كاد الجنرال فنسنت ستيوارت، مدير الاستخبارات في البنتاغون، يقول، وامام الكونغرس، اذ لم نبرم الاتفاق النووي مع ايران قبل 30 حزيران، فسينام آية الله خامينئي الليلة المقبلة ملء عينيه، وتحت وسادته القنبلة.
بالحرف الواحد قال : ان الايرانيين لا يواجهون اي مشكلة تقنية في انتاج القنبلة. تكفي اشارة واحدة من يد مرشد الجمهورية لتصبح بين يدي علي شمخاني او قاسم سليماني، ودون ان تكون هناك اي امكانية للحيلولة دون ذلك عسكريا لان اي خطوة من هذا القبيل تعني ان الشرق الاوسط سيشتعل من ادناه الى اقصاه...
على هامش حديث طويل مع الناشط اليهودي ايلي فيزل والذي حاز جائزة نوبل للسلام بما يشبه الفضيحة، قال الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران «ان الاميركيين يتعاملون معنا، اي مع الآخرين، كما لو اننا كوكب للقردة».
عادة يتحدث الاميركيون بلغة الهوت دوغ، او بعبارة اخرى بلغة الفاست فود. هذه الظاهرة تفاقمت كثيرا في الآونة الاخيرة، و الغرنيكا تزداد هولاً في المنطقة، حتى ان ديفيد اغناثيوس يلاحظ ان الاستراتيجية الاميركية اقرب ما تكون الى الشعوذة...
اي كلام يصدر في واشنطن يبدو وكأنه بحاجة الى خبير في فك الطلاسم. والدليل ان ستيوارت كان يتحدث بطريقة معينة، فيما كان المرشح لمنصب وزير الدفاع آشتون كارتر، وقبل ان تطأ قدماه ارض البنتاغون، يعتبر امام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ «ان لدينا تهديدين محوريين ومستعجلين في الشرق الاوسط، الاول «داعش» والثاني ايران»، مضيفا بـ «ان التهديد الذي تمثله ايران هو بجدية مقاتلي «داعش» ذاتها».
الاثنان كانا يتحدثان في تلة الكابيتول التي لها مزاجها الخاص فضلا عن ارتباطاتها الانتخابية والمالية، واذا كان كارتر بحاجة الى اللوبي اليهودي لتكريسه في منصبه، فإن ستيوارت تحدث بلغة من تتواجد بين يديه كل المعطيات التي على الارض او تحت الارض.
الادارة حاولت التواطؤ،ولو التواطؤ التكتيكي، مع تل ابيب كما مع بعض العواصم العربية، التي تعتبر ان «جبهة النصرة» قوة ضرورية، وينبغي تفعيلها،لتحطيم النظام والتنظيم معا في سوريا، ودون ان تبقى خفية الاتصالات بين معاوني ابي محمد الجولاني، باعتباره شخصيا لا يفقه من السياسة شيئا، وجهات استخباراتية اسرائيلية وعربية(وحتى اوروبية بين الحين والآخر).
كلام ستيورات ادى الى تفجير ذلك السيناريو الذي مضى بعيدا في التنسيق اللوجيستي والعملاني. اذ قال «اننا نراقب الدعم الذي تقدمه «جبهة النصرة» المرتبطة بتنظيم القاعدة للعمليات الارهابية الخارجية على المصالح الاميركية والغربية» و«نحن نتوقع ان يحاول هذا التنظيم توسيع الاراضي التي يسيطر عليها في عام 2015 ابعد من مناطق عملياته في سوريا، وتعزيز قدراته العملانية في لبنان حيث يقوم بعمليات ارهابية».
لا ريب ان الرجل على بيّنة تامة من الضغوط التي تمارسها شخصيات لبنانية من اجل التعاون والتنسيق مع الجبهة على انها البديل الذي يمكنه تقويض النظام، وبالتالي تفكيك المدى الاستراتيجي لـ «حزب الله» ووضعه وراء القضبان تمهيدا لما هو ابعد بكثير...
ستيوارت لم يتفوه سوى بالقليل من الذي يعلمه.الاميركيون يتكلمون بالاشارات ليس فقط لانهم براغماتيون اكثر من اللزوم، ولا يستسيغون لغة بديع الزمان الهمذاني التي يتقنها العرب مثلما يتقنها بعض الاوروبيين.في اللحظة المناسبة دق ناقوس الانذار: ابو محمد الجولاني ارهابي مثلما هو ابو بكر البغدادي ارهابي...
اذاً، لا بد من تفسير الاشارات حين يتوقع ان تمضي التطورات في سوريا لمصلحة نظام بشار الاسد، وخصوصا في محيط مدينة حلب، وهذه السنة بالذات، اذ «سيتمكن الجيش من تطويق المدينة وقطع امدادات المعارضة»..
هل ندرك ماذا يعني ذلك؟ لا مجال يقول ان مدير الاستخبارات في البنتاغون يتوقع جزافا. انه داخل اللعبة، وحيث يتقاطع عضويا وديناميكيا، الاستخباراتي مع الاستراتيجي. وحين تقول واشنطن ان حلب ستغدو في قبضة النظام، فكما لو انها تقول باستعادة النظام لاحد اهم عوامل قوته على الارض وفي اطار الخارطة السورية برمتها...
الا يعني هذا ايضا وقف اللعب التركي في ريف حلب كما في المدينة، وهو ما ينطوي على ابعاد حساسة بعدما بات معلوما ان ضباطا في الجيش الاردني بدأوا يضغطون على البلاط للتنسيق مع دمشق في الحرب ضد»داعش»؟
نعلم ان الاميركيين يلاعبون الجميع ويلعبون بالجميع. استراتجيتهم ترويض الوحوش، ولو بمراقصتها، لاستخدامها في اغراض شتى. لكنها الرقصة القاتلة. اليس هذا ما تقوله اشارات رجل يرصد دبيب النحل، كما دبيب الضباع، على الارض وتحت الارض؟
عن الديار