قال الرئيس مرسي منتقدا المسلسل التركي "حريم السلطان":
http://www.islammemo.cc/akhbar/arab/2012/12/10/160011.html
"من غير اللائق أن يصوّر السلاطين العثمانيون بهذه الصورة داخل قصور فارهة يتلاعب بهم حريمهم وأبناؤهم، والتاريخ العثماني جزء من تاريخ الأمة الإسلامية الذي يعتز به المسلمون جميعًا".
فهل كان يقصد أن هذه الصورة مشوهة ولا تعكس الصورة الحقيقية لهؤلاء الخلفاء أم مقصوده أنه يجب التستر على تاريخهم حتى لا يعرفه الناس وما قد ينجر عنه من نتائج سلبية على دعوتهم لإعادة الخلافة الإسلامية؟
ومهما كانت نية الرجلين فهما إما جاهلان أو مخادعان، وهما مدانان بكلتا التهمتين. خاصة تهمة محاولة خداع الناس عبر تقديم صورة مغشوشة للتاريخ الإسلامي لمواصلة تغذية الأوهام وخدمة لإسلامهم السياسي، بالإضافة طبعا إلى النية المبيتة للتضييق على حرية الإبداع والرأي.
الحقيقة هي أن الخلافة الإسلامية كانت عبارة عن إمبريالية عصرها بدون منازع. والخلفاء كانوا أربابا بأتم معنى الكلمة لا حسيب ولا رقيب عليهم لأنهم يعتبرون أنفسهم خلفاء الله في الأرض اعتلوا عروشهم بإرادة إلهية. وهذه الحيلة بدأ العمل بها باكرا في تاريخ الحكم الإسلامي. فعثمان بن عفان رد على المطالبين بتنحيه: "ولست خالعا قميصا كسانيه الله تعالي وأنا علي مكاني حتى يكرم الله أهل السعادة ويهين أهل الشقاوة".
أما الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور فقد خطب في الناس قال: "أيها الناس إنما أنا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده، وحارسه على ماله، أعمل فيه بمشيئته وإرادته، وأعطيه بإذنه، فقد جعلني الله عليه قفلا، إذا شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم وأقسم أرزاقكم وإذا شاء أن يقفلني عليها أقفلني...!!"
وهكذا راح الخلفاء على مر العصور يديرون شؤون الناس حسب ما تمليه عليهم أهواؤهم. ويكذب اليوم كل من يريد أن يصورهم لنا بغير حقيقتهم التي تنقلها لنا المراجع التاريخية التي هي على الأقل، ورغم نقائصها، لم تتلوث بلوثة الأصولية الحديثة. وكيف تكون قصورهم غير ذلك بينما بيت سيدهم البسيط لم يكن يخلو من كل ما استنكره الرجلان:
نقرأ في كتب السيرة النبوية:
أن عائشة سمعت سودة (وكلاهما من أزواج النبي) تنشد:
«عديُّ وتيمٌ تبتغي من تحالف»
فقالت عائشة لحفصة: ما تَعَرِّض إلاّ بي وبك يا حفصة فإذا رأيتني أخذت برأسها فأعينيني، فقامت فأخذت برأسها، وخافت حفصة فأعانتها؛ وجاءت اُمّ سلمة فأعانت سودة فأتى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فاُخبر وقيل له: أدرك نساءك يقتتلن. فقال: «ويحكنّ ما لكنّ؟». فقالت عائشة: يا رسول الله ألا تسمعها تقول: «عديٌّ وتيمٌ تبتغي من تحالف». فقال: «ويحكنّ ليس عديّكنّ ولا تيمكنّ، إنّما هو عديّ تميم وتيم تميم...».
