الليبرالية هي مذهب فكري يركز على الحرية الفردية ويرى وجوب أحترام أستقلال الأفراد ويعتقد أن الوظيفة الأساسية للدولة هي حماية حريات المواطنين مثل حرية التفكير والتعبير والملكية الخاصة والحرية الشخصية وغيرها ولهذا يسعى هذا المذهب إلى تقييد حدود السلطة وتقليل دورها وإبعاد الحكومة عن السوق وتوسيع الحريات المدنية .
أشتقت الليبرالية من الكلمة اللاتينية ( Liberalis ) ليبراليس وتعني حر وهي عبارة عن فلسفة فكرية سياسية تدعو إلى تمجد قيم الحرية والمساواة والحقوق المدنية .
ولد المذهب الليبرالي في ظروف تاريخية شهدت صراعات حادة بين قيم الحرية الموروثة من العصور القديمة والعصر الوسيط وبين نظم أستبدادية أعتمدت الشمولية والدين وقوة الأقطاع التي سادت القرنين السادس عشر والسابع عشر وأذا كانت الليبرالية قد صاغت تصوراتها الفكرية ووضعت مناهجها الأيدلوجية ضمن هذا المخاض العنيف من التجارب والصراعات أمتد منذ منتصف القرن السادس عشر عبر حركة ألأصلاح الدينية التي تزعمها رجل الدين الأصلاحي الثوري الألماني مارتن لوثر (1483 -1546 ) والتي سعت إلى محاربة جمود الكنيسة وفسادها وأنشغال كهنة الثيوقراط الكنسي بالتنافس من أجل الحصول على أوفر المكاسب المادية ثم أستطاعت وعبر مراحل تأريخية من تشكيل الكيانات الأوربية في صورتها التي شهدناها بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وأن تضع لها موضع قدم في مسيرة هذه التحولات لتكون حلقة مهمة في تأسيس هذه الكيانات بعد صراعات قومية ودينية دموية أستمرت لقرون فكانت هذه الحركة وما تلاها من ثورات تنويرية أيقضت أوربا التي كانت غارقة في سبات الظلام الكنسي المسيحي هو البداية الحقيقية المؤسسة للفكر الليبرالي وأن يكن نشأ وولد في أحضان الدين والمؤسة الدينية إلا أنه أستطاع أن يضع لبنة أولى في مسيرة التحول التأريخي من الدولة الدينية القائمة على الأقطاع إلى نظرية فكرية توجت بحركات الأستقلال القومي التي حدثت في عصر النهضة في أيطاليا والمانيا وفرنسا التي رافقها شيوع نوع من الأفكار التي نظمت الحياة السياسية والأجتماعية أستناداً على مباديء الحرية الشخصية في مجالات الفكر والاقتصاد والسياسة وكان دعوات المفكر الانكليزي جون لوك التي كتبها على شكل مقالات ( رسالة في التسامح ) خلال أقامته في هولندا في السنوات التي سبقت الثورة الانكليزية المجيدة في العام 1688 المحطة الأولى في هذا المجال ثم تبعها (العقد الاجتماعي ) لجان جاك روسو (1712 - 1778 ) الذي نشره في عام ( 1762 ) إلى جانب نظريات توماس هوبز التي أظهرت للعيان الحاجة الماسة للأهتمام بالحريات وتنظيم العلاقة بين الدولة والفرد بعقد يضمن الحقوق الأجتماعية والمدنية والأقتصادية للفرد في ظل حكومة ديمقراطية تحترمه بعد أنهيار الدولة الدينية .
أن مايهمنا بالدرجة الأولى في هذه المجال هو أن نلقي نظرة على الفكر الليبرالي في البلاد العربية وفي العراق خصوصاً وبدءاً فأن ظهور الليبرالية في الوطن العربي كان نتاجاً لحركة الأصلاح الديني التي ظهرت في منتصف التاسع عشر وقادها كلاً من عبدالرحمن الكواكبي ومحمد عبدة وجمال الدين الافغاني ورشيد رضا والتي دعت إلى التخلي عن المركزية والاستبداد في أدارة شؤون الدولة الأسلامية ثم جاءت المطالبات الصريحة لتلاميذهم في مصر وبلاد الشام أمثال احمد لطفي السيد وطه حسين وإبراهيم اليازجي بالمطالبة بالأستقلال وقيام الدولة الدستورية التي تحافظ على حرية الأفراد وحقوقهم الأنسانية كما في كتاب قاسم أمين عن حرية المراة وتحررها والتي أنتجت بعد الحرب الثانية أنظمة حكم وأن أعتمدت الدساتير العصرية فأنها في حقيقة الأمر كانت أمتداداً لأنظمة الحكم المستبدة في عهد الدولة العثمانية في عصورها الأخيرة أما في العراق فكان أحتلاله من قبل البريطانين بعد خسارة تركيا الحرب العالمية ألأولى 1914 قد أيقظ العراقيين ولأول مرة على ضرورة أن يكون لهم دولة وطنية دستورية برلمانية تعتمد الحرية والتعددية الحزبية في نظام ديمقراطي ملكي دستوري ولقد كانت هذه البذرة هي البداية لما تلاها من ظهور أفكار قريبة بالفكر الليبرالي مثل أفكار الحقوقي حسين جميل ( 1909 -2002 ) الذي كان واحداً من أوائل دعاة الديمقراطية في العراق خلال الأربعينات وأحد مؤسسي جماعة الأهالي في الثلاثينات وأحد القادة البارزين للحزب الوطني الديمقراطي ونقيب المحامين في العام 1953 والذي عرف عنه نشاطه في مجالات حقوق الانسان والدفاع عن الديمقراطية أما الشخصية الثانية فهو آية الله الشيخ أياد الركابي (1961 ) أكمل الشيخ الركابي دراساته الأولية في العراق وعندما بدأت الثورة الإيرانية كان الشيخ من أشد المناصرين لها في بدايتها تفرغ الشيخ الركابي للدراسات الإسلامية في الحوزة العلمية درس المقدمات والسطوح لدى مشايخ الحوزة المعروفين درس البحث الخارج لدى اساطين الفقه آنذاك ومنهم المجتهد العلامة الشيخ المنتظري الذي منحه درجة الاجتهاد برز كواحد من المجددين الليبرالين في الحوزة العلمية من خلال طرحه رؤى وأفكار بعيدة كل البعد على ماتعارف عليه المذهب الجعفري خلال تأريخه الطويل الذي سبق قيام الحوزة العلمية ولقد كان في طروحاته العقائدية بعض من الخروج التقليدي الذي لم يتعوده الفكر الشيعي مثل الأمامة والشفاعة والتوسل والوقائع التأريخية كواقعة كربلاء ولقد كان مؤلفه مقدمة في الإصلاح والتصحيح الديني المطبوع في لبنان سنة 1995 للبحث في قضايا التاريخ والعقيدة الإسلامية الخطوة التي سهلت للأخرين نقد الدين من أصوله وجذوره وما رسالته إلى السيد الخامنئي إلا نموذجاً من هذا التوجه والتي جاءت رداً على أصدار حكم الاعدام بحق شخص أيراني أرتد من الاسلام إلى المسيحية حيث يقول في مضمون رسالته (إن الله كما هو وكما يعرفه الناس ويعرفه المؤمنون ، بأنه رؤوف رحيم بعباده ، ولهذا دعاهم للحوار وحثهم على الجدل بالحسنى ولم يُصادر حقهم هذا في كل ظرف وفي كل مكان ، وقد خاطب رسوله العظيم بذلك وعلمه كيف يتعامل في سلوكه مع الناس المختلفين بقوله : فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر - و المشيئة هنا هي مشيئة تشريع ) وكذلك موقفه من ضم مقام النبي حزقيال أو ذي الكفل إلى الوقف الشيعي في رسالته إلى المرجع الأعلى السيد السيستاني (أن هذا الإجراء في خطورته ولا شرعيته يشبه فيما يشبه تلك الطريقة التي أستولى بها الوهابيون على أضرحة ومقامات الأئمة في البقيع الشريف وإنني ومن هذا المنطلق أهيب بسماحتكم الوقوف مع الحق والعدل وحماية الحقوق والممتلكات كما إنني أهيب بسماحتكم التصدي لكل إجراء تعسفي وغير شرعي يمس في الصميم قيم الإسلام والقرآن العظيم ) بالأضافة الى مؤلفاته العديدة التي دعا فيها إلى أعادة المحاولة في البحث في موضوعة الدين والتاريخ مثل (إشكالية الخطاب في القراءة التاريخية لوقعة كربلاء طبع في لبنان سنة 1986) و( نقد العقل الإسلامي طُبع في لبنان سنة 1994 ) وهو نقد الفكر والخطاب والمعرفة الدينية العتيقة .
