تبدو الديمقراطية عندنا وهم يُراد له ان يكون كذلك ، ذلك لأننا نحاول تجاوز أشراطها ونذهب للتواطؤ عليها ، موهمين الناس والتابعين إن ذلك شكل من أشكالها ، أقول قولي هذا وأنا لست متحاملاً على أحد أو ظاناً به سوء ، لكنني أتحدث من وحي المعنى ومن وحي ما أرى وما أشاهد ،
فالديمقراطية في بلادنا هي التصرف في اللامعقول واللامتخيل و تلك صفات لا تنسجم مع الطبيعة الموضوعية التي توصف بها الديمقراطية ككونها - حكم الشعب نفسه بنفسه - عبر الإختيار والإنتخاب الحر ، ولو لم يكن ذلك هدفها وغايتها ، فلماذا نجر الناس إلى الإنتخابات ونصرف الأموال والجهود والوقت ؟ ، في العالم الحر تكون الديمقراطية خياراً حراً للحكم و للتبادل السلمي للسلطة ، وهذا الحق محفوظ لشعوبهم فهم ينتخبون المشروع والبرنامج الذي يجدونه الأكثر فائدة لهم ولحاضرهم ، ولكن هذا النموذج من الخيارات يبدو بعيد المنال عنا وعن تصوراتنا وعن طبيعة فاعلنا السياسي ، والذي هو عندنا عبارة عن : مزيج من قبلية عشائرية وجاهلية دينية ، وهذا المزيج هو الذي يشكل العقبة عندنا في وجه الديمقراطية إضافة إلى المحاصصة الطائفية البغيضة ، والتي جرت الويلات على شعبنا وعلى بلدنا وأخرت فيه روح التقدم وروح الحياة ، نعم إن شعبنا هاجسه وهمه أن يعيش بكرامة ولا يتحقق ذلك من غير الديمقراطية فهي وحدها القادرة على تغيير الواقع وصنع المستقبل ، ومن أجل هذا يكون نضاله طويلاً ومستديماً ومتعدد الوجوه والأشكال ، ولكن هذا النضال يعوزه الإنسجام وتعوزه الإرادة والحلم والقدرة ، وفقدان الأدوات التي تجعل من الحلم حقيقة أو تحرير الإرادة من وطأة الواقع وثقله ، نعم إن الحلم بالكرامة وسيادة القانون وتنظيم المجتمع على أساس مدني غاية في حد ذاتها ، لكن هذه الغاية تحتاج إلى عمل و تضحيات ودماء كثيرة ، وإعلان شجاع وبراءة من كل ماهو تاريخي عفن ، وهذه الإرادة في هذا الإتجاه لا تبدو ممكنة لا في أيامنا ولا في الإيام الآتية .
كما إن الديمقراطية ليست آلية وحسب ، بل هي ثقافة ووعي مجتمعي يجب ان يسود ، ولا تكون الديمقراطية ممكنة من غير الحرية السابقة لها ، فالديمقراطية من دون الحرية تعد لغواً ومجازفة وفعل ممنوع ، كما إن الديمقراطية من غير الشعور بالمواطنة والإحساس بالمصلحة الجمعية أمر عبثي ، ولأننا في مجتمع عربي مسلم تحكمه وتتحكم فيه أعراف القبيلة وخرافات أهل الدين لذلك تصطدم الديمقراطية كما نفهما وكما يفهمها العالم بالواقع هذا ، تصطدم بثقافة الناس البدائية التي كانت ولازالت هي السائدة والمتحكمة في سياستنا ومعاشنا ، وتلك هي ثقافة الفرق والملل والطوائف والقبايل ، ثقافة - أنا أو لا أحد - ثقافة الحزب الواحد والطائفة الواحدة ثقافة أنتجت لدينا - داعش وأخواتها - ، هذه الثقافة لن تصنع الديمقراطية كما هي الحلم والشعور ، ولكنها تصنع الممارسة التي تدفع بها الطوائف والفرق والمذاهب والقوميات ، تلك التي تعود بنا إلى عصر التخلف ، عصر - الأئمة من قريش - وباقي الناس تبع لهم وظل وخدم .
وشعبنا المسكين هذا الغارق بالوهم من أكثر شعوب العالم إيماناً بالخوارق والمعجزات ، ومن أقل شعوب العالم جهداً وتحقيقاً وأكتشاف وأقلها نظراً إلى المستقبل ، ولهذا تُغريه الوعود ويُغريه الكلام عن الجماعة وعن الفئة وعن الخوف من الآخر ، كائناً مايكون هذا الآخر ليس مهماً المهم إنه يتحصن عنه ويتخندق ضده ، هذا التجييش الإعلامي والسلوكي نراه في مصر المسلمين ضد الأقباط ، ونراه في العراق السنة ضد الشيعة ، وهو هناك في سوريا السنة ضد العلويين ، وينقسم هذا المقسم فيكون السلفي ضد المعتدل ، ويكون التكفيري ضد السلفي ، وهلم جرا .
