الليبرالية الديمقراطية ليست معرفة ذهنية وحسب كما وإنها ليست بحثاً كلامياً أو ترفاً فكرياً قد يميل إليه الناس في أوقات الصراع ، فليس هذا من شأنها ولا هو من رسالتها ولذا أخشى ان يذهبن بالبعض الخيال فيتصور ذلك أو يميل إليه أو يعتقد به ،
، إن تقييم الليبرالية الديمقراطية في سلوكها وفي الحكم عليها لا يأتي من المريدين ومن معاندين فقط بل يأتي من الباحثين عن الحقيقة ، وهذا ما أسمعه أنا في العادة حين يكون الكلام عن الديمقراطية وعن الدين وعن حقوق الإنسان وعن الهوية وعن المواطنة ، وكثيراً ماكنت أسمع في هذا الإتجاه كلاماً رجراجاً في الذم والمدح ، لكنه لن يرقى لكي يكون الكلام الذي نبني عليه ونؤسس .
إن تعريفنا لليبرالية الديمقراطية يستمد روحه وقوته من طبيعة الليبرالية ومن ثقافتها ومن عملها بين الناس ، وكما نقول في العادة : إن الليبرالية الديمقراطية هي رسالة كذلك هي فكر ومنظومة قيم لا ينفصل بعضها عن البعض الأخر ، ولهذا تكون هي الأقرب إلى روح الإنسان من حيث هو إنسان ، أينما حل وحيثما كان ! ذلك لأن ثقافتها ولغتها وخطابها الذي تنادي به ، يعزز ذلك لدى الإنسان ويشعره بإنسانيته مما ينزع منه عقد الخصوصية والذاتية وهواجس الأنا المنطلقة والقائمة على أسس اللون واللغة والجنس والدين .
إن لغة الليبرالية الديمقراطية وخطابها دائماً ضد العنصرية والفاشية و ضد الإستبداد والدكتاتورية ، وهي لذلك تسعى لكي يكون خطابها عاماً يشترك فيه البعيد منها والقريب ، ويتساوي فيه المنتج والكسول ، لأنها تستهدف التركيز على الحقوق قبل الواجبات ، فهي لا تعد المواطنة إتباع سلبي وركون للأوامر والنواهي ، بل تعتبرها حق عام في العيش المشترك الكريم وفي الضمان وفي الحماية ، وفي باب الإعتقادات الشخصية تترك الناس أحراراً وتنمي فيهم الإرادة على ذلك ، ولم تلغ الدين كموكون طبيعي وروحي فاسحة المجال في ذلك للإبداع وللتلاقح وزيادة المعرفة في حدود العلاقات المشتركة التي لا إكراه فيها ولا قهر ولا تعنيف
لهذا يكون الإيمان فيها مرتبط بعقيدتها وفي سلوكها ، ولذلك كنا نقول إن الإيمان بها : يسبق كل معرفة حين يكون المراد فيها ومنها حرية الإنسان وكرامته وعدله وسلامته وحمايته من كل سوء ، إن الليبرالية الديمقراطية التي ننادي بها هي فضيلة وروح وعمل وتفان من أجل الأخر المختلف ، وهي تعني فتح طريق العقل والقلب لكي يحكم على الأشياء حسبما هي وضمن وظيفتها لا حسبما يصفها الغير أو ينعتها ، لهذا دعت في غير مناسبة لجعل الولاء للإنسان هو الغاية التي تعلو كل غاية ، والولاء ليس بالمعنى السلبي بل بالمعنى الذي قصدناه في معنى الولاء كحب وكتفاني وكحماية ا
ولهذا نتسأل : كيف يجوز للبعض أن يجادل في الولاء لها بعدما تبين للجميع طبيعتها وقيمتها الموضوعية التي تجسد المعنى الواقعي والموضوعي لمعنى الفضيلة والنبل وسمو المعنى وسمو الذات ، ومنه أيضاً نستنكر الإيمان بالديمقراطية من دون الإيمان بالليبرالية ، كذلك و لا يصح الإيمان بالدين من غير الإيمان بالحرية ، وبما إننا نقول : إنها الفضيلة المطلقة أو الفضيلة العامة يأتي هذا من حيث تصورها لمعنى المجتمع الصحيح الناجح في إنه هو المجتمع المدني الذي تزول منه البناءات والسلوكيات القبلية والدينية في معناهما السائد في البلاد العربية ، فبناء الدولة الصحيحة ذات الهوية الوطنية الراسخة هي الدولة التي يتأسس نظامها السياسي والإقتصادية والمجتمعي على أساس الليبرالية الديمقراطية هي - الدولة المدنية - ، وفي ذلك المعنى الذي نقصده تزول العيوب والأورام التي يصنعها الدين أو تصنعها القومية ، وفي رأيي ان الذي يجب ان نقوله وننادي به هو العمل من أجل تبيين وتوضيح قيم الليبرالية الديمقراطية وفائدتها تجاه الوطن وتجاه المواطن .
ومن أجل ذلك يجب التركيز على الشباب وعلى الشابات من خلال دعم مشروع الحرية الذي يكافحون من أجله ، وبذلك يعون مسؤولياتهم ويكونون أقرب إلى الحدث وإلى صناعته ، وثمة في هذا المجال مانعنيه بالتركيز الموضوعي للسلوك المجتمعي وكيف يمكن تحويل هذا السلوك ليكون في هدف الليبرالية وكيف يمكن ان نصب ذلك فيها من غير عُقد أو إلتواء ، وليثق الشباب والشابات أن لا تصادم مع الدين أو القيم المجتمعية بل هناك إصلاح وتصحيح وهذا يستلزم تنبيه الأمة إلى الطبيعة الموضوعية لليبرالية الديمقراطية وإلى العقيدة الليبرالية سلوكاً وفكراً ومذهباً سياسياً وإقتصادياً وإدارياً ، وفي ذلك تتجلى الفضيلة التي نقصدها فيها وبها ومعها ...