بعد العام 2003 ظهر بالعراق نوع جديد من الفكر الليبرالي لم يعهده العراق من قبل وتبناه كلاً من السيد أحمد القبانجي المولود في النجف العام 1958 مؤسس الملتقى الثقافي للفكر الاسلامي المعاصر والذي درس في الحوزة الدينية في النجف 1974 حيث درس الفقه والاصول على أساتذتها وغادر العراق عام 79 إلى سوريا ولبنان وأستقر في ايران ودرس في قم وعاد 2008 إلى العراق يسعى إلى صياغة ما يصفه بالإسلام المدني الذي يتوافق مع العدالة وحقوق الإنسان ويجيب حسب رأيه عن إشكاليات الفكر الإسلامي التقليدي حيث يدعي أن التمسك الحرفي بالنصوص يعني عدم قدرة الإسلام على مواكبة التقدم المعرفي للإنسان وأذا كان من سبق القبانجي قد قدم أفكاره منطلقاً من مجاورة الأصلاح في بعض قيم الدين ومراجعة ما أصابه من خلل فأن القبانجي قد أنطلق بفكرته الليبرالية من عمق الدين وحاول نسفه من الجذور وكانت البداية حسب قوله في أحد محاوراته (وعندما أكتشفنا أن الدولة الاسلامية- ( ويقصد ايران )- فشلت في أنتاج الانسان الصالح والمجتمع الصالح وأن المجتمعات الغربية قدمت نموذجاً أفضل من جهة مراعاتها لحقوق الأنسان وحرية الأديان وتطور الفكر الديني واحترام الآخرمقارنة بما وجدناه في الجمهورية الاسلامية آنذاك بدأنا بأعادة النظر ربما كان الخطأ موجود فينا ومن منظومتنا الدينية ) وهو يختزل الدين بفكرة ضبابية موجزة (بينما الدين بجوهره يصلح لكافة المجتمعات البشرية كأيمان وحب لله وللناس هذا هو الدين الذي يستمر إلى يوم القيامة أما الشريعة فهي متغيرة ولاتمثل سوى قشور الدين) حتى وصل به الأمر إلى المطالبة بأيقاف العمل ببعض الآيات القرانية لأنها على حد قوله لاتتواكب وحركة العصر بالأضافة لذلك له طروحات غاية في التطرف كما في نزول الوحي والقران حيث يرده إلى ثلاث أمور هي 1- الالهام : (أن الكثير من آيات القرآن هي الهامات وخطرات خيرة كانت تخطر على قلب النبي وعقله فيتصور انها من الملك ومن الله كما كان هو المعروف في ثقافة ذلك الزمان,والشاهد على ذلك ان كل انسان يجد مثل هذه المفاهيم في وجدانه وعقله دون الاستعانة بالقرآن )
2- الاستنساخ :(فكل ماورد في التوراة والانجيل من قصص الانبياء واقوامهم ومقولاتهم كان النبي يصوغها بطريقة بلاغية ويعرضها بثوب جديد ويقول انها من الله وهو صادق ايضا,لانه كما قلنا انه كان يعتقد ان التوراة والانجيل من الله )
3-الاستيحاء):حيث نرى في الكثير من آيات القرآن ان الله يتحدث مع من لا يعقل ولا يمكن صدور مثل هذا الكلام عن الله,وهذا يعني ان النبي استوحى من هذه الحادثة اوالظاهرة الطبيعية هذا الكلام وجعله بشكل كلام جرى بين الله وذلك الشئ) والقاريء يرى من خلال مايطرحه السيد القبانجي ليس حركة لتجديد الدين وبعث لحركة أصلاحية قوامها الليبرالية التي في أساسها الحرية والمسارواة بقدر ماهو تجديف واختراق لروح العقيدة والدين الاسلامي ومحاولة نسفه مبرر ذلك بغاية باللحاق بركب الحضارة العالمية الجديدة .
أما الشخصية الأخرى في هذا المجال فهو السيد أياد جمال الدين من مواليد مدينة النجف عام 1961 لعائلة تنحدر من الناصرية في جنوب العراق خرج من العراق عام 1979 إلي سوريا ومن ثم إلي إيران التي درس فيها العلوم الدينية والبحث الخارج لمدة 8 سنوات كما درس الفلسفة والتصوف مؤسس أول تجمع ليربالي بالعراقي وهو تجمع ( الأحرار ) بعد سقوط نظام البعث 2003 وكان من أشد المعارضين للمادة الرابعة من الدستور التي تنص على أن الدين الإسلامي مصدر أساسي التشريع ويرى جمال الدين أن (استخدام الإسلام كجزء من مصادر التشريع هو تمزيق في حقيقته للدين وللتشريع ) وما يطرحه من أفكار في غاية الشذوذ عن الدين الاسلامي ليس لها علاقة بالدين ولو أنه ركز في طروحاته على فكرة الحرية والعدالة لكان ذلك أجدى له مثلاً قوله أن الله لم يحرم الخمرة وضرورة الحفاظ على الراقصة والغانية كما نحافظ على سيرة الأنبياء والصالحين ولا أعرف لم يجب مقارنة الغانيات مع الأنبياء والصالحين وأنه علماني وضد تطبيق الشريعة الأسلامية لأن تطبيقها يؤدي إلى قتل اليزيديين والصابئة ولا أعرف كيف لرجل دين مثله يرتدي العمامة لا يعرف أن النبي أسس أول دولة مدنية بالمدينة المنورة بوجود المسيحي واليهودي دون أن يؤدي ذلك لحرمانهم من حقوقهم المدنية .
ربما يكون السبب الرئيسي لأن ينحى الفكر الليبرالي بالعراق هذا المنحى الخطير ويقدم بهذه النموذج هو الأنتقال الحاد والمفاجيء من نظام شمولي دكتاتوري إلى نظام مفرط بالديمقراطية والحرية وليس له قانون ضابط لحدوده ومساحته وكان على من حمل هذا الفكر التأني والتروي في تناول مواضيع غاية في الحساسية والخطورة .
خضر عواد الخزاعي
http://www.alnoor.se/article.asp?id=245343#