كان تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق» قد عبّر عن نيته لتوسيع مسرح عملياته وطموحاته من خلال تغيير اسمه في عام 2012 ليصبح «الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام»، وبما يؤشر الى استراتيجية جديدة تضعه في مواجهة مباشرة وطويلة مع النظام السوري ومع التنظيمات المسلحة الاسلامية بما فيها الجيش الحر، الجناح العسكري للائتلاف الوطني السوري.
تعود جذور تنظيم «الدولة الاسلامية» الى تنظيم «القاعدة» في العراق، والذي اسسه ابو مصعب الزرقاوي، الذي يحمل الجنسية الاردنية والذي سبق له ان قاد مجموعة من «المجاهدين» في «هيرات» في افغانستان، حتى عام 2001، حيث انتقل الى شمال العراق ملتحقاً بمجموعة انفصالية كردية تعرف بـ«انصار الاسلام».
وترجح معظم التقارير عن التحاق الزرقاوي بتنظيم «القاعدة» بأنه لم يلتحق به مباشرة بعد الاحتلال الاميركي للعراق في ربيع 2003، وبأن ذلك قد تأخّر الى تشرين اول عام 2004.
التحق بتنظيم «القاعدة» في العراق مجموعات من المقاتلين الذين تعرّف عليهم الزرقاوي في افغانستان وباكستان، كما التحق به متطوعون عديدون، جاؤوا من سوريا، ومن العراق في العام 2006 اصبحت اكثرية المقاتلين من العراقيين، وذلك كنتيجة مباشرة للحرب المذهبية التي اندلعت بين السنة والشيعة والتي بلغت ذروتها في عام 2007. لكن بدأت في عام 2007 الحرب التي قادتها القوات الاميركية بمساعدة «الصحوات» من العشائر ضد تنظيم «القاعدة» في العراق. وكانت قدرات التنظيم قد تأثرت الى حد كبير بعد مقتل الزرقاوي في غارة جوية شنتها طائرات اميركية في حزيران عام 2006، حيث حلّ مكانه في القيادة ابو أيوب المصري، وهو خبير في المتفجرات ومصري الجنسية. وقرر ابو ايوب المصري في تشرين اول عام 2006 تغيير اسم التنظيم ليصبح «الدولة الاسلامية في العراق»، وذلك بهدف جذب اكبر عدد من المتطوعين العراقيين الى صفوفه.
كانت هناك دائما تساؤلات تطرح من كل صوب حول مصادر تمويل تنظيم «القاعدة» في العراق او «الدولة الاسلامية» لاحقا، ويبدو ان هناك اجماعاً حول حصول التنظيم على دعم مالي ايراني عن طريق عملاء الحرس الثوري الايراني الذين حضروا الى العراق للتخريب على الاحتلال الاميركي وحلفائه. لكن يرى عدد من الخبراء بأن مصادر تمويل التنظيم قد تنوعت، حيث جاء بعضها من عمليات التهريب، ومن عمليات الخطف، ومن فرض «خوات» على التجار الصغار والكبار في محافظة الموصل وبقية المناطق التي يسيطر عليها.
ساعدت سياسات رئيس الوزراء نوري المالكي تنظيم «الدولة الاسلامية» على توسيع انتشاره في المناطق السنية، والتي لقيت معارضة شديدة من الشرائح السنية وخصوصاً في محافظة الانبار. وكان التنظيم قد اعتمد استراتيجية الهجمات الارهابية ضد مواقع حساسة في الدولة وضد الاهداف الشيعية، وذلك في معرض الرد على عمليات الميليشيات الشيعية المحميّة من قوات الأمن والتي شنّت حملة شعواء ضد السنة لتهجيرهم من عدد من المناطق بما فيها احياء العاصمة بغداد. وهناك معلومات اوردتها بعض التقارير المنظمة لصالح الكونغرس الاميركي بأن الهجمات الارهابية التي شنها تنظيم «الدولة الاسلامية» داخل العراق في عام 2013 قد بلغت ذروتها وتسببت بقتل الاف المواطنين العراقيين (7818 قتيلاً من المدنيين ورجال الشرطة بالاضافة الى جرح 17891 شخصا).