في ظل هذه الثقافة تدخل الديمقراطية وتُعلم لأبنائنا وللأجيال القادمة ، فالمرأة المسلمة تتحدث عن الحرية ولكنها لا تمتلك من الحرية شيئا ، ولا تعرف معنى الحرية لا في ملبسها ولا في مأكلها ولا في علاقتها مع زوجها ، ويتحدثون عن الحرية في التاريخ الإسلامي وعن عدالة - عمر بن الخطاب - وحريته ولكنهم ينسون دكتاتوريته واستبداده وجهله في كثير من القضايا والأحكام ، و يتحدثون عن ضرورة التبادل السلمي للسلطة ، ولكنهم يقاتلون إن نازعهم أحد عليها أو فاز بها أحد غيرهم ، ويتحدثون عن العدالة في ظل الإسلام ، مع إنهم يمنعون أي مسيحي أو كتابي آخر ان يبني له كنيسة أو محل عبادة ، بل يتبعونهم قتلاً وذبحاً وضآلتهم في ذلك خبر يُنسب للنبي يقول فيه - أمرت أن أقاتل الناس إلى أخره .. - ، على عكس دول الغرب المسيحي التي تفتح للمسلمين دورا للعبادة وتساعدهم وتؤيهم من الخوف ومن الجوع وتمدهم بكل اسباب الحياة ، فأهل الكتاب هؤلاء الذميون الدافعون للجزية والمحرومون هم من يتعطف على المسلمين النازحين في الشام وفي العراق ، ونحن نمنعهم حق المواطنة العادية ونقدم لهم – إسلام الدواعش الذي يفتك بهم ويشردهم من أرضهم وموطنهم - ، تم هذا في عملية غدر وخيانة لا تغتفر ولا يمكن وصفها إلاّ كجريمة كبرى ، هؤلاء المسلمون الجدد لا يمكنهم ان ينظروا إلاّ من هذه الزاوية ، ولهذا يسفكون الدماء ويتلذذون بذلك ثم يعتبر أميرهم إن جنده ملائكة السماء قديسون ملهمون ومعصومون ، أي هراء هذا الذي يقوله وهو يسفك دماء الشيعة والمسيحيين والكرد والإيزديين يقتل أبنائهم ويستحيي نسائهم ، ولعلكم رأيتم وشاهدتم كيف يمارسون هوايتهم هذه على الآمنيين من شعبنا البريء المسالم .
لهذا أحذر من هذه الديمقراطية التي يستغلها هؤلاء للطعن والقتل والفوضى ، ومنذ قديم الإيام وأنا أقول إن الديمقراطية من دون ثقافة شعبية تؤمن بها لن تكون إلاّ في خدمة الجريمة وأحزاب الإرهاب وفرق الموت ، وكنت أقول : إن ثقافة الديمقراطية هي الحرية الإقتصادية التي تهب للإنسان كرامته وترفع عنه حالة الفقر والعوز والحاجة ، الحرية الإقتصادية للجميع للذكور والأناث للرجال والنساء على السواء ، والتي معها تذوب الحاجة إلى إغراءات الأحزاب والفرق فيكون المرء سيد نفسه يختار من يرآه بالفعل أهل لتحمل المسؤولية والقدرة على خدمة المجتمع وتحقيق الطموح ، وفي بلدان المنطقة العربية والإسلامية الإقتصاد مسخر لخدمة فئة من الناس يذلون به العباد والبلاد ، ولم أجد في تاريخ العرب والمسلمين ما يحدثني عن إمتلاك الفرد العربي و المسلم لحريته الإقتصادية فالكل تابع بحسب الولاءات والإنتماءات ،، ولذلك فأنا أشك أن تنمو ويزدهر عود الديمقراطية في مجتمعاتنا العربية يوماً وكلامي هذا أقوله للتاريخ وللحاضر.
وعن التغيير الذي حدث في العراق أو الذي سيحدث فنحن معه ومع إرادة شعبنا في ان يكون سيد نفسه ، ونحن مع من يحقق للشعب عزته وكرامته ويرفع عنه الأصر والأغلال ، ونحن مع جيشنا الباسل وهو يزحف شيئاً فشيئاً لتحرير البلاد والعباد من العصابات الإرهابية الحاقدة ، وسوف لن أنسى تلك الدماء الطاهرة التي تضحي من اجل العراق ونهاية قوى الإرهاب ، وفي هذه المناسبة إني أحترم شجاعة وإرادة الأخ نوري المالكي حين سمح للعملية السياسية في أن تستمر ، وأحيي وأبارك للأخ حيدر العبادي وأشد على يده كي يكون عوناً لشعبه في المرحلة المقبلة ، تلك المرحلة التي لا تقبل القسمة على أحد ، ونحن معه في خندق مواجهة الإرهاب حتى يندحر ويزول ، ونبارك لشعبنا صبره وحلمه وطول أناته وتحمله وحلمه أن يعيش الحياة حراً مرفوع الهامة والجبين .