأعادوا بها فعلهم الاوّل.
وكانوا يعدّون أدوار النسيء ويحدّون بها الازمنة فيقولون قد دارت السنون من زمان كذا إلي زمان كذا دورة. فإن ظهر لهم مع ذلك تقدّم شهر عن فصل من الفصول الاربعة لما يجتمع من كسور سنة الشمس وبقيّة فصل ما بينها وبين سنة القمر الذي ألحقوه بها كبسوها كبساً ثانياً وكان يبيّن لهم ذلك بطلوع منازل القمر وسقوطها حتّي هاجر النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم. وكانت نوبة النسيء كما ذكرت بلغت شعبان، فسمّي محرّماً، وشهر رمضان صفر.
فانتظر النبيّ صلّي الله عليه وسلّم حينئذٍ حجّة الوداع وخطب للناس وقال فيها: ألاَ وإنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَهُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضِ.
عني بذلك أنّ الشهور قد عادت إلي مواضعها، وزال عنها فعل العرب بها. ولذلك سمّيت حجّة الوداع، الحجّ الاقْوَم ثمّ حرّم ذلك، وأهمل أصلاً.
ويقول في موضع آخر: وفي التاسع عشر من شهر رمضان فتح مكّة. ولم يقم رسول الله صلّي الله عليه وسلّم الحجّ، لانّ شهور العرب كانت زائلة بسبب النسيء. وتربّص حتّي عادت إلي مكانها، ثمّ حجّ حجّة الوداع، وحرّم النسيء .
يقول المسعودي في مروج الذهب :
شهور الاهلّة: أوّلها المحرّم، وأيّامها ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً تنقص عن السريانيّ أحد عشر يوماً وربع يوم. فتفرق في كلّ ثلاث وثلاثين سنة، فتنسلخ تلك السنة العربيّة، ولا يكون فيها نيروز. وقد كانت العرب في الجاهليّة تكبس في كلّ ثلاث سنين شهراً وتسمّية النسيء، وهو التأخير. وقد ذمّ الله تبارك وتعالي فعلهم بقوله: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ.
يقول القرطبي في تفسيره :مسلمين
وقال مجاهد: كان المشركون يحجون في كل شهر عامين، فحجوا في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، وكذلك في الشهور كلها حتى وافقت حجة أبي بكر التي حجها قبل حجة الوداع ذا القعدة من السنة التاسعة. ثم حج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العام المقبل حجة الوداع فوافقت ذا الحجة، فذلك قوله في خطبته: «إن الزمان قد استدار» الحديث. أراد بذلك أن أشهر الحج رجعت إلى مواضعها، وعاد الحج إلى ذي الحجة وبطل النسي. وقول ثالث. قال إياس بن معاوية: كان المشركون يحسبون السنة اثني عشر شهرا وخمسة عشر يوما، فكان الحج يكون في رمضان وفي ذي القعدة، وفي كل شهر من السنة بحكم استدارة الشهر بزيادة الخمسة عشر يوما فحج أبو بكر سنة تسع في ذي القعدة بحكم الاستدارة، ولم يحج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما كان في العام المقبل وافق الحج ذا الحجة في العشر، ووافق ذلك الأهلة. وهذا القول أشبه بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الزمان قد استدار». أي زمان الحج عاد إلى وقته الأصلي الذي عينه الله يوم خلق السموات والأرض بأصل المشروعية التي سبق بها علمه، ونفذ بها حكمه. ثم قال: السنة اثنا عشر شهرا. ينفي بذلك الزيادة التي زادوها في السنة- وهي الخمسة عشر يوما- بتحكمهم، فتعين الوقت الأصلي وبطل التحكم الجهلي. وحكى الامام المازري عن الخوارزمي أنه قال: أول ما خلق الله الشمس أجراها في برج الحمل، وكان الزمان الذي أشار به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صادف حلول الشمس برج الحمل. وهذا يحتاج إلى توقيف، فإنه لا يتوصل إليه إلا بالنقل عن الأنبياء، ولا نقل صحيحا عنهم بذلك، ومن ادعاه فليسنده. ثم إن العقل يجوز خلاف ما قال، وهو أن يخلق الله الشمس قبل البروج، ويجوز أن يخلق ذلك كله دفعة واحدة. ثم إن علماء التعديل قد اختبروا ذلك فوجدوا الشمس في برج الحوت وقت قوله عليه السلام: «إن الزمان قد استدار» بينها وبين الحمل عشرون درجة. ومنهم من قال عشر درجات. والله أعلم. واختلف أهل التأويل في أول من نسأ، فقال ابن عباس وقتادة والضحاك: بنو مالك بن كنانة، وكانوا ثلاثة.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن أول من فعل ذلك عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف.
وقال الكلبي: أول من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة، ثم كان بعده رجل يقال له: جنادة بن عوف، وهو الذي أدركه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال الزهري: حي من بني كنانة ثم من بني فقيم منهم رجل يقال له القلمس واسمه حذيفة بن عبيد.
وفي رواية: مالك بن كنانة. وكان الذي يلي النسي يظفر بالرئاسة لتريس العرب إياه.
يقول الالوسي في تفسيره :
وقرأ نافع {النسي} بإبدال الهمزة ياء وإدغامها في الياء، والمراد به تأخير حرمة شهر إلى آخر، وذلك أن العرب كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرًا آخر فيستحلون المحرم ويحرمون صفرًا فإن احتاجوا أيضًا أحلوه وحرموا ربيعًا الأول وهكذا كانوا يفعلون حتى استدال التحريم على شهور السنة كلها، وكانوا يعتبرون في التحريم مجرد العدد لا خصوصية الأشهر المعلومة، ورا زادوا في عدد الشهور بأن يجعلوها ثلاثة عشر أو أربعة عشر ليتسع لهم الوقت ويجعلوا أربعة أشهر من السنة حرامًا أيضًا، ولذلك نص على العدد المعين في الكتاب والسنة، وكان يختلف وقت حجهم لذلك، وكان في السنة التاسعة من الهجرة التي حج بها أبو بكر رضي الله تعالى عنه بالناس في ذي القعدة وفي حجة الوداع في ذي الحجة وهو الذي كان على عهد إبراهيم عليه السلام ومن قبله من الأنبياء عليهم السلام. ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «ألا إن الزمان قد استدار» الحديث، وفي رواية أنهم كانوا يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذي الحجة عامين وفي المحرم عامين وهكذا، ووافقت حجة الصديق في ذي القعدة من سنتهم الثانية، وكانت حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي كان من قبل ولذا قال ما قال، أي إنما ذلك التأخير {النسىء زِيَادَةٌ فِى الكفر} الذي هم عليه لأنه تحريم ما أحل الله تعالى وقد استحلوه واتخذوه شريعة وذلك كفر ضموه إلى كفرهم.
يقول الرازي
المسألة الأولى: في {النسئ} قولان:
القول الأول: أنه التأخير.
قال أبو زيد: نسأت الإبل عن الحوض أنسأها نسأ إذا أخرتها وأنسأته إنساء إذا أخرته عنه، والاسم النسيئة والنسء، ومنه: أنسأ الله فلاناً أجله، ونسأ في أجله قال أبو علي الفارسي: النسئ مصدر كالنذير والنكير، ويحتمل أيضاً أن يكون نسئ بمعنى منسوء كقتيل: بمعنى مقتول، إلا أنه لا يمكن أن يكون المراد منه هاهنا المفعول، لأنه إن حمل على ذلك كان معناه: إنما المؤخر زيادة في الكفر، والمؤخر الشهر، فيلزم كون الشهر كفراً، وذلك باطل، بل المراد من النسيء هاهنا المصدر بمعنى الإنساء، وهو التأخير. وكان النسئ في الشهور عبارة عن تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر، ليست له تلك الحرمة.
وروي عن ابن كثير من طريق شبل: النسء بوزن النفع وهو المصدر الحقيقي، كقولهم: نسأت، أي أخرت وروي عنه أيضاً: النسئ مخففة الياء، ولعله لغة في النسء بالهمزة مثل: أرجيت وأرجأت.
وروي عنه: النسي مشدد الياء بغير همزة وهذا على التخفيف القياسي.
والقول الثاني: قال قطرب: النسئ أصله من الزيادة يقال: نسأل في الأجل وأنسأ إذا زاد فيه، وكذلك قيل للبن النسء لزيادة الماء فيه، ونسأت المرأة حبلت، جعل زيادة الولد فيها كزيادة الماء في اللبن، وقيل للناقة: نسأتها، أي زجرتها ليزداد سيرها وكل زيادة حدثت في شيء فهو نسئ قال الواحدي: الصحيح القول الأول، وهو أن أصل النسئ التأخير، ونسأت المرأة إذا حبلت لتأخر حيضها، ونسأت الناقة أي أخرتها عن غيرها، لئلا يصير اختلاط بعضها ببعض مانعاً من حسن المسير، ونسأت اللبن إذا أخرته حتى كثر الماء فيه.قمر القمر
إذا عرفت هذين القولين فنقول: إن القوم علموا أنهم لو رتبوا حسابهم على السنة القمرية، فإنه يقع حجهم تارة في الصيف وتارة في الشتاء، وكان يشق عليهم الأسفار ولم ينتفعوا بها في المرابحات والتجارات، لأن سائر الناس من سائر البلاد ما كانوا يحضرون إلا في الأوقات اللائقة الموافقة، فعلموا أن بناء الأمر على رعاية السنة القمرية يخل بمصالح الدنيا، فتركوا ذلك واعتبروا السنة الشمسية، ولما كانت السنة الشمسية زائدة على السنة القمرية بمقدار معين، احتاجوا إلى الكبيسة وحصل لهم بسبب تلك الكبيسة أمران: أحدهما: أنهم كانوا يجعلون بعض السنين ثلاثة عشر شهراً بسبب اجتماع تلك الزيادات.
والثاني: أنه كان ينتقل الحج من بعض الشهور القمرية إلى غيره، فكان الحج يقع في بعض السنين في ذي الحجة وبعده في المحرم وبعده في صفر، وهكذا في الدور حتى ينتهي بعد مدة مخصوصة مرة أخرى إلى ذي الحجة، فحصل بسبب الكبيسة هذان الأمران: أحدهما: الزيادة في عدة الشهور.
والثاني: تأخير الحرمة الحاصلة لشهر إلى شهر آخر وقد بينا أن لفظ النسئ يفيد التأخير عند الأكثرين، ويفيد الزيادة عند الباقين، وعلى التقديرين فإنه منطبق على هذين الأمرين.
والحاصل من هذا الكلام: أن بناء العبادات على السنة القمرية يخل مصالح الدنيا، وبناؤها على السنة الشمسية يفيد رعاية مصالح الدنيا والله تعالى أمرهم من وقت إبراهيم وإسمعيل عليهما السلام ببناء الأمر على رعاية السنة القمرية، فهم تركوا أمر الله في رعاية السنة القمرية، واعتبروا السنة الشمسية رعاية لمصالح الدنيا، وأوقعوا الحج في شهر آخر سوى الأشهر الحرم، فلهذا السبب عاب الله عليهم وجعله سبباً لزيادة كفرهم، وإنما كان ذلك سبباً لزيادة الكفر، لأن الله تعالى أمرهم بإيقاع الحج في الأشهر الحرم، ثم إنهم بسبب هذه الكبيسة أوقعوه في غير هذه الأشهر، وذكروا لأتباعهم أن هذا الذي عملناه هو الواجب، وأن إيقاعه في الشهور القمرية غير واجب، فكان هذا إنكاراً منهم لحكم الله مع العلم به وتمرداً عن طاعته، وذلك يوجب الكفر بإجماع المسلمين فثبت أن عملهم في ذلك النسئ يوجب زيادة في الكفر، وأما الحساب الذي به يعرف مقادير الزيادة الحاصلة بسبب تلك الكبائس فمذكور في الزيجات، وأما المفسرون فإنهم ذكروا في سبب هذا التأخير وجهاً آخر فقالوا: إن العرب كانت تحرم الشهور الأربعة، وكان ذلك شريعة ثابتة من زمان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وكان العرب أصحاب حروب وغارات فشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغزون فيها وقالوا: إن توالت ثلاثة أشهر حرم لا نصيب فيها شيئاً لنهلكن، وكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر فيحرمونه ويستحلون المحرم.
قال الواحدي: وأكثر العلماء على أن هذا التأخير ما كان يختص بشهر واحد، بل كان ذلك حاصلاً في كل الشهور، وهذا القول عندنا هو الصحيح على ما قررناه. واتفقوا أنه عليه السلام لما أراد أن يحج في سنة حجة الوداع عاد الحج إلى شهر ذي الحجة في نفس الأمر، فقال عليه السلام: «ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض السنة اثنا عشر شهراً» وأراد أن الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها.
المسألة الثانية: قوله تعالى: {زِيَادَةٌ فِي الكفر} معناه: أنه تعالى حكى عنهم أنواعاً كثيرة من الكفر، فلما ضموا إليها هذا العمل ونحن قد دللنا على أن هذا العمل كفر كان ضم هذا العمل إلى تلك الأنواع المذكورة سالفاً من الكفر زيادة في الكفر. احتج الجبائي بهذه الآية على فساد قول من يقول: الإيمان مجرد الاعتقاد والإقرار، قال: لأنه تعالى بين أن هذا العمل زيادة في الكفر والزيادة على الكفر يجب أن تكون إتماماً، فكان ترك هذا التأخير إيماناً، وظاهر أن هذا الترك ليس بمعرفة ولا بإقرار. فثبت أن غير المعرفة والإقرار قد يكون إيماناً قال المصنف رضي الله عنه: هذا الاستدلال ضعيف، لأنا بينا أنه تعالى لما أوجب عليهم إيقاع الحج في شهر ذي الحجة مثلاً من الأشهر القمرية، فإذا اعتبرنا السنة الشمسية، فربما وقع الحج في المحرم مرة وفي صفر أخرى. فقولهم: بأن هذا الحج صحيح يجزى، وأنه لا يجب عليهم إيقاع الحج في شهر ذي الحجة إن كان منهم بحكم علم بالضرورة كونه من دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فكان هذا كفراً بسبب عدم العلم وبسبب عدم الإقرار.
أما قوله تعالى: {يُضَلُّ بِهِ الذين كَفَرُواْ} فهذا قراءة العامة وهي حسنة لإسناد الضلال إلى الذين كفروا لأنهم إن كانوا ضالين في أنفسهم فقد حسن إسناد الضلال إليهم، وإن كانوا مضلين لغيرهم حسن أيضاً، لأن المضل لغيره ضال في نفسه لامحال. وقراءة أهل الكوفة {يضل} بضم الياء وفتح الضاد، ومعناه: أن كبراءهم يضلونهم بحملهم على هذا التأخير في الشهور، فأسند الفعل إلى المفعول كقوله في هذه الآية: {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أعمالهم} أي زين لهم ذلك حاملوهم عليه.
وقرأ أبو عمرو في رواية من طريق ابن مقسم {يُضَلُّ بِهِ الذين كَفَرُواْ} بضم الياء وكسر الضاد وله ثلاثة أوجه: أحدها: يضل الله به الذين كفروا.
والثاني: يضل الشيطان به الذين كفروا.
والثالث: وهو أقواها يضل به الذين كفروا تابعيهم والآخذين بأقوالهم، وإنما كان هذا الوجه أقوى لأنه لم يجر ذكر الله ولا ذكر الشيطان.
واعلم أن الكناية في قوله: {يُضِلُّ بِهِ} يعود إلى النسئ وقوله: {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا} فالضمير عائد إلى النسئ. والمعنى: يحلون ذلك الإنساء عاماً ويحرمونه عاماً.
قال الواحدي: يحلون التأخير عاماً وهو العام الذي يريدون أن يقاتلوا في المحرم، ويحرمون التأخير عاماً آخر وهو العام الذي يدعون المحرم على تحريمه.
قال رضي الله عنه هذا التأويل إنما يصح إذا فسرنا النسئ بأنهم كانوا يؤخرون المحرم في بعض السنين، وذلك يوجب أن ينقلب الشهر المحرم إلى الحل وبالعكس، إلا أن هذا إنما يصلح لو حملنا النسئ على المفعول وهو المنسوء المؤخر، وقد ذكرنا أنه مشكل لأنه يقتضي أن يكون الشهر المؤخر كفراً وأنه غير جائز إلا إذا قلنا إن المراد من النسئ المنسوء وهو المفعول، وحملنا قوله: {إِنَّمَا النسئ} زيادة في الكفر على أن المراد العمل الذي به يصير النسئ سبباً في زيادة الكفر، وبسبب هذا الإضمار يقوى هذا التأويل.
أما قوله: {لّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله} قال أهل اللغة يقال: واطأت فلاناً على كذا إذا وافقته عليه.
قال المبرد: يقال: تواطأ القوم على كذا إذا اجتمعوا عليه، كان كل واحد يطأ حيث يطأ صاحبه والإيطاء في الشعر من هذا وهو أن يأتي في القصيدة بقافيتين على لفظ واحد، ومعنى واحد.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنهم ما أحلوا شهراً من الحرام إلا حرموا مكانه شهراً من الحلال، ولم يحرموا شهراً من الحلال إلا أحلوا مكانه شهراً من الحرام، لأجل أن يكون عدد الأشهر الحرم أربعة، مطابقة لما ذكره الله تعالى، هذا هو المراد من المواطأة. ولما بين تعالى كون هذا العمل كفراً ومنكراً قال: {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أعمالهم والله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين} قال ابن عباس والحسن: يريد زين لهم الشيطان هذا العمل والله لا يرشد كل كفار أثيم.