هذا الموضوع إنحيازي بدرجة كبيرة للمستقبل وللطموحات التي كانت معلقة على التغيير وبناء الدولة الجديدة ،
، ولهذا لم يكن ثمة موضوع هام ومثير لدينا سواه فهو يعني كرامة الإنسان العراقي وتقدمه ورقيه ، ولهذا فالموضوع بالنسبة لنا يعلو على كل الخلافات الحزبية والاجتهادات الضيقة والحسابات الآنية .
لأن مصلحة العراق ليست الشيء الإفتراضي بل هي الشيء الواجب الذي يعني بالنسبة للجميع قوة العراق ومحددات وجوده وتأثيره وعمقه الإستراتيجي ووحدته القطرية ، ومن هنا فكل مايضر بهذه المصلحة محكوم عليه عندنا ، ولا نجد فيه مجال للإجتهادات الحزبية أو الطائفية أو المحلية ، ومن عناوين هذه المصلحة : أن يكون للعراق جيش قوي بعد نكبة جيشه القديم وإنهزامه وإنكساره ، كما يجب أن يكون له جهاز شرطة وطنية متمرسة وغير منحازه وكفوءة ، كما وإن من مصلحته أن يكون له جهاز أمن ومخابرات عالية الجودة متخصصة وداعمة للأمن ومساعدة أكيدة في إنهاء حالة الفزع والإرهاب والتسيب .
وحين ندعوا ليكون لنا جيشاً قوياً فإننا نريد من ذلك المعنيين المادي والمعنوي كما نريد قوة في الجانبين التسليحي و المهني ، وقوة الجيش ليس في هذا وحسب بل لابد له من تربية وطنية خالصة غير طائفية ولا فئوية ولا عنصرية ، والتربية الوطنية التي نقصدها : هي تثقيف الجندي والضابط العراقي ليكون ولاءه للوطن دون سوآه من الولاءآت والتسميات والأسماء الزائفة ، فالوطن هو الباقي بل هو مايتبقى بحدوده القطرية وعمقه الأقليمي ، وقوة الجيش هنا لاتعني عدوانيته أو سلوكه الفوضوي الذي كان يعمل عليه في السابق ، ومهنيته تعني حمايته للوطن وللمواطن وعدم الزج به في الخلافات والإجتهادات والنزاعات الحزبية والمحلية ، وقوة الجيش يستلزمها إلغاء القوى المحلية التي تنازعه وتحاول تهميش دوره ومكانته والإلغاء يجب ان يكون حاسماً وثورياً ، وهذه المهمة نتركها ونترك تقديرها للأخ رئيس الوزراء بإعتباره المسؤول المباشر حسب الدستور عن ذلك ، ولأنه المعني بذلك لكني أذكره بان لا يستهين بالوقت كي لايطمع من بقلبه مرض من المتربصين ومن المثبطين ومن الظانيين .
قد يقول قائل : إن التربية التي تقصدها تتحرك و لكنها تسير وفق سياقات زمنية وواقعية محددة ، أقول : هذا صحيح لكني لا أرغب ونحن في تشكيل هذا الجيش أن نجعله خليطاً غير منسجم ، كي لانعطي مبرراً يكون له أثر في المستقبل و في الإيام والسنوات المقبلة ، ذلك لأن دفع التناقض الذي تخلقه الفئوية الضيقة يحتاج منذ البداية لعمل تصحيحي حاسم ، ولايظنن إن عملية دفع التناقض هذه تعني التسقيط أو التهميش أو الإلغاء بل تعني خلق الواقع الجديد المتعدد البعيد عن أوجه الإختلاف في العمل وفي السلوك يؤدي هذا إلى خلق مناخات متعددة للعمل ينتهي في ظلها بعض المماحكات التي يخلقها الفراغ والجدل الخاوي والضعف ببعض المؤوسسات .
وفي ذلك العمل نقول : كان الله في العون للعاملين الشرفاء ، وكان الله في العون لأولئك الذين يعملون كي يكون العراق أفضل وأقوى ، صحيح إن لازم ذلك هو التغيير الحتمي والضروري في بعض الوجوه التي تشكل عبء في عملية البناء والتنمية لكونها قوى متحاملة و غير قادرة على التمييز بين الديمقراطية وبين الفوضى هذا من جهة ، وهناك فئة ثالثة ضالة تعرف الحق ولكنها تتعمد الخطيئة .
لأولئك وهؤلاء نقول : إن القانون هو ليس صفة إلزام من طرف واحد بل هو فعل متعدد الجوانب متعدد الأطراف ، ولكي يكون منجزاً لابد من الشعور تجاهه بالمسؤولية وعدم التحايل فيه وعليه ونفي فكرة العمل من أجل إقتناص الفرص وحدها ، فلقد شاع بين ساسة عديمي الضمير - باب الغنيمة - والنهب وسرقة المال العام أمر مطلوب في ذاته ، وهذا أساسه عدم الشعور بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية تجاه الوطن وتجاه المواطن ، بل ساد لدى البعض مفهوم الكسب الحرام على إنه فرصة العمر جاء هذا مواكب لعمليات تخريب شتى ، ولهذا أقول : لايجوز تعليق الأخطاء والممارسات الخاطئة بخانة رئيس الحكومة لأني أعتقد إنه ليس المسؤول عما نفعله من أخطاء وممارسات ، هذا إن كنا فعلاً حريصين على مستقبل العراق وعلى وحدته وعلى نموه وتقدمه ،.
مصلحة العراق تقتضي : أن لا نخلط بين الطموحات الشخصية وبين مصلحة الوطن ، ولنا في ذلك مثال - قانون البنى التحتية - الذي هو في معناه الدقيق تأصيل للعمل المؤوسساتي المسؤول والبعيد عن ظل الإقطاعيات أو العمل بالفكر القديم ، قانون البنى هو نظام من الضبط والربط المسؤول الدقيق عن كل عملية بناء وإعمار ، ومعلوم قبل هذا كان العراق قد أهدر الكثير من الأموال ومن الوقت وهو يتحدث عن البناء وإعادة الإعمار وهذه الأموال وهذا الوقت المهدور كان بفعل فقدان وإنعدان القانون الضابط الذي يحقق ويحاسب ، كما كان بفعل إنعدام تحديد المسؤوليات من خلال العمل وفق التراضي والأصدقاء وهذه هي أم الفساد .
كما إن العراق يسعى ليكون عضواً فاعلاً في منظمة التجارة الدولية ، ولكي يكون كذلك يلزمه وجود القانون الضامن لعمل الهيئات الدولية والرساميل العاملة ، ومن لوازم ذلك القضاء على الفساد في المسؤوسات والإدارات ولن يكون ذلك ممكناً من غير قانون نافذ وملزم ومحدد ، في مسألة البنى التحتية يكون القانون هو الحاكم وتكون المواصفات الدولية هي المعتمدة وبالتالي يكون الفساد والهدر ممنوع بحكم القانون والواقع .
مصلحة العراق تعني مصلحة شعبه ومصلحة ترابه وأرضه وقيمه وحضارته ، والتفريط بهذه كلها تفريط بالكرامة والوجود والمستقبل ، لهذا كانت ولاتزال مصلحة العراق عندنا فوق الجميع لها الأولوية في عملنا السياسي والتربوي والثقافي ، ولها ومن أجلها نتحدث مع القريبين والأصدقاء ومع الأغيار والمخالفين لأنها بالنسبة لنا هي أغلى من كل غال ...