حالة من الصدمة والتوهان تجتاح مصر بعد الثورة. لم يكن هذا ما نريد. لقد قمنا بالثورة من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وليس من أجل الإخوان والسلفيين والجهاديين والشريعة الإسلامية. أين من يمثلنا فى البرلمان؟ أين مرشحنا للرئاسة؟ ما الذي حدث؟
تعليقات وأسئلة كثيرة يطرحها الثائرون وعلى قدر تنوع التعليقات والأسئلة تتنوع الإجابات وتكثر. ما بين غياب القيادة وغياب الرؤية وغياب المشروع إلى انتهازية الإسلاميين و مكر العسكريين والثورة المضادة لفلول النظام القديم.
ولكن ما استغربه هو أن أحد لم يطرح أمر هام يخبرنا عنة تاريخ الثورات وهو غياب الإرهاصات الثقافية التى تسبق أي ثورة شعبية.
فمن يقرأ تاريخ الثورات العالمية بل والمحلية سيجد أن قبل كل ثورة كان هناك مقدمات ثقافية ومثقفين على قدر عالي من الرؤية والعلم يهزون الثوابت وينيرون العقول ويغيرون أنماط التفكير السائدة ويضعون مناهج جديدة للتفكير والبحث والدراسة.
فقبل الثورة الفرنسية كان هناك لوك وروسو وكوبرنيكوس ومكيافيللي وغيرهم من مفكرين عصر النهضة وهم أنفسهم من أثر في الثورة الأمريكية وجاء إعلان الاستقلال الأمريكي متأثرا بفكر لوك وروسو. وحتى عندما تخبطت الثورة الفرنسية لمدة عشر سنوات لتعود للديكتاتورية مرة أخرى فإنها لم تعد لسابق العهد بل كانت أفضل حالا واستطاعت مع الوقت أن تعود إلى الفكر التنويري الحر.
كذلك كان الأمر فى روسيا عندما قامت الثورة الشيوعية على أفكار ماركس وانجلز ولينين. فكان لها خارطة طريق تسير عليها وقيادة سياسية فكرية تتبعها وتعرف إلى أين تسير بالبلاد. بل كان لها أن تفخر أنها لم تتأثر بالكساد العظيم بفضل سياستها وأفكارها الاشتراكية سواء اتفقنا أو اختلفنا معها ولكنها حقائق التاريخ.
أما فى مصر الليبرالية ما قبل انقلاب يوليو، فقد كان هذا الحال قبل ثورة 1919 كانت مصر تموج بالأفكار والمفكرين والمثقفين. فقد كانت أفكار محمد عبده وتلاميذه بل ومعارضيه تنتشر فى طول البلاد وعرضها. كانت أفكار قاسم أمين وأحمد لطفي السيد وسلامة موسي وطه حسين ومحمد حسين هيكل وإسماعيل أدهم وطلعت حرب والعقاد ومصطفى مشرفة وعلي عبد الرازق وهدى شعراوي وسيزا نبراوي وغيرهم من المفكرين والمثقفين تنتشر بين المثقفين والمتعلمين. فعندما اندلعت الثورة من أجل الاستقلال لم يكن شعارها لنستقل الآن وليكن ما يكون بعد ذلك كما فعلت ثورة يناير 2011، حيث كان شعرها لنسقط مبارك وليكن ما يكون بعد ذلك أو كما قال بعضهم “ويكش تولع بعد كده”. بل ثار المصريون ضد الاستعمار وكان يقودهم سعد زغلول تلميذ محمد عبده وصديق كل هؤلاء المثقفين والمفكرين وهو يعرف شكل الدولة التى يريد مع الاستقلال. فقد كان يريد ملكية دستورية، ديمقراطية، حرة، تنهض بمصر وترعى الفقراء فكانت مجانية التعليم ما قبل الجامعي وتحديد عدد ساعات العمل ولكن قام الانقلاب ولم تكتمل المسيرة.
أما ثورة يناير فأين إرهاصاتها الثقافية؟ وأين مفكريها التى يعرفهم الناس ويجلهم؟ لن نجد ولن نعرف ولا يعرفهم الشعب المصري. اللهم إلا الحوينى وحسان ووجدى غنيم والشحات وبديع وصبحى صالح. هؤلاء هم مثقفو ومنظري الثورة المصرية الحديثة فماذا تتوقعون يا سادة؟
هؤلاء لا ينتجون إلا التخبط والتيه ومشاريع قوانين الختان والخلع وإلغاء اللغة الإنجليزية وإلغاء الحد الأدنى لسن الزواج والصرف الصحي الإسلامي.
مصر مازالت تنتظر ثورتها الحقيقية التى يسبقها الثورة الثقافية التنويرية التى تغير العقول قبل أن تغير النظام.
وإنا لمنتظرون