نبيه البرجي
كلام من القاهرة...
عبد الفتاح السيسي الذي نفتقد فيه الظهور المدوي، والشخصية المدوية، وعند هذا المفترق الذي نسأل فيه عن مصر واهل مصر، قال: يا اشقاءنا في الخليج...احذروا تركيا!
ليرفع السيسي صوته اكثر اذا كان لا يستطيع، إن بالكاريزما الشخصية او بالازمات الهائلة، ان يشكل الزعامة المركزية في القارة العربية. وكانت نيويورك المكان المثالي ليرد السيسي على رجب طيب اردوغان، بلهجته الاستفزازية الشهيرة. صوت مصر كان خافتا وان قيل لنا ان الصوت الهادىء والمتزن و العميق اكثر تأثيرا من الاصوات الصاخبة والمتغطرسة.
لكن الثابت ان الرئيس المصري تمكن من اقناع جهات خليجية كانت ولا تزال تراهن على الدور التركي على انه يؤمن التوازن مع الدور الايراني في المنطقة، بأن هاجس الباب العالي لم يبارح العقل السياسي التركي، حتى ان كمال اتاتورك، وهو الذئب الاغبر الذي ازال السلطنة، ارغم في مؤتمر لوزان وغير مؤتمر لوزان، على التخلي عن دعوته الى إلحاق الشمال السوري، وفي قلبه حلب، والشمال العراقي، وفي قلبه الموصل، بالجمهورية التركية..
عصمت اينونو الذي خلفه في رئاسة الدولة، واخذ اسم عائلته من اسم النهر الذي هزم على ضفافه اليونانيين، قال علناً بـ «الجوهرة الناقصة»، مبديا خيبته لان جنوده لم يحرروا « الاجزاء العزيزة» من الارض التركية...
ويقال في القاهرة ايضا ان الرئيس السيسي لم يقنع الجهات الخليجية بوقف الرهان على انقرة فحسب، وانما ايضا بالضغط على واشنطن بوجه خاص لكي تحول دون اردوغان واقامة المنطقة العازلة التي يمكن ان تكون المدخل الى التمدد في الداخل السوري..
قطعاً لم يقتنع المصريون بأن تنظيم الدولة الاسلامية اختطف موظفي القنصلية التركية في الموصل، وهم يصفون ما حدث بالمسرحية الهزلية اذ ان قادة التنظيم يسرحون ويمرحون، وعلى رأسهم ابو يوسف، داخل تركيا التي تستقبل جرحاهم والتي ابتاعوا منها، وبأموال عربية بطبيعة الحال، ذلك الاسطول الهائل من السيارات على انواعها والتي تستخدم للاغراض العسكرية، فضلا عن الاسلحة والاعتدة...
المصريون واثقون من ان رئيس الاستخبارات التركية حقان فيدان هو القائد الفعلي للتنظيم، وان الخطة لم تكن لتقتصر على احتلال الموصل، اذ بالرغم من تحالف مسعود برزاني مع رجب طيب اردوغان ضد حكومة نوري المالكي، لا يمكن للرئيس التركي ان يتقبل فكرة الدولة الكردية الضاربة..
تم التخطيط مع ابي بكر البغدادي للاستيلاء على اربيل، وربما تدميرها، وبالتالي تدمير القوة الكردية. وحين اقتربت قوات «داعش» من المدينة ولم يكن الامر يحتاج الى اكثر من ليلة واحدة لاجتياحها، بعث برزاني بصيحة استغاثة الى انقرة التي (للغرابة) ابلغته انها لا تستطيع التدخل عسكريا في العراق الذي استبيحت ارضه عشرات المرات من الجيش التركي...
وكانت صيحة اخرى الى طهران. الايرانيون الذين كانوا ينظرون بعين الريبة الى التواصل بين انقرة واربيل والذي بدأ يأخذ منحى استراتيجيا، بدوا وكأنهم ينتظرون تلك اللحظة. على عجل وصل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، ومعه 70 رجلا. توقف الزحف على اربيل ودفع الداعشيون بعيدا عن المدينة..
الآن، السيناريو الاخر الذي ابتدعته الاستخبارات التركية، وهكذا يقول المصريون، اذ لماذا ابتعد تنظيم الدولة الاسلامية كل تلك الاشهر عن ضريح والد مؤسس السلطنة سليمان شاه، ليقتحمه في هذا الوقت بالذات، بالتزامن مع طرح مشروع المنطقة العازلة ومع تصويت البرلمان على المشاركة في التحالف الدولي، وهي المشاركة التي ليست اكثر من ستار لتهريب الدبابات التركية الى الداخل السوري...
لا ينظر المصريون الى الايرانيين على انهم قديسو الشرق الاوسط. يتحدثون عن الاعتلال الاستراتيجي لدى العرب والذي شرّع الابواب امام كل الطموحات الجيوسياسية، لكن ايران تلعب وجهاً لوجه، و لا يمكنها ان تحتل اجزاء من سوريا او اجزاء من العراق، ولاكثر من سبب، فيما الاتراك لا يخفون نواياهم قط، واحيانا من خلال التسلل عبر الشقوق التي بين العرب والعرب...
اردوغان هو الذي استدعى الدرع الصاروخية الاميركية علّ هذا الدرع يشكل المظلة ليمضي في خطته العثمانية (او النيو عثمانية). الرجل اظهر قصوراً منقطع النظير في قراءة الخطوط الحمراء في المنطقة.واذا كان هناك داخل المملكة العربية السعودية من قال بالعمل مع الاتراك ، كان هناك ايضا من هو شديد التوجس من الدور التركي الذي لا يمكن ان يتوقف عند حدود سوريا و العراق...
في القاهرة كلام عن ان الرئيس السيسي نصح بالتنسيق مع دمشق التي لم تعد كما ايام زمان. وقد تكون هذه هي الصرخة الاخيرة لانقاذ سوريا لا من التفكك او التفتت، وقد حدث الكثير من ذلك على الارض، وانما لانقاذها من الزوال..
ماذا اذا زالت سوريا؟ المصريون يسألون ويجيبون: سقوط مصر وسقوط المشرق العربي بأسره..
هذا الكلام الذي يقال داخل الردهات المقفلة ينبغي ان ينتقل الى العلن. الآن، المنطقة بحاجة الى صوت مصر. وليكن صاخبا وثوريا ومدويا لكي يستيقظ من يفترض ان يستيقظ!
عن الديار البنانية