كاتبة لبنانية
ثمة خط زمني يربط بين لحظتين مشهديتين تابعناهما صوتا وصورة..
الأولى لحظة انهيار النائبة العراقية الأيزيدية “فيان دخيل” أمام البرلمان العراقي وبكائها المؤثر مستصرخة العالم التحرك وإنقاذ الأقلية الأيزيدية من الموت قتلا وتهجيرا وسبيا بسبب ملاحقة قتلة “داعش” لهم، وها قد تابعنا صور جموع الأيزيدين تهيم في الجبال فيما مات أطفال لهم عطشا واختطفت نساء ليجري بيعهن “سبايا”، مستعيدين ممارسات من تاريخ اعتقدنا أنه أفل فإذا به يعود بكل عنفه.
والثانية لحظة مواجهة النائبة التركية “أيلين نازيليكا” لكتلة “العدالة والتنمية” في البرلمان لرفض نواب هذه الكتلة تمرير قانون حماية المرأة التركية من العنف ساخرين مما استعرضته النائبة من تراجع أوضاع التركيات فصرخت “أيلين نازيليكا” النائبة المعارضة أن “الشيطان” الذي في داخلها يحثها على قذف نواب الحزب الحاكم بحذائها لكنها حين نظرت إلى الحذاء وجدت أنهم لا يستحقون، وهذا ما قالته حرفيا في الجلسة.
ضج الرأي العام بدموع النائبة الأيزيدية وتعاطف معها بل وزاد تعاطفه بعد أن كادت تموت حين وقعت طائرة الهليكوبتر التي أقلتها فوق المناطق التي فزع إليها الأيزيديون خلال مشاركتها في حملات الإغاثة فأصيبت بجروح.
كذلك لاقت النائبة التركية دعما إعلاميا كبيرا جسدته حملة تويترية عنوانها “الحذاء قادم” للاحتجاج على رفض نواب حزب العدالة والتنمية مواجهة العنف الواقع على المرأة التركية والذي سجل ارتفاعا حادا في السنوات الأخيرة والاعتراف بالمسؤولية عن الخطاب الذكوري المحقّر للمرأة.
وأقصد بالخط الرابط بين النائبتين هو الزمن الذي وجدت النائبة الأيزيدية نفسها تواجهه من خلال أفظع تجليات التخلف ووحشيته والذي يتصدره مسلحو “داعش” الذين أعادونا إلى ماضٍ قاتل ومخيف. وها هي نائبة في البرلمان العراقي تصرخ بفزع من حقيقة أن هناك من يشن حرب إبادة ضد أقلية يرى أنها “شيطانية” ويعيد تشريع مبدأ بيع النساء في سوق نخاسة.
فيما الزمن الذي دفع بالنائبة التركية إلى الصراخ بغضب هو تخلف آخر يرتدي في تركيا لبوسا حداثيا تحت مسمّى إسلام حديث أو إسلام معتدل لكنه ينظر إلى المرأة أيضا نظرة تحقيرية. فلم تتجاوز التركيات بعد تداعيات ما أعلنه نائب رئيس الحكومة “بولينت أرينتش” في ثاني أيام عيد الفطر حين اعتبر ضحك التركيات في الأماكن العامة أمرا غير أخلاقي.
إن جسدت “داعش” الدرك الأدنى من الخطاب الديني المُحتقِر للمرأة والإنسان بشكل عام، فإن حزب “العدالة والتنمية” يجسد أيضا خطابا كارها للمرأة وإن كان مرتديا زيا حديثا ولاعبا أبرع في السياسة.
فالخط الزمني يتطور من “داعش” إلى “العدالة والتنمية” وهناك فارق هائل بين الاثنين ولا أقصد هنا مساوتهما ببعض. فالنائبة الأيزيدية في حالة رعب حقيقي على سلامتها الجسدية وسلامة وأمن شعبها، فيما النائبة التركية تواجه نواب حزب العدالة وجها لوجه بل وهي تهدد بقذفهم بحذائها.
لن نمل ترداد أن أوضاع نسائنا في مجتمعات البؤس التي نعيشها هي إلى الوراء. فاستهداف النساء سواء بالقتل أو بالرجم أو عبر عدم المساواة في القوانين يجسد النظرة نفسها التي ما فتئنا نتخابط معها. ويوماً بعد يوم، تجد المرأة نفسها من جديد في أَتُون حرب شعواء بأبعاد وتداعيات اجتماعية ونفسية، ويواجهن وحشية جديدة تجعلهن في مقدمة الضحايا والقتلى.
صحيح أن هناك زمنين مختلفين تجري فيهما هذه الوقائع هم زمن الموصل وزمن أسطنبول أي زمن “داعش” وزمن “العدالة والتنمية” لكن كلام حزب العدالة ينطوي على رغبة في جسر المسافة فيما لو أتيح لهم ذلك. وما ردّهم لقانون حماية المرأة من العنف سوى قناعات تلامس الممارسات الداعشية فالمرأة تعنف ويجب أن لا تطالها حماية القانون وهذا ما يجري في الموصل.