Wednesday, July 4. 2007
وذلك لأن من الواضح أن يحتاج في الملكية حيث يرى من يأمر بتنفيذ القوانين أنه فوق القوانين إلى فضيلة أقل مما في الحكومة الشعبية . حيث يشعر من يأمر بتنفيذ القوانين بأنه خاضع لها بنفسه , وبأنه يحمل عبئها .
والفضيلة في الجمهورية أمر بسيط جداً فهي حب الجمهورية , وهي شعور لا نتيجة معارف . ويمكن آخر رجال الدولة أن يكون حائزاً هذا الشعور كأولهم , أن حب الجمهورية في الديمقراطية هو حب للديمقراطية وأن حب الديمقراطية هو حب للمساواة . وهنا التعليق ينسجم مع الدولة الديمقراطية التي تؤمن بمبدأ الفضيلة وحب المساواة . في حين لا تقوم الأستبدادية إلا على عامل الخوف والأرهاب , ولذلك ؛ فلا ضرورة للفضيلة فيها مطلقاً ويكون الشرف فيها خطراً ويجب أن يحكم في الشعب بالقوانين وفي الأكابر بهوى الأمير , وتستلزم طبيعة الحكومة المستبدة طاعة متناهية . فإذا ما عزمت إرادة الأمير مرة كان لها الأثر المقدر كالذي تناله الكرة من الأخرى عندما تطرح عليها , وليس هناك مزاج ولا تبديل ولا اصلاح ولا مواعيد ولا اكفاء ولا مفاوضات ولا ملاحظات مطلقاً , ولا شئ يعد نداً أو اصلح من سواه للاقتراح . فالإنسان مخلوق يطيع مخلوقاً يريد , إذا ما أراد همج لوزيانه نيل ثمرة قطعوا الشجرة من أسفلها وأقتطفوا الثمرة فهذه هي الحكومة المستبده . والذي يبدو أن منتسكيو لا يطرح منهجاً مقارناً بقدر ما يطرح وصفاً للأستبداد . الذي كان سائداً في عصره . ولذلك كانت مقارنته للمنتظمات السياسية قائمة على درجة من الوعي لبلوغ مبدأ الحرية والحفاظ عليه . ومحاصرة الأستبداد والقضاء علية . وهذا الأتجاه المقارن ما كاد ليصل إليه لولا طرح نظريته القائمة على فصل السلطات . بحيث صار كما تصفه الكتب السياسية الزعيم الفكري للأنظمة الدستورية الحديثه . والزعيم المنهجي للدراسات المقارنة الدستورية , ولقد توصل إلى هذا اللون من الفصل ملاحظاً الجو الميداني ومعززاً نظريته بالتجربة البريطانية . ولهذا فقد تراه يصف الحرية بتعبير يدلي فيه ؛ حقاً أن الشعب في الديمقراطيات يصنع ما يريد . كما يظهر غير أن الحرية السياسية لا تقوم على صنع ما يراد مطلقاً . ولا يمكن الحرية في الدولة أي في المجتمع ذي القوانين أن تقوم على غير القدرة على صنع ما يجب أن يراد. وعلى عدم الأكراه على صنع ما لا يجب أن يراد . ويجب ان ينقش في الذهن ما هو الأستقلال وما هي الحرية , فالحرية هي حق صنع ما تبيحه القوانين . فإذا استطاع أحد الاهلين أن يصنع ما تحرمه القوانين فقد الحرية .وذلك لامكان قيام الأخرين بمثل ما صنع . ويعتقد منتسكيو أن الحرية أمر لازم الممارسة في الدولة والنظام , ولكنه لا يقوم على تجرد إنما يجب مراعاة النظرية القائلة بفصل السلطات . لكي يتسنى ممارسة السلطة لحقوقها دون وصاية أو حق قهري يلزم بنقض القانون وصيانة الفرد الحاكم . والرأي الأكثر أنسجاماً عنده هو المحافظة على نفوذ النظرية . لأن الحرية السياسية للمواطن تقوم على اطمئنان النفس وهذه ؛ تنشأ عن رأي واحد حول سلامته . ويجب لنيل هذه الحرية أن تكون الحكومة من الوضع ما لا يمكن المواطن