ونقرأ أيضا "وفي بعض الأيام ضُحىً، يمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أزواجه ويتفقّد أحوالهن، ومن الصدف أن اُهدِيََ لأم المؤمنين أم سلمة عسلا فاحتفظت به لقدومه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقدمته له (صلى الله عليه وآله وسلم) فاخذ منه ملعقة، وكان يحب العسل وكانت أمهات المؤمنين واقفات ينتظرن دورهن كلٌّ بباب حجرتها فشاهدته يلطع العسل، وتكرر ذلك، وما كان من أمهات المؤمنين عائشة، وحفصة، وسودة، حتى تظاهرن عليه وتآمرن لأنهن كن على رأى وحزب واحد. فقالت عائشة لهن: إذا مرّ عليكنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فضعن أيديكنّ على أنوفكنّ وقلن ما هذه الرائحة كأنها رائحة «معافير» فصدقهن، وقال سوف لا أنال منه بعد".
ونقرأ عن عائشة: قالت: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، ذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلاّ عجوزاً، فقد أبدلك الله خيراً منها، فغضب حتى اهتز مقدم شعر رأسه من الغضب، ثم قال: والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً أذ حرمني أولاد النساء.."
أما عن هؤلاء الخلفاء الذين يدافع عنهم مرسي وأردوغان فنقرأ عن ابن خلدون: "وانظر ما نقله المسعودي والطبري وغيرهما في أعراس المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل، وما بذل أبوها لحاشية المأمون حين وافاه في خطبتها إلى داره بفم الصلح، وركب إليها في السفين، وما أنفق في أملاكها، وما نحلها المأمون وأنفق في عرسها، تقف من ذلك على العجب. فمنه أن الحسن بن سهل نثر يوم الأملاك في الصنيع الذي حضره حاشية المأمون، فنثر على الطبقة الأولى منهم بنادق المسك ملثوثةً على الرقاع بالضياع والعقار، مسوغةً لمن حصلت في يده، يقع لكل واحدٍ منهم ما أداه إليه الاتفاق والبخت؛ وفرق على الطبقة الثانية بدر الدنانير في كل بدرة عشرة آلافٍ؛ وفرق على الطبقة الثالثة بدر الدراهم كذلك؛ بعد أن أنفق في مقامة المأمون بداره أضعاف ذلك. ومنه أن المأمون أعطاها في مهرها ليلة زفافها ألف حصاةٍ من الياقوت، وأوقد شموع العنبر في كل واحدةٍ مائة مَنٍّ وهو رطل وثلثان وبسط لها فرشاً كان الحصير منها منسوجاً بالذهب مكللاً بالدر والياقوت... وأعد بدار الطبخ من الحطب لليلة الوليمة نقل مائةٍ وأربعين بغلاً مدة عامٍ كاملٍ ثلاث مراتٍ كل يومٍ. وفني الحطب لليلتين، وأوقدوا الجريد يصبون عليه الزيت. وأوعز إلى النواتية بإحضار السفن لإجازة الخواص من الناس بدجلة من بغداد إلى قصور الملك بمدينة المأمون لحضور الوليمة، فكانت الحراقات المعدة لذلك ثلاثين ألفاً، أجازوا الناس فيها أخريات نهارهم. وكثير من هذا وأمثاله".
ونقرأ لأحمد أمين في ضحى الإسلام:
"وهذا ما جعل قصور الخلفاء والأمراء والأغنياء مأوى لرقيق من أمم متعددة تختلف في الطباع والعادات واللغات. فالطبري يحدثنا أن المأمون لما غضب على الفضل قتله أربعة من غلمانه... وقدمنا أن المتوكل كان له أربعة آلاف سُرِّيَّة (جارية) من مختلف الأجناس طبعا، ودخل أحمد بن صدقة على المأمون في يوم السعانين (عيد للنصارى)وبين يديه عشرون وصيفة روميات مزنرات قد تزيّنَّ بالديباج الرومي وعلقن في أعناقهن صلبان الذهب، وفي أيديهن الخوص والزيتون...)
"ويقول المسعودي: "لما أفضت الخلافة إلى المتوكل أهدى إليه ابن طاهر هدية فيها مائة وصيف ووصيفة وفي الهدية جارية يقال لها "محبوبة" كانت لرجل من أهل الطائف قد أدبها وثقفها، وعلمها من صنوف العلم، وكانت تحسن كل ما يحسنه علماء الناس، فحسن موقعها من المتوكل".
والخلافة العثمانية لا تشذ عن هذه القاعدة بل هي أسوأ.