تتحدث بعض المعلومات عن الاسباب التي دفعت تنظيم «الدولة الاسلامية» لدخول الحرب السورية وتورد في طليعتها سببين:
- الأول، بأن تنظيم «النصرة» قد تشكّل في سوريا بمبادرة من ابي بكر البغدادي، وذلك في عام 2012، لكن ابو محمد الجولاني قد خرج عن طاعته، وهذا ما دعاهما للاختلاف والاحتكام الى أيمن الظواهري، والذي أفتى بأن «النصرة» هي الممثل للقاعدة في بلاد الشام. وهذا ما استثار غضب ابو بكر البغدادي.
- الثاني، وجد ابو بكر البغدادي ان هناك فرصة سانحة للسيطرة على اراض شاسعة ومدن استراتيجية في الشمال الشرقي من سوريا، وبأن ذلك سيعطيه عمقاً استراتيجياً، كما انه سيزيد من قدراته العسكرية من خلال جذب اكبر عدد من المتطوعين الاجانب الذين باتوا يتدفقون الى شمال سوريا عبر الحدود التركية. هذا بالاضافة الى ما يمكن ان يجنيه من مغانم ومكاسب جراء الاستيلاء على آبار النفط السورية في شمال سوريا.
كان لا بدّ ان يصطدم «داعش» داخل سوريا بالتنظيمات السورية الاخرى بما فيها «النصرة» و«الجيش الحر» وبقية التنظيمات الاسلامية العاملة في شمال سوريا، والتي كانت قد بدأت صراعاً عسكرياً في ما بينها على خلفية السيطرة على المنافذ الحدودية مع تركيا او بسبب تقاسمها لبعض المواقع الاستراتيجية والاقتصادية.
من ابرز المواصفات في شخص قائد «الدولة الاسلامية» المعروف باسم «ابو بكر البغدادي» بأنه طموح جداً، ويحيط نفسه وعمله بهالة من الغموض والسرية، وهو يتعارض بذلك مع اسلوب ابو مصعب الزرقاوي الذي كان يجب الظهور والدعاية لاعمالهم. ويأخذ البغدادي على الزرقاوي تقصيره في عدم العمل على توسيع فجوة الكراهية والخلاف بين السنّة والشيعة من اجل الاستفادة منها لتوسيع امارته، وجذب المزيد من المتطوعين الى صفوف تنظيمه.
ان حملات الاضطهاد والعنف والقتل والتهجير التي يرتكبها سواء في سوريا او العراق بعد احتلاله لمدينة الموصل ونينوى والانبار في حزيران الماضي، وما سبقها من مسلسلات التفجير والعنف في المدن العراقية ذات الاكثرية الشيعية او ضد قوات الشرطة والامن التي يسيطر عليها اتباع المالكي والاحزاب الشيعية الدينية الاخرى تؤشر بوضوح الى استراتيجية التوسع انطلاقا من العمل على توسيع مشاعر الكراهية والانشقاق بين الطوائف والمذاهب.
سعى ابو بكر البغدادي منذ البداية لدخوله المسرح السوري الى التركيز على احتلال وادي الفرات بقسميه العراقي والسوري وذلك كمنطقة عمليات اساسية على ان تليها مرحلة توسع للسيطرة على الممرات الحدودية بين العراق وسوريا من اجل محو خط الحدود بين البلدين، وتحويل اقسام كبيرة من البلدين الى مسرح عمليات موحد يسيطر عليه «داعش».
بعد عملية التوسع هذه يعمل التنظيم على اقامة دويلة اسلامية وفق النموذج الذي اعتمدته طالبان في افغانستان، ويحاول بعض انصاره ان يسوقوا قائدهم على انه القائد الفعلي لتنظيم القاعدة والبديل الحقيقي لاسامة بن لادن في قيادة «القاعدة».
يبدو من بعض المؤشرات التي تؤكد على الطموحات «غير المحدودة» للبغدادي بأنه بات يسعى الى دور اقليمي ودولي، وان اول الغيث في ذلك كان باعلانه دولة الخلافة، والعمل على توسيع عملياته باتجاه دول الجوار كالاردن ولبنان والمملكة العربية السعودية. وتشكل هذه الطموحات مادة لتحليلات لاحقة.