Saturday, July 7. 2007
يعتبر بودان صاحب نظرية السيادة المطلقة في العصور المتأخرة في أوروبا . فبعد أن نشر كتابه الجمهورية حاول أن يحدد معالم السياد
. فهو يعتبرها امراً دنيوياً محضاً . لذلك فالسيدة للملك على رعاياه خاضعة لقانون الطبيعة ولمتطلبات النظام الأخلاقي . غير الملك سيداً من جهة كونه صاحب سيادة بشرية . ولهذا جاء تعريفه لها ؛ بأنها السلطة العليا المطلقة الأبدية على المواطنين والرعايا في الجمهورية , وهذه السلطة ينبغي ان تكون أبدية . لأنها القدرة على أعطاء القانون وخرقه . وقد اعتمد على الملاحظة التأريخية في اثبات منهجية نظريته . لأنه يعتبر التأريخ يتضمن القسم الأكبر من التأريخ العام . ولكنه في الوقت ذاته ينتقد طريقة ميكافيلي في التأريخ ويعتبرها ناقصة . قادته إلى واقعية زائفة . فنظرية ميكافيلي غير حقيقية وغير موضوعية . لأنها تعتمد على فصل السياسة عن الأخلاق . وهذا النوع من التصور هو المنحى الأستبدادي الذي كان صاحبه ميكافيلي في فهمه للسيادة والنظام , ولكن بودان لا يختلف عنه كثيراً . لنه يجعل من الملك حاكماً مطلقاً إلى البد طوال حياة الشخص المالك للسلطة . وذلك خلافاً لأولئك الذين يرون انهم ليسوا سوى اناس عهد اليهم بأمر ما . وانهم يحتفظون بسلطة السيادة إلى أن يعلن للشعب أو الأمير الذي اعطاهم أياه أن يسترجعها ؛ فإذا ما أعطى الناس كل سلطتهم إلى أي واحد طالما هو على قيد الحياة سواء اكان قاضياً ام نائباً أم حاكماً . أو لمجرد تخليص انفسهم من ممارسة سلطتهم فإنه لا يعتبر في هذه الحالة سيداً بل موظفاً بسيطاً أو نائباً أو وصياً أو حاكماً أو قيماً على سلطة شخص اخر . ولكن إذا ما أعطى شخص ما هذه السلطة المطلقة خالصة وببساطة دون أن يسمى قاضياً أوحاكماً أو نائباً أو أي شكل من أشكال الوكالة . فمن المؤطد أن متل هذا الشخص يسمى او يحق له أن يسمى ملكاً سيداً . لأن الشعب قد نتازل بطوعه عن سلطة السيادة ليخولها إلى شخص أخر . ويلقي على عاتقه كل السلطات والصلاحيات والسيادات التي تشتمل عليها , ولكن هذه التفسير للسيادة المطلقة هو أن يجعل الناس تحت سلطة الحكام في الجمهورية دائمة وخلصة يتصرف بأموالهم وأرواحهم وجميع شؤون الدولة على هواه . ومن ثم يتركها لمن يرغب فيه من بعده مثلما يفعل المالك عندما يهب دون أن أن يذكر سبباً . سوى ان كرمه دفعه إلى ذلك . وهذه هبة حقيقية لا تقيدها الشروط بعد امضائها وأنهائها على الوجه الصحيح . بحيث تكون السلطة معزولة تماماً عن الشعب . وبودان يعتبر الأمير أو الملك ظل الله وأن لا سلطة تحاسبه على أعماله مهما بلغت من الصرامة والشدة والأكراه إلا الله , وهنا إذ لا يعتبر الملك نفسه جزء من الدولة والشعب , بل هو الكل المطلق الذي لاينافسه أحد . وتجد في عبارته في كون الأمير ظل الله واضحة كالتالي ؛ وكما أن الله وهو الرب العظيم لا يستطيع أن يصنع إلها أخر مساوياً له . قوة وعظمة لأحد لهما . ولا يمكن أن يكون هناك شيئان لا نهاية لهما . كما تدل على ذلك القرائن فإنه من الطبيعي أن الأمير الذي قلنا عنه بأنه ظل الله لا يستطيع أن يجعل واحداً من أفراد رعيته مساوياً وإلا أنتقص من سيادته . وهذه اللون من الرؤية لا يجعل المير في قمة الهلرم من السلطة بل السلطة فوق القمة . ‘إن نظرية بودان لا تختلف كثيراً فيما ذهب إليه هوبز في السيادة أو لآله الفاني لأنهما يرونها حق الأستقلال التام الذي هو حق طبيعي ومصون , وحق