معه أن يخشئ مواطناً آخر . ولا تكون الحرية مطلقاً . إذا ما اجتمعت السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في شخص واحد . أو في هيئة حاكمة واحدة . وذلك لأنه يخشى ان يضع الملك نفسه . قوانين جائرة لينفذها تنفيذاً جائراً . وكذلك لا تكون الحرية إذا لم تفصل سلطة القضاء عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية . وإذا كانت متحدة بالسلطة التشريعية كان السلطان على الحياة وحرية الأهلين أمراً مرادياً , وذلك لأن القاضي يصير متشرعاً وإذا كانت متحدة بالسلطة التنفيذية أمكن القاضي ان يصبح صاحباً لقدرة الباغي , وبهذا يكون منتسكيو يخالف نظرية تجمع السلطات في يد واحد , وهذا التصور الذي أبطاه إنما يقوم على منهج الملاحظة المقارن . الذي شمل منتظمات سياسية متعددة في أزمان وأماكن مختلفة . ولكن معلوماته لم تكن صحيحة عن تلك المنتظمات , بحيث يمكن الوثوق إليها والتعويل عليها , لأن أكثر أحكامه إنما تقوم على منهج للملاحظة المقارنة . وهو منهج له أيجابية خاصة وسليبة عامة . ذلك لأنه قارن على حد المنتظم السياسي البريطاني . ونظريته في فصل السلطات هي ذاتها النظرية التي تمارسها الحكومة البريطانية . ولهذا فهو لم يحط بحقائق الأفكار السياسية العامة . لذلك فنظريته تبقى مجرد نظرية خاصة في مجال مبدأ الحرية . الذي هو أثمن حاجة للضمير الإنساني لما لها من قابلية منطقية في جعل الأنسان يحس بوجوده ومبدأه وحركته وسكونه . ولكنها تظل فوق مستوى التنظير لأنها بحاجة إلى تطبيق عملي , يجعلها بمستوى اللازم وفي الجوهر لا في الشكليات والظواهر . كما أعتقد منتسكيو ؛ وإليك ما جاء في الباب الحادي عشر من كتابه روح الشرائع . قال في الفصل الثاني : ( لا تجد كالحرية كلمة دلت على معان مختلفة ووقفت النفوس بأساليب مختلفة . فرأى بعضهم انها تنطوي على سهولة عزل من عهدوا إلية بسلطان طاغ ٍ . ورأى أخرون أنها تنطوي على حق أنتخاب من يجب عليهم أن يطيعوه , ورأى اناس غيرهم أنها تنطوي على حق التسليح والقدرة على ممارسة العنف , ورأى أناس سواهم انها تنطوي على عدم الحكم في القوم من قبل من لم يكن رجلاً منهم . أو بغير قوانينهم الخاصة . ورأى شعب طويل زمن أنها تنطوي على عادة أطلاق اللحى الطويلة وقد ربط هؤلاء هذه الكلمة بشكل للحكومة مبعدين الأشكال الأخرى منه . ومن تذوقوا الحكومة الجمهورية وضعوها في هذه الحكومة , ومن تمتعوا بالحكومة الملكية وضعوها في الملكية . وأخيراً أطلق كل كلمة الحرية على الحكومة التي كانت تلائم عاداته وأهواءه) وبما أن آلات الشرور التي يشتكي منها لا تبدو للعيون حاضرة في الجمهورية دائماً , وبما أن القوانين تظهر أكثر كلاماً ومنفذو القوانين أقل كلاماً فيها . فإن الحرية تجعل في الجمهوريات عادة . وتبعد من الملكيات . ثم أن الشعب في الديمقراطيات يظهر فاعلاً لما يريد تقريباً . فإن الحرية جعلت هذه الأنواع من الحكومات وخلط بين سلطات الشعب وحريته !!!
ـــــــــــــــــــ
المصدر : كتاب رسالة في التوحيد والسياسة
المؤلف : الشيخ الركابي
المطبعة : مؤسسة دار البلاغ بيروت 1988
|