أُبلغكم إنه قد وصل إلى مسامعي كما قرأته في بعض الصحف العالمية ، إن جهاز القضاء في بلادكم قد حكم على رجل إيراني بالموت ، بدعوى تحوله إلى النصرانية ، وسُمي هذا التحول – بالإرتداد - .
هذا الحكم أثار إنزعاجي وسخطي وأسفي على الحال الذي وصلت إليه إيران ، لأنكم تعلمون إن هذا الحكم وبالقتل إنما هو تعدي واضح على حقوق الإنسان وعلى حريته ، وأنتم تعلمون كذلك : إن هذا الحكم مخالف لإرادة الله وتشريعه .
فالإرتداد من حيث هو قضية فكرية خالصة ، والله قد ترك للناس الحرية في هذا المجال ، أعني الإعتقاد والإيمان به وبغيره ، وهذه الحرية المباحة تتحرك في مجال و حدود الفكر و الإعتقاد ، ولذلك حرم الله على رسوله التجاوز على حقوق الناس وعلى حرياتهم ، لأن الله قد جعل الحرية واسعة ومباحة و مفتوحة من غير قيود ، وأدخل ذلك في قوله - لا إكراه في الدين - ، وعمم هذه المقولة لتستوعب حركة الناس ومجال وحدود إعتقادهم ، معتبراً قتل الإنسان لمجرد فكره وإعتقاده جريمة وعدوان وظلم ، وعد ذلك كقتل للناس جميعاً .
إن الله كما هو وكما يعرفه الناس ويعرفه المؤمