يتجلى تناقضُ الرأسماليةِ الحكومية والرأسمالية الخاصة اللتين لا تكونان بنيةً موحدةً حسب قوانين السوق، في اضطرابِ المعايير السياسية والثقافية وتشوهها.
فالرأسماليةُ الحكوميةُ إذا كانت في ذروةِ الفساد فإن الشركات العامةَ والمناقصات عليها علامات استفهام كبيرة، لكن مع تطورها ومقاربتها للتطور الديمقراطي الضروري تاريخياً لتحولاتها في القيم الاقتصادية، يبقى الكثيرُ من المشكلات ومن أهمها عدم القدرة على إيجاد ليبرالية حقيقية.
البناء التحتي المتضاد الذي لا يكونُ بنيةً مشتركةً وغير المُراقب يؤدي لتصعيد غوغاء اجتماعية عبر تنفيع أفراد وجماعات محدودة الوعي والأبعاد تزدهرُ أعمالُها بسبب الفساد، وهذه لم تتكون عبر النمو الاقتصادي(الطبيعي) بل جرى تصعيدها، لمراتب ليست لديها قدرات على النمو نحوها، وثمة قوى أخرى تضطربُ أحوالُها لعدم وصولها لهذه المنافع.
في الجانب الفكري السياسي يظهرُ هذا في الشخوصِ الهلاميةِ غيرِ العميقةِ الجذور وغير المتنامية في تطورٍ ثقافي حقيقي، ومع وجودِ مشروعاتٍ مؤثرة لها يتجلى إخفاقُ الليبرالية هنا، بسبب غياب قيم الحرية والمسئولية والإنتاج الحقيقي والعدالة، وسيادة الذيلية والمنفعية الشخصية المتدنية وعدم تكون مواقف معبرة عن الطبقة الوسطى في مسيرتها التاريخية لتشكيل مجتمع ديمقراطي حديث يحكمه دستورٌ ديمقراطي.
ولهذا فإن المسارات الأبعد تتجلى في غياب تكون مواقف فكرية عقلانية وطنية، ونشوء الفئات الطائفية والمغامرة والمتلاعبة على حبال السياسة بين الطبقات والدول، فالوطنُ يصيرُ هو البضاعة المفيدة الشخصية، وربما ينشأ أكبر الأخطار هنا مع استباحةِ الطائفيةِ والمغامرة والنفعية غير العقلانية للتكويناتِ الموضوعية لبُنى الدول وبناء الأحزاب وقوانين الأمم والأوطان، فالمنفعي الانتهازي لا يخدم تطور الطبقة الوسطى لتكونَ طبقةً سياسية بانية لمجتمع ديمقراطي حر، موحدٍ، بل يعمل لمصلحته الخاصة، أو لفئة المتمصلحين، أو الحزب الطائفي المفتت للوطن أو للمافيات فتتشابكُ الخيوطُ مع القوى الخارجية المختلفة والدسائس العالمية والإقليمية.
فتكويناتٌ هشةٌ صعدتْ عبر رشا القطاعات العامة في دولٍ مختلفة، تساهمُ هنا في خلخلةِ هذه القطاعات العامة وتشويه تطورها ومنعها من التوحدِ مع القطاعات الخاصة لبناءِ مجتمعِ الديمقراطية المنسجم في بنيته الوطنية وللتعامل والتعاون مع القوى العاملة بشراكة مفيدة(عادلة)بين الجانبين المختلفين اجتماعياً المتحدين في المصالح العليا المتطورة للمجتمعات الديمقراطية.
ولهذا فإن تواصل هذه التكوينات المشوهة في أشكال الفكر والثقافة تؤدي لكائناتٍ فكرية وثقافية مُفرغةٍ من الفكر الحافر في الواقع، ولنتاجاتٍ ثقافيةٍ هشة، ولنجوم تتسلطُ الأضواءُ الصناعية حولها، وسرعان ما تتفجرُ كفقاقيع.
فيما يؤدي تقوقعُ الرأسماليةِ الخاصة وحصارها وانحصارها في ذاتها المتضخمة إلى تشوهاتٍ أخرى تساهمُ وتصعدُ في نشر الوعي النفعي وتصعيد التشكيلات الطائفية والثقافة اللاعقلانية والمناهج الجزئية الذاتية في التحليل والرؤية، والتيارات التجارية الضيقة الأفق في الثقافة، بدلاً من تطوير الوعي الديمقراطي النقدي التوحيدي للبنية الرأسمالية المنقسمة المتضادة وفي الظاهرات كافة.
أقسام الرأسمالية الخاصة المحاصرة أو المبعدة حين تساعد القوى الهامشية غير العقلانية والجماعات المحافظة أو الفوضوية تناقض تطورها الليبرالي المفترض، ويغدو خلافها مع المؤسسات الحكومية مضراً بالمجتمع ككل، وبتطور الليبرالية الديمقراطية التي هي ضامن لاستقلالها على المدى البعيد.
توحد القطاعين العام والخاص، أي الرأسماليتين الحكومية والخاصة، عبر طبقة واحدة، في نظام اقتصادي سياسي (حر) ذي قوانين موحدة اقتصادياً وسياسياً متعاون مع العاملين ينفي الاضطراب في قواعد المجتمع، ويشكلُ أيديولوجيةً نهضوية مشتركة تعيدُ النظر في الاختلافات الذاتية والأيديولوجيات الماضوية المتعصبة وتؤسس ثقافة وطنية مشتركة ومتنوعة.