في أستقلال وسلطة يعتبران في مجالهما أعلى مما سواهما بصورة مطلقة ومجردة وليس بصورة نسبية . أو بأعتباهما أعلى جزء في الكل لأن أستقلال المير وسلكته تقع في المرتبة العليا . وهما منفصلان عن الكل . فأستقلاله وسلطته ليسا أستعلائيين فقط بالنسبة إلى قسم آخر من الكل السياسي . لكونه في قمة أعلى جزء من هذا الكل . بل أنهما استعلائيان بصورة مطلقة . لكونهما فوق الكل منفصلين عنه , وتأتي هذه النظرة الراديكالية من مفهوم الإنسان عندهم كونه شريراً بطبعه وإلا فإن نظرية السيادة إذا أخذت شكل الأستعباد فإنها تفقد هويته وأرادته . وتجعله ميالاً كثيراً إلى قبول قهري إلزامي بأحكام السلطة , وهذا التجني على الفرد هو النظرة التامة إلى فلسفة السيادة داخل في مصلحة السيد أو الأمير . وهي فلسفة تجريدية تنفي عن المجتمع طابع الأيمان الفطري بحقوقه الأجتماعية في الحرية والمساواة والعدالة أمام القانون . وفي الحقوق الملكية العامة والمباحةولعل التصور السياسي الذي مال بأتجاهه عدة من المفكرين الأوروبين , أصحاب النزعة الأستعلائية إنما كانت ميولهم بأتجاه مصلحة الفرد الحاكم . لا أن المصلحة الأجتماعية الذاتية كانت الهدف السياسي الذي يجب أن تصان فيه حقوق الرعية . وأن جدلية التبادل الأيجابي تظل نظرية عقيمة .لأنها لا تتفق مع رغبات السلطات وأصحاب الفكر الأستعلائي . بل تجابه برفض عنيف يولد مشاكل جمة بأتجاه مجموعة قد لاترى فيها ذات الرأى , أن مبدأ السيادة المطلقة لا يركن إلى دليل عقل . بل كل ما يمثله من نظام هو فوقية مقيتة من القوانين القسرية . التي تدعو إلى الأيمان بالحاكم المستبد دون وجه حق ودون ادنى دليل . ومن هنا كان هذا المبدأ يحارب الأنسان في ذاته ويكيل فيه حريته ويجعله أسير شهوات الحاكم الذي لايرعى للمبادئ والقيم الإنسانية أية رعاية . فأكثر ما تمثله فلسفة حكمه دفع الكافة إلى قبول حكمه . وبهذه الفرضية السابقة لأنه بالأعتبار الذاتي له يمثل الكل المطلق . في حين لايمثل الشعب حتى الجزء المفترض الطاعة . ولأجل هذا الأتجاه فالمبدأ محارب من كل وجه لأنه يحارب الإنسان ويمتهن الوجود ويحطم الكرامةويحرق السيادة الشخصية , ويجعل الكافة آلة ووسيلة غايته البيع والقتل والخوف والدمار وكل الشهوات الحيوانية الضالة والمفترسة , ولمجموع الأعتبارات السالفة تلك كان تبرير هذا المبدأ من الناحية العقلية خيانة للضمير وللشرف الإنساني الكبير , ولعل الأتجاه السياسي المعاصر عند المفكرين يرفض ذلك الأتجاه بصورته المظلمة , لأنه يجعل جميعاً بيد الحاكم وهي بدورها لاتكثل إلا إرادته ورغبته , أن عجز المجتمعات الأوروبية عن صياغة نظام حكم سياسي يأخذ بالأعتبار كافة تطلعات الفرد والجماعة . يوحي بأن القائمين على هذا الأمر إنما ينطلقون من النزعة الذاتية التي لاتأخذ بالحسبان رؤيةالمجتمع وأتجاهاته المختلفة وتطلعاته وآماله نحو العدل والحرية والكرامة والأستقلال , بحيث يشعر قبل كل شئ بوجوده كأنسان نافع يشارك في بناء الحياة الإنسانية السعيدة ؛ ولذلك تعتبر كلمة السيادة من المصطلحات الأساسية في الفكر السياسي المعاصر , وذلك لأن الدولة المعاصرة شعرت بحاجتها الضرورية لممارسة حقها في الدفاع عن نفسها من الخطار الخاجية , ومن التدخل المباشر في شؤونها الداخلية , فضلاً عما تعنيه كلمة السيادة من تمتع الدولة المباشر بسلطة عليا تمارس بمقتضاها سلطة الأمر والنهي على رعاياها في ظل الدستور ,
|