يستغرب البعض من احتفاء المصريين بالمظاهرات القائمة بمدينة ميزوري الأمريكية وكأنها نصر عظيم للمصريين بل ذهب البعض يروج أن هذه الاضطرابات من صنع المخابرات المصرية ردا على المؤامرة الأمريكية ضد مصر.
وهذه ليست أول مرة نحتفل فيها بأمور هي أقرب إلى التفاهات منها إلى المهمات، والصغائر منها إلى الكبائر فرأينا فرح البعض ببكاء الجنود الإسرائليين على زملائهم الذين قتلوا في غزة، واحتفال البعض بصورة رفض مصافحة امرأة مسلمة لمسئول أجنبي أو رجل مسلم لمسئولة أجنبية، أو خزعبلات إخفاء وكالة الفضاء الأمريكية لأثر أقدام النبي على المريخ، أو أثر انشقاق القمر الذي تكلم عنه القرآن، كذلك احتفال البعض بما يعرف بجهاز الكفتة.
ومن قبل كل ذلك الاحتفالات الصاخبة بالفوز ببطولة أفريقيا لكرة القدم. والحقيقة الذي يدقق في أمر الأمة المصرية سيجد أنه من الطبيعي ونحن نعيش هذه الهزيمة الحضارية أن يحتفل المصريين بهذه التفاهات ويصدقوا هذه الترهات، فنحن لم نحقق أي انتصار في أي مجال منذ أسس محمد علي باشا مصر الحديثة.
فجامعاتنا خارج أي تصنيف عالمي، واقتصادنا يخرج من كارثة إلى أخرى وكأننا ندور في دائرة مفرغة من الفقر والنهب والفساد، نظامنا التعليمي هو أحد أسوأ النظم على مستوى العالم، نستورد معظم ما نأكل وما نلبس، نظامنا الصحي من سيئ إلى أسوأ، لدينا أحد أسوأ أنواع النظم الإدارية في العالم، نظامنا السياسي ينتقل من مستبد إلى أخر، باختصار نحن لم ننجز أي شيء ولم نضف أي شيء لمصر أو للإنسانية منذ ما يقرب من 200 عام.
لذلك من الطبيعي أن نحتفل بانتصارات وإنجازات وهمية نعوض بها شعورنا باليأس والإحباط حتى لو كنا نعرف في داخلنا أننا نحتفل بأوهام. فنحن نعرف أن اضطرابات ميزورى لن تؤدى إلى سقوط النظام الأمريكي أو تفكك أمريكا بعد اندلاع حرب أهلية فيها وان هذه الاضطرابات قد تنتهي غداً أو بعد غد، ولكننا نحتفل بها لأننا لا نملك غير ذلك أمام هزيمتنا الحضارية في مقابل أمريكا.
كذلك فرح البعض بمصرع ما يقرب من 40 جندي إسرائيلي مقابل أكثر من 2000 فلسطيني، فهؤلاء أيضا يعرفون أنهم يحتفلون بسراب ولكنهم يحاولون تعويض هزيمتنا الحضارية أمام إسرائيل التي تمتلك أحد أكبر الجامعات العالمية ولديها تقدم علمي يفوق كل دول المنطقة مجتمعة وحصل العديد من علمائها على جائزة نوبل لأبحاث قاموا بها داخل إسرائيل وليس في أوربا أو أمريكا.
ثم ماذا يعنى أن يرفض شخص مصافحة شخص؟ ما النصر في ذلك وما الإنجاز الحضاري الذي تحقق؟ إلا أن تكون أوهام في عقل المحتفل.
وعندما احتفل الكثير منا بجهاز علاج فيروس سي والإيدز الذي نعرف جميعا من أول لحظة انه عملية نصب فهو إعلان عن اختراع لم تلتزم فيه الجهة التي ادعت اختراعه خطوات الإعلان عن اكتشاف علمي التي يلتزم بها كل علماء الدنيا.
ولكن لأننا نبحث عن أي نصر حتى لو كان وهمي أهملنا كل هذا ورحنا نحتفل بجهاز الكفتة.
ستستمر احتفالاتنا بالانتصارات الوهمية حتى يأتي يوم نستطيع فيه أن ننجز شيء للإنسانية ونضيف شيء لحضارة بنى البشر كما فعل أجدادنا المصريين القدماء، ولن يتم هذا إلا بدولة ديمقراطية حديثة تطلق حرية الفكر والإبداع، تنشر التفكير العلمي بدلا من التفكير الخرافي، والعقل النقدي بدلا من العقل النقلي، تنفق على البحث العلمي أكثر مما تنفق على كرة القدم، وترعى صحة المصريين أكثر مما ترعى مصالح المتسلطين.
وإلى أن يتم ذلك سنظل نحتفل بانتصارات لا توجد إلا في خيالنا.