شرع الله شرع الله… أبدا أبدا لا ننساه
ماذا رأيتم من الله حتى تكرهوا شريعته
لقد انتخبنا الناس من أجل تطبيق الشريعة
شعارات وهتافات وخطب وكلمات لا ندري معناها. فمن يرفعونها لا يقولون لنا ما هي الشريعة التى سيطبقون، ومن يسمعونها ويصفقون لا يسألون ما هي الشريعة التى ستطبقون؟
من صفات الخطاب الأصولي أنة دائما خطاب عام شديد العمومية يتجنب الدخول في التفاصيل حتى لا ينكشف جهلهم وغياب أي رؤية حضارية لديهم وأنهم غارقون في رؤية ماضوية لا يدرون عنها إلا ما يلقيه عليهم شيوخهم من تاريخ مزور أقرب إلى الأساطير ويمكن لأي قارئ أن يعود إلى أي كتاب تاريخ إسلامي، مثل البداية والنهاية، ليدرك حجم التزييف التاريخي الذي تقوم به منابر الجمعة ومشايخ الفضائيات.
ولذلك فعلى من يحاور أي شخص أصولي أن يبتعد عن الكلام العام الأقرب إلى الشعارات العاطفية منه إلى الكلام المنطقي العقلاني. وأن يأخذ محاورة الأصولي بعيدا عن ملعب العموميات حيث يجيد الأصوليون اللعب، ويخوض معه حوار التفاصيل حيث ينكشف الجهل ويبين السحر.
وهذا ما سوف نفعله هنا، سوف نتقدم بمجموعة من الأسئلة في محاولة منا للتعرف على معنى الشريعة الإسلامية التى يرفع الأصوليون شعاراها ويطالبون بتطبيقها، لنري مدى معقولية هذه الشعارات ومدى قابلية الشريعة الإسلامية للتطبيق في هذا العصر.
الحدود
ونبدأ هنا بالمعنى الشائع لدى الجماهير بأن الشريعة الإسلامية هي الحدود أي قطع يد السارق، ورجم أو جلد الزاني، وجلد شارب الخمر، وجلد قاذف المحصنات، وقتل القاتل.
يعتقد الكثير من الناس أن تطبيق هذه الحدود هو الشريعة الإسلامية، وأن تطبيقها يجعل الدولة إسلامية متدينة مؤمنة. غير مدركين أن هذه الحدود هي مجرد جزء بسيط جدا من شؤون الدولة وفرع من فروع القانون، وليس كل القانون، يسمي قانون العقوبات. وبالتالي فتطبيقها لا يعنى أن الدولة أصبحت إسلامية، كما أن تطبيقها يحمل الكثير والكثير من الإشكاليات.
فوفقا للفقهاء وتعريفهم للسرقة “أخذ مال الغير من حرز المثل على الخفية والاستتار”، لن يتم تطبيق حد السرقة على المختلس والنصاب وسارق المال العام، لأنة لم يسرق المال من حرزه الطبيعي ولم يكن هناك خفية ولا استتار. وبالتالي فمن يسرق 10 ألاف جنية من خزينة تقطع يده، أما من يختلس من عملة مليون جنية أو من يأخذ قرض من البنك بمقدار مليار جنية أو من ينصب على إنسان ويأخذ منه أرض أو شقة ثمنها بالملايين، ومن يستغل نفوذه وسلطته للتربح بالمليارات، فلن تقطع يده وفقا للفقهاء. فهل هذا عدل؟
أما عن حد الزنا، فيشترط الفقهاء لتطبيقه أن يرى 4 شهود عملية دخول ذكر الرجل في فرج المرأة. فالأمر ليس كما يتوهم البعض أن 4 افراد يرون رجل وامرأة عراة ينامون سويا فيقبض عليهم ويتم جلدهم أو رجمهم، لا أيها الأعزاء إنكم تفهمون خطأ. يجب أن يرى هؤلاء العملية الجنسية كاملة وهو ما يجعل تطبيق حد الزنا أمر مستحيل إلا على ممثلين أفلام البورنو. فعن أي حد للزنا يتكلمون؟
وهذا سيأخذنا إلى حد أخر وهو قذف المحصنات. فإذا شهد أشخاص بالزنا على رجل وامرأة ثم نتيجة خطأ ما في الإجراءات أو أن احد الأربعة تراجع عن الشهادة لسبب ما. فإن هذا سيؤدى إلى وقوع الثلاثة الآخرين في جريمة قذف مما يستوجب جلد كل منهم 80 جلدة ؟؟؟ كما يثور هنا سؤال يتعلق بسلوكيات مجتمعاتنا الهابطة حيث يعتبر سب الرجل بأمة أو أخته أو سب المرأة ذاتها والطعن في سلوكياتها أمر شائع في المجتمعات الإسلامية. فهل سيتم تطبيق حد القذف على مثل هذه السلوكيات؟ يعنى لو واحد قال لواحد ” يا ابن ال ……” أو واحد قال لواحدة ” يا م ….. أو يا ش …… ” هل ممكن يقدم بلاغ في هذا الشخص ويجلد 80 جلدة؟
أما حد الخمر، فمشاكله أكبر وأعقد. فقد اختلف الفقهاء أولا في تعريف الخمر بين من يري أنها كل ما يسكر حتى لو كان قليل ومن يري أنها ما صنع من عنب فقط وشرب الشخص حتى سكر. وهنا أول إشكالية فكيف سنحدد عقوبة على جريمة اختلاف الفقهاء في تعريفها من البداية؟ والإشكالية الثانية أنة لا يوجد عقوبة لشرب الخمر في القرآن، أما في السنة فالروايات تقول أن النبي جلد أربعين بجريد النخل، وفى روايات أخري انه أمر الصحابة بضرب رجل سكران فمنهم من ضربه بنعله ومنهم من ضربة بثوبه ومنهم من ضربة بعمامته. ثم جاء عمر بن الخطاب ووضع حدا جديدا للخمر وهو 80 جلدة. فماذا سيطبق الأصوليين الآن وعلى من؟
أما حد القتل، فهناك إشكالية كبرى تتعلق بديانة القاتل والمقتول وكذلك بنوعه. فمن الفقهاء من يري أن الحد لا يقام إلا على عند تساوي القاتل والمقتول، فإذا كان القاتل مسلما والمقتول غير مسلم لا يقام الحد على القاتل باعتباره أعلى منزلة من المقتول ويعاقب بأي عقوبة أخري، وكذلك إذا كان القاتل رجل والمقتول امرأة لا يقام علية الحد أيضا لأن الرجل أعلي من المرأة ويعاقب بأي عقوبة أخري. بينما فقهاء آخرين يرون إقامة الحد على القاتل بغض النظر عن أي شيء. فأي الرأيين ستطبقون، وإذا طبقتهم الرأي الثاني ألا تعتبر هذه علمانية؟
هذه بعض الإشكاليات المرتبطة بتطبيق الحدود وهى أسهل الأمور وأبسطها. أما الجوانب الأخرى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتي لم تكون موجودة قبل 200 عام من الآن ولن نقول 1400 عام فأمرها أشد وأنكي.
المرأة
ونبدأ بملف المرأة، وهو أهم الملفات عند هؤلاء الذين يفكرون بما بين فخذيهم وليس بما في رؤوسهم. ماذا سيطبق الأصوليون في ملف المرأة؟
فمن ناحية الملبس هناك خلاف كبير بين الفقهاء حول زى المرأة يبدأ من ضرورة إخفائها تماما فلا يظهر منها شيء ولا حتى عينيها وينتهي إلى أن عورتها مثل عورة الرجل وان آيات الخمار تتعلق بالتفريق بين الحرائر والإماء، خاصة في ظل وجود إجماع أن عورة الأمه مثل عورة الرجل.
أما من ناحية مشاركة المرأة في الحياة العامة، هل ستطبقون ما يقوله الفقهاء أن المرأة مكانها البيت ولا تخرج منه إلا إلى بيت زوجها أو القبر، أم ستطبقون ما يقولوه فقهاء آخرون أن المرأة تستطيع أن تعمل وتتولى أعلى المناصب بما في ذلك القضاء والرئاسة؟ وإذا طبقتهم الرأي الثاني، فلماذا إذا ترفضون العلمانية؟
الاقتصاد
يخوض الأصوليون معاركهم الاقتصادية ويسوقون لبنوكهم الإسلامية التى أثبتت التجارب كلها أنها لا تختلف عن أي بنك أخر، على اعتبار أن الله قد حرم الربا. ولكنهم مرة أخري ينسون أو يتناسون أن الفقهاء قد اختلفوا في تعريف الربا. فمن الفقهاء من حصر الربا في الأصناف الست الواردة في الحديث النبوي “الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرّ بالبُرّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مِثْلاً بمثل، سواءً بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئت إذا كان يدًا بيد”، وهذه إشكالية قديمة تتعلق بالسلع. أما اليوم فهناك إشكالية أخري تتعلق بالنقود، وهو مفهوم التضخم، فالكل يعلم أن قيمة 100 جنية اليوم هي أعلى من قيمتها غدا. فعندما أقرضك اليوم 100 جنية وتردها لي بعد عام 100 جنية أيضا ومع وجود التضخم فأنت في الحقيقة تردها لي 95 أو 90 جنية حسب نسبة التضخم وبالتالي أكون قد خسرت أموالا. وإذا رددتها لي 105 أو 110 جنية تكون في الحقيقة رددت لي أموالي تماما دون زيادة أو نقص ولكن الأصوليين سيعتبرون ذلك ربا فما العمل؟
غير المسلمين
ملف أخر ممتلئ بالشعارات والكلام المطاطي المعسول، ولكن عند التطبيق تجد اختلافا كثيرا. ففي هذا الملف يثار حق حرية الاعتقاد، وإقامة الشعائر، وتولى مناصب الدولة العليا أو بكلمة واحدة المواطنة. فالقرآن واضح وصريح، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فهل ستطبقون الآيات القرآنية أم الإجتهادات الفقهية التى تضع القيود على هذا الحق الأصيل للإنسان في اعتناق ما شاء من العقائد وبالتالي حقه في ممارسة ما يعتقده؟
أما عن تولي المناصب العليا في الدولة، فماذا أنتم فاعلون، هل ستطبقون لا ولاية لكافر على مسلم وبالتالي لا يطمع غير المسلم حتى في تولى رئاسة قسم الأرشيف في أي مصلحة حكومية أم ستطبقون لهم ما لنا وعليهم ما علينا وهى العلمانية بعينها؟
العلاقات الدولية
هل ستقسمون العالم إلى دار كفر ودار إيمان وتعلنوا الجهاد ضد العالم كله وتدخلون البلاد في حروب لا نهاية لها من أجل الحصول على السبايا كما يحلم بعضكم؟ أما ستتعاملون وفقا للمصلحة المرسلة وهى عين العلمانية؟
هذه عينة بسيطة جدا من إشكاليات تطبيق شعارات الجماعات الأصولية من إخوان وسلفيين وجهاديين حول الشريعة الإسلامية، ونستطيع أن نستطرد في مئات بل ألاف الأسئلة حول أمور الحياة المعاصرة التى تتغير في كل لحظة ومن مكان إلى مكان. تجعل معها التقيد بحرفية النصوص ومحاولة التعامل مع الواقع المتغير باعتباره ثابت، تدمير لهذا الواقع وإدخال للناس في مشاكل لا حصر لها تنتهي بما نراه الآن من خلافات ومناوشات ودماء حول فرقة موسيقية هنا، وامرأة عارية الرأس هناك، ورواية كتبها أديب اعتبرها البعض مسيئة لمقدس يعتقده هو. وفي الوقت الذي ترسل فيه دول أجهزتها إلى المريخ وأخري تستنسخ الإنسان وثالثة تزرع الأعضاء، مازلنا نحن نسأل عن حكم دخول الحمام بالرجل الشمال.