سؤال دار في خيالي وأنا استمع إلى الأصوليين يهاجمون العلمانية أحد الأركان الأساسية للديمقراطية.
تخيلوا أن العرب عرفوا في هذا الوقت المبكر من دولتهم الديمقراطية اليونانية وقرروا قبولها وتطبيقها في شؤونهم الداخلية، هل كان سيُقتل عثمان بن عفان؟ هل كان سيتقاتل الصحابة في موقعة الجمل؟ هل كان سيقتتل على ومعاوية في صفين؟ هل كان سينقسم المسلمون بين سنة وشيعة وخوارج؟
ماذا لو كان هناك آليات محددة لاختيار ومراقبة ومحاسبة وعزل الحاكم، هل كان سيضطر معارضوا عثمان إلى محاصرة بيته وقتلة في النهاية بعد رفضه الاستقالة قائلا ” لا أخلع قميصا ألبسنيه الله”؟ هل كان سيختلف الصحابة على ولاية علي بن أبى طالب ويقاتلوه في موقعة الجمل؟ هل كان سينقسم المسلمون بين مؤيد لعلى ومؤيد لمعاوية ومعارض للاثنين والجميع يتقاتل؟هل كنا سنسمع عن سنة وشيعة وخوارج حتى وقتنا الحالي؟ هل كان الحجاج سيحاصر مكة ويضرب الكعبة بالمنجانيق ويهدمها من أجل التخلص من عبد الله بن الزبير بن العوام الذي أعلن نفسه خليفة وتحصن في مكة؟ هل كنا سنسمع عن مذابح الأمويين للشيعة؟ ومذابح العباسيين للأمويين وبعدهم الطالبين؟ وغيرها من حالات الاقتتال الداخلي بين الدول الإسلامية المختلفة من أجل السيطرة على الأراضي وزيادة الخراج والثروات في كروش الأمراء والسلاطين والخلفاء.
اعتقد أن الأمر كان سيختلف تماما. فوجود آليات تداول السلطة ومحاسبة الحكام ومعاقبتهم إذا أخطئوا هو ما يجعل المعارضين للحاكم لا يلجئون للثورة أو لحمل السلاح والقتال للتخلص من الحاكم المستبد الناهب لثروة الشعب، المستغل لثروات الأمة من أجل مصالحة الشخصية أو مصالح حزبه أو جماعته. فلماذا يلجأ الإنسان إلى العنف وإراقة الدماء إذا كان هناك وسيلة سلمية يستطيع بها أن يحقق هدفه؟
ولعل هذه أهم خطايا الأصوليين وهى عدم قدرتهم على التفكير العلمي والمنطقي ورؤية الأمور بطريقة أشمل، وهو ما يجعلهم غير مدركين لعواقب دعاوى إلغاء الديمقراطية والرغبة في السيطرة والأخونة. فالانقلاب على الديمقراطية والسيطرة على مفاصل الدولة وأخونة كل المؤسسات، حتى الصرف الصحي، وسد منافذ التغيير السلمي أمام القوى الأخرى، وإقصاء هذه القوى، لن يؤدى إلى استسلام واختفاء هذه القوى من الساحة بل على العكس.
فالقمع والاستبداد سيجعل هذه القوى العلمانية تتحول إلى تنظيمات سرية تنزل تحت الأرض وتستبيح كل الوسائل حتى الدموية منها من أجل التخلص من الحكم الديني الثيوقراطي، وإعادة الحياة إلى الدولة والأمة التى سيكون الحكم الأصولي قد دمرها سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا.
فليعتبر الإخوان بالتاريخ الإسلامي الذي يتشدقون به ليل نهار، وليعلموا أن أخونة الدولة والسيطرة على كل شيء سيكون الطريق إلى الفوضى وربما الدماء. لقد أوصلتكم الديمقراطية للحكم فلا تحاولوا الانقلاب عليها على طريقة هتلر، والاستيلاء علي الدولة وكئنها ورث ورثتموه عن آبائكم وأجدادكم المماليك. فالعواقب ستكون وخيمة عليكم وعلى الوطن وعلى الأمة بأسرها.
وتذكروا من التاريخ الإسلامي
إذا غاب الاحتكام للصندوق يصبح الاحتكام للسيف