في مقال سابق عالجنا الأزمة العراقية وأبعادها من الوجهة السياسية وارتدادات السياسات الداخلية والخارجية على المسرح العراقي، الا أننا سنتطرق في مقالنا هذا الى الوجه العسكري للنزاع في العراق وتنامي ظاهرة «داعش» وتشعباته في دول الجوار.
اثبت «داعش» انه مخلوق متعدد الوظائف ومتنوع الاستعمال. ففي البدء أدى هذا التنظيم خدمة لدول الخليج القلقة من تعاظم نفوذ ايران في العراق من جهة، عبر ضرب حكومة المالكي واضعاف النفوذ الايراني هناك. ومن جهة ثانية أدى التنظيم خدمة لتركيا بتأخير او ضرب حلم الدولة الكردية في المنطقة عبر اضعاف الاكراد شمال العراق وتهجير اكثر من 200 الف كردي من شمال شرق سوريا الى الداخل التركي.
كما اننا لا يمكننا التغاضي عن ان التنظيم في سوريا اضعف «المعارضات» السورية عبر «مناتشتها» على السلطة والنفوذ في المناطق الخاضعة لها، الا اننا لا نعتبر هذه الخطوة ضمن تحالف سري مع النظام، بل محاولة من «داعش» لترتيب البيت الداخلي للقوى الجهادية في سوريا كما تفعل كل القوى المتطرفة، فتتخلص من الاخصام الداخليين لكي تتحضر فيما بعد للخصم الأكبر وهو النظام في الشام.
إنطلاقاً من هذا السرد، نعتبر ان «داعش» مخلوق تم تبنيه وتغذيته من عدة اطراف، من ضمنها بعض دول الجزيرة العربية بالاشتراك مع تركيا . فدول الجزيرة العربية تفضل «داعش» على ايران ونظام الاسد، رغم ان التنظيم قد يشكل خطراً على الستاتيكو القائم عندها، الا انها ترى ان بامكانها توجيه التنظيم في وجه القوى الشيعية في العراق وادخاله في حرب طويلة الأمد مع ايران كما فعلت ايام صدام حسين .
وايضا، تركيا ترى منفعة بتنظيم «داعش» وتفضله على نظام الأسد، كما انها تفضله على قيام دولة كردية على حدودها قد تتصل بأكراد الداخل التركي، والذين يشكلون 15 مليون نسمة. وهذا ما يفسر وقفة «المتفرج» للدبابات التركية بدم بارد من على الحدود مع سوريا على بلدة كوباني وهي تذبح على يد مقاتلي التنظيم. وتمنع المقاتلين الاكراد من الدخول الى كوباني وادخال اي معونة عسكرية للمقاتلين داخلها.
انطلاقاً من هذا الواقع، يعايش العراق اليوم مخططات عديدة على اراضيه لا تضع اياً منها وحدة العراق الجغراسية ضمن اولوياتها، وما يدعونا للقلق اكثر هو خطة التحالف الدولي ضد «داعش» لدحر هذا التنظيم على الارض في العراق وسوريا. الا ان ما سنتطرق اليه هو الخطة الدولية لمحاربة «داعش» في العراق، والتي تتمثل في تدريب البشمركة والقوات العراقية كل على حدة. وما يدعونا للقلق أكثر ان القوات العراقية تتمثل بأكثرية شيعية، مما يجعل الامر على شكل حرب طائفية (وهذه الحقيقة الحاصلة للأسف). الغاية من هذا السرد، استشراف مرحلة ما بعد «داعش». اننا نرى العراق وقد وجد فيه جيشان منظمان ومسلحان بأفضل الاعتدة حيث تكون الحدود الداخلية للعراق مرسومة بقدر ما «حرر» كل من الجيشين أراضي من تنظيم «داعش» وهذا ما يرسم قيام دولتين الاولى كردية والثانية شيعية، كون الاكراد لن يتنازلوا عن مشروع الاستقلال التام، هذا، وقد اصبح لديهم جيش كامل منظم على عكس شاكلة البشمركة سابقاً.
اما شيعة العراق فيصبح لديهم كل المقومات اللازمة لقيام دولة تخصهم، بعد ان تكون «داعش» ادت الدور الاكبر في تطـهير المناطق المختلطة مذهبياً.
اننا نحذر من خطة التحالف الدولي القائمة على تدريب الاكراد والجيش العراقي كل على حدة، فالنتيجة المنتظرة والممكن استقراؤها منذ الآن، هي قيام جيشين داخل العراق يبسطان سيطرتهما على مساحات تشكل ثلثي العراق، ولا ينقصهما الا اعلان كل منهما الدولة التي تشكل حاضنتهم السياسية .
ومتى قسّم العراق، قسّم المشرق العربي كله الى دول مذهبية صغيرة عاجزة عن القيام بواجبها القومي، وعندئذ يصبح المشرق تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة.
إذاً ما العمل؟ نرى الحل في العراق بقيام جبهة وطنية تضع تحت امرتها القوات العراقية مع البشمركة، وتضم العشائر السنية تحت لوائها، بعد تصحيح ما اقترفت ايدي المالكي من اخطاء جسيمة، حيث تكون قوات هذه المكونات الثلاثة تحت امرة قيادة مشتركة تعمل على تحرير العراق من القوى الرجعية العائدة من زمن الظلمات. ان أي تصور مبني على محاربة كل مكون من مكونات المجتمع العراقي لـ«داعش» على حدة، لن يأتي بنتيجة سوى اضمحلال العراق عن خارطة العالم وتقسيمه الى مربعات وتجمعات مذهبية إثنية .