بعد ما يقرب من نصف قرن حملني الشوق والحنين – وربما الفضول أيضا – لزيارة القرية التي ولدت فيها وقضيت صبايا وريعان شبابي بين ربوعها، كانت صورتها الجميلة الهادئة النقية ما زالت عالقة بذهني، ورائحة الأرض المصرية المميزة مازالت كامنة في أعماقي، وتطفوا على السطح دائما وأحِسُّ بها كلما ازدادت علىَّ آلام الغربة. صحيح أن كل شيء في الحياة يتغير، ولكن يجب ألَّا يكون التغيير إلى الأسوأ. فالحياة تتقدم ولكن ليس إلى الوراء.
وجدت كل شيء وكل شخص تغير، فبصرف النظر عما أصاب القرية من البلاء المستحكم والشر المستطير كالتلوث البيئي والتلوث السمعي، وازدياد الكثافة السكانية، وانعدام رائحة الأرض، واختفاء السواقي والترع والمساقي الجارية في ليالي القمر الرومانتيكية، وبدلا منها تمددت العشوائيات كالسرطان، فالتهمت الأرض الزراعية النادرة ولوثتها بالعمارات العالية والقبيحة، فإن ما لفت نظري بشكل أكبر هو التلوث الثقافي الذي دب بين أرجاء القرية التي كانت ذات يوم هادئة وناعمة وجميلة ورائعة.
لا يتمثل هذا التلوث الثقافي فقط في زيادة عدد المساجد التي لا أهمية لها على الإطلاق، وفي تقاربها بشكل كبير وصراخها أكثر من خمس مرات في اليوم وتداخل صراخها معا في سيمفونية ناشذة تصم الأذن وتعمي البصر، ولكن اللافت للنظر بشكل أقوي هو انتشار اللحى والزبائب بين سكانها من كبار السن و الشباب، وكثرة إرتداء الجلباب المنسوب إلى الأسلمة المحمدية.
بطبيعة الحال لا تغفل العين المرأة المصرية الريفية، المعروف عنها والمألوف منها دائما أنها كانت ترتدي الطرحة السوداء والملابس الجميلة المنسجمة الألوان، وتكافح إلى جانب زوجها وولدها في البيت وفي الحقل بإردتها الحرة القوية وعزيمتها التي لا تفتر ولا تلين، وفوق ذلك يملأها الحب للجميع والحيوية والقناعة والفكاهة الذكية والانفتاح الكريم والشريف على الحياة.
وجدت الكثيرات منهن وقد ارتدين النقاب أو الحجاب الإسلاموي (المزعوم). فأخذن عن جدارة أماكن أكياس القطن المصري (المنقرض) المغلفة بالسواد، وقد سيطر عليهن غباء الجدية وانعدام الهمة وزوغان الأعين.
وتساءلت:
ما الذي جعل حفيدة الفراعنة العظماء تقتنع بأن هذا الزِّي هو من الإسلام؟ وأنه رمز للعفة والطهارة؟؟!!
ألم يعد يكفي – مثلا – اقتناعها بأنها ناقصة عقل ودين ؟
وأن شهادتها نصف شهادة الرجل ؟
وأنها نجسة تنقض الوضوء كالكلب الأسود ؟
وأنها لا تورَّث سوى نصف الميراث فقط ؟؟
ألا يكفي أن الرجل المتأسلم مدلل جنسيا وبلا حدود؟ وأنها أهون وأحقر من أن يحترمها ويقدر مشاعرها ؟
ألا يكفي أن يصوب الفقه الإسلاموي رماحه إليها ويضع السيف فوق رقبتها دائما وأبدا، ويعتبرها مذنبة حتى وإن كانت ضحية ؟؟!!
لماذا تخلت عن حقيقة أن العفة والطهارة في عقلها وحده، وليس في زيها، وأن العفة والطهارة يجب أن ترسخا أولًا في عقول الرجال، وليس في طول اللحية أو سواد الزبيبة ؟؟!!
باختصار: لماذا ترتدي النقاب أو الحجاب؟؟
إن هجمة البترودولار الإسلاموية الكارثية القادمة من أرض المنبع (مملكة الجهل المقدس) غيرت عقلية الرجولة والفحولة. وغرست في أعماق الرجال الهوس الجنسي المتأصِّل في البداوة الصحراوية هناك.
قبل ما من 1500 عام انطلقت جحافل الجراد البدوي الصحراوي لتغزو مصر والدول المجاورة من أجل الغنائم والسبايا من الأطفال والنساء (ملكات اليمين)، وغيروا ديانتها ولغتها ومحوا هويتها، بل وسفهوا أجدادي الفراعنة العظماء أسوة بأشقائكم اليهود، وها هي تلك الجحافل تعود مرة أخرى بهدف ترسيخ ركائز الفكر البدوي الصحراوي، كي تبقى مصر خاضعة للغباء، موالية لبدو الصحراء، مستكينة للتخلف والانحطاط أمد الدهر!!!
إن الهوس الجنسي البدوي الصحراوي هو أهم ركائز الغزو الفكري والاستعمار الثقافي. وهو الذي اعتبر المرأة متعة للرجال وحدهم دون مراعاة لمشاعرها الإنسانية ؟؟!!
وهو الذي جعلها مصدرا لغواية الرجال وإيقاعهم في حبائلها، لاعتبار أن الـرجال كائنات ضعيفة وواهية ومنزوعة الإرادة والعقل والعزة والكرامة.
لقد ارتدت النقاب أو الحجاب لقناعتها بأنها متعة جنسية للرجل وأنها يجب أن تخفي المتعة كي يزداد شبق الرجال. المتعة التي ينشدها الهوس الجنسي للرجال يجب أن تكون معلبة ومحفوظة وتحت الطلب.
تذكرت قول العالم الكبير أينشتاين: إن أذكى إنسان في العالم لا يستعمل سوى 10٪ فقط من قواه العقلية.
إذن ذكاء الأذكياء محدود في هذه النسبة، فما بالنا بالأغبياء!!!
عدت وأنا مقتنع تماما بأنه: إذا كان ذكاء الإنسان محدود (ًا)، فإن غباءه بلا حدود!!
متأسف للغة البدو العربان، لزوم السجع وضعت ألف التنوين بين قوسين !!!