سنواصل في هذه الحلقة بحثنا الذي بدأناه في الحلقة الثانية عن الأخبار وصحتها ودلالتها ، وماهي نقط الضعف فيها بحيث لا تكون حجة أو حاكمة على الكتاب المجيد ونقول :
الخبر الثاني : في المحاسن للبرقي عن عبدالله بن عجلان قال : - سألت أباجعفر عليه السلام عن قول الله - قل لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودة في القربى - قال هم الأئمة - نور الثقاين ج4 ص 571 الخبر رقم 64 - .
والخبر هذا غير صحيح وساقط من الإعتبار للأسباب التالية :
أولاً : إن ضمير الجمع - هم - في الخبر لا يعود على احد ، ذلك لأن كلمة - القربى - تعني - القرابة - وكلمة - في القربى - تعني - في القرابة أو بسبب القرابة - ، ولو جاء لفظ - ذوي - في النص لكان الضمير - هم - يعود إليه ، وبما إن الأمر ليس كذلك فيكون وجود - هم - لا معنى له في الأصل ، لكن البعض قدر وجود لفظ – ذوي في النص – لوجود الضمير - هم - في الخبر ، وهذا التقدير كما قلنا غير صحيح من وجهين :
الأول : كون التقدير - بذوي - مخالف للأصل وللضرورة .
والثاني : كون التقدير - بذوي - مخالف للظاهر ، والكتاب ورد فيه ما يفيد لفظ ذوي في مواضع عدة فلاحاجة للتقدير لذلك ، و النص لو قال - في ذوي القربى - لما كان ذلك مُخلٌ في النسق اللغوي والبناء الصحيح للجملة .
وثانياً : ولو أفترضنا صحة تقدير لفظ - ذوي – في الآية ، وعندها لايكون معنى لإختصاص الآية بأهل البيت ، بدليل كون لفظ ذوي شامل لكل قرابة النبي من جهة السبب ، ويدخل في ذلك حتى أبو لهب وأبناءه ، وبالتالي يخرج الإختصاص في الآية الذي يريده البعض ، فيكون التقدير بذوي القربى غير صحيح ، وهذا ما ذهب إليه الشيخ المفيد أيضاً ، حين نفى كون أجر الرسالة متعلق بمودة أهل البيت ومحبتهم .
وثالثاً : ولو أفترضنا صحة تقدير لفظ - ذوي - في الآية ، وكونها دالة على أئمة أهل البيت ، فهذا الإختصاص غير صحيح أيضاً ، لأنه سيخرج فاطمة الزهراء وزينب والعباس بن علي من هذه الآية ، وهذا ما لايقبله جماعة الأخباريين وأتباعهم ، ثم إن إضافة - هم - للخبر كما هي زائدة ومُخلة وغير ذات معنى ، وهي لذلك لاتكون شاهدا ودليلا على ما قاله الصدوق في دعوى الأجر على الرسالة بمحبة أهل بيت النبي ..
الخبر الثالث : الخبر الذي رواه الكافي في الروضة عن إسماعيل بن عبدالخالق قال ، قال الإمام الصادق : ما يقول أهل البصرة في هذه الآية - قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى - قلت : إنهم يقولون : إنها لأقارب رسول الله ، قال : كذبوا إنما نزلت فينا خاصةً أهل البيت في علي وفاطمة والحسن والحسين أصحاب الكساء - نور الثقلين ج4 ص 571 الخبر رقم 65 - .
هذا الخبر كسابقه قدر وجود لفظ - ذوي - في قوله - في القربى - وهذا التقدير غير صحيح من وجهين :
الوجه الأول : قلنا إن التقدير ب - ذوي - هو خلاف للأصل وللضرورة ، وهذا يعني إن التقدير لا بد له من ضرورة وحاجة تستلزم ولا حاجة ولا ضرورة في البين تستدعي ذلك ، لأن آية المودة من حيث هي دالة على معناها من غير لزوم للتقدير المفترض هذا .
والوجه الثاني : إن التقدير بلفظ - ذوي – هو مخالفة للكتاب المجيد في دلالته وفي إستعماله ، كما إن العدول عن جملة - في القربى - لصالح التقدير المزعوم - في ذوي القربى - تقدير في غير محله ، بل هو تحميل للنص ما لايحتمل مع صحة لفظ - في القربى - وصحة معناه .
هذا من جهة ومن جهة ثانية ، ولو أفترضنا صحة التقدير بلفظ - ذوي القربى - فهذا التقدير لا يستلزم الحصر بأهل البيت ، بل سيكون المعنى عاماً شاملاً لكل من له نسب قرابة بالنبي بما في ذلك أبو لهب وأبناءه ، ولو كان النص يريد معنى الخصوص في أهل البيت المحددين ، لكان ذلك موجب للقول - إلاّ المودة في أهل بيتي - ، ولو قال ذلك فلا مانع من ذلك من جهة البناء اللغوي والمبنائي ، لهذا يجب أن يكون الكلام علمي ودقيق وتام كي لا نحمل الكتاب مالايحتمل .
ولو كان المراد بالخبر خصوص - علي وفاطمة والحسن والحسين أصحاب الكساء - ، فهذا التخصيص لازمه إخراج باقي الأئمة منه وهذا ما لايلتزم به جماعة الأخباريين .
وبما إن الآية مكية وقد نزلت قبل الهجرة ، أي إنه لم يكن قد ولد الحسن والحسين بعد كما لم يتزوج علي بفاطمة بعد ، ولا نتصور أن تنزل الآية قبل ولادت وزواج علي إن كان المقصود بهم هؤلاء حصراً ، إن هذا الخبر لا يعتد به في مجال الإستدلال على أجر النبي من رسالته بمحبة أهل البيت ..
الخبر الرابع : مارواه الطبرسي في مجمع البيان عن أبن عباس إنه قال : - لما نزلت ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى ) قالوا : يارسول الله ، من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم ؟ قال : علي وفاطمة وولداها - .
قلنا سابقاً : إن هذه الآية مكية بإتفاق المفسرين ، وإن أبن عباس راوي هذا الخبر لم يكن قد وُلد بعد ، أو إنه ولد لكنه ولد قبل الهجرة بقليل كما في السير ، ولا يعقل أن يكون راوي هذا الخبر طفل صغير لم يفهم ولم يعي بعد ، كما إن هذا الخبر لم يقل لنا عمن رواه أبن عباس من الصحابه الأخرين ، أي إن في الخبر سقط وإرسال وفي هذه الحالة يكون هذا الخبر مرسلا لا يعتد به ولا يعتمد عليه في تأسيس وبناء أو تفسير نص أو آية في كتاب الله .
ثم إن وجود لفظ - هؤلاء - في الخبر لا معنى له ، بدليل إن هذا اللفظ لا وجود له ولا إشارة له في الآية ، كما إن الآية لا تدل على الجماعة في المفهوم حتى يُقال إنها تشير إلى - هؤلاء - ، أضف إلى هذا إن لفظ - في القربى - دال على معنى - في القرابة أو بسبب القرابة - ولا يوجد مايشير إلى ضمير الجمع - هؤلاء - فيه ، نعم إن لفظ - هؤلاء - ورد منهم بعدما قدروا لفظ - ذوي - في الجملة ، ليكون - هؤلاء - إشارة إلى ذوي المقدرة ، ولكن : التقدير المفترض هذا غير صحيح لمخالفتة للأصل وللضرورة كذلك ولمخالفته للمعنى الصحيح والواضح لظاهر الكتاب كما بينا .
أضف إلى هذا قال الخبر - أمرنا الله بمودتهم - و المودة كما قلن شأن قلبي لا أمر تكليفي بحيث تخضع للأوامر أو تتعلق بها ، كما لا يمكننا القول إن الله أمرنا بمودة ذوي القربى ، لأن ذلك يستدعي أن يكون هذا الأمر منه ترجيح للخبر على الكتاب وهذا توهين للكتاب لا نقبله .
ثم لننظر في جواب السؤال قوله - من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم ؟ قال : علي وفاطمة وولداها !! - وهذا الجواب لازمه التقدير بذوي الذي رفضناه للمخالفة ولعدم الضرورة ، لأن لفظ ذوي لازمه أن يشمل كل من يرتبط بالنبي بسبب القرابة !!! ، مع إن الجواب يحصر ذلك بعلي وفاطمة وولداها ، وهذا التخصيص مستهجن في لسان العرب ومخالف للبلاغة وتوهين للكتاب في مقابل الخبر ، وللتذكير نقول : الآية مكية فكيف يكون الخطاب فيها لعلي وفاطمة وولداها مع إن علي وفاطمة لم يتزوجا بعد !! ، وبما إن الآية مكية والخطاب فيها لكفار قريش ، فلا يعقل لهؤلاء الكفار أن يقولوا للرسول ، من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم ؟ كل هذا التناقض يسقط الخبر من الإعتبار والأهمية ..
الخبر الخامس : ما رواه الطبرسي في المجمع أيضاً عن الإمام الحسن المجتبى قوله - خطب الناس فقال في خطبة : أنا من أهل البيت الذين أفترض الله مودتهم على كل مسلم ، فقال : ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى ) - نور الثقلين ج4 ص 572 الخبر رقم 71 .
هذه الخطبة أو هذا الخبر لا سند له ولا سند لها ، والخبر الذي لا سند له لا حجية له ولا يعتد به ، والخبر الساقط من الإعتبار لايمكن تفسير آيات الكتاب بموجبه ، لأن ذلك توهين وتضعيف للكتاب وأهميته ، ثم إن الخبر قال – مودتهم - وضمير الجمع ( هم ) فيها دال على أن التقدير - بذوي - هو الذي دعا لضمير الجمع هذا ، وكنا قد أبطلنا الإستدلال بهذا التقدير فلا نعيد .
ثم لو أفترضنا صحة التقدير - بذوي - فلماذا لم يقل : أنا من ذوي القربى الذين أفترض ... وقال : أنا من أهل البيت .. ذلك لأن ذوي لا تنحصر بأهل البيت فقط بل ترتبط بكل قرابة نسبية للنبي ، وتخصيص أهل البيت من ذوي مستهجن في لغة العرب وبلاغة الكتاب .
ثم إن الخبر يقول : أفترض الله مودتهم !! ، فإذا كان المقصود بذلك هو المودة القلبية ، فهذه أيضاً لا تكون واجبة بالأمر لأنها شأن قلبي محض ، ولو كان المقصود بمودتهم دون العالمين فهذا الإختصاص مرفوض لأنه مخالف لعموم قوله - والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض - ولا خصوصية في ذلك لأهل البيت ، ثم إن الفرض المزعوم يستدعي التقدير بذوي ، وذوي لفظ عام يشمل جميع أقرباء النبي من غير إستثناء ، وذوي في التقدير لا تستوجب المودة ، والحق إنه ليس في كل هذه الأحوال ما يدل على إن الخطاب هو كذلك ، حتى يمكننا إثبات صحة الخبر ، ومادام الخطاب في الآية غير واضح لهذه الدرجة فلاضرورة موجبة تستلزم التقدير والإدخال المتعمد المخالف للظاهر .
وعليه فلا يصح إعتبار ضمير - كُم - في ( لا أسألكم ) دال على مخاطبة المسلمين لأن الآية نزلت في مكة وقد أثبتنا ذلك في الحلقات الماضية فلانعيد ، وإن الخطاب فيها للكفار من قريش ، لهذا يكون هذا الخبر بمجمله غير مقبول في الإستدلال أو التدليل على مودة أهل البيت ....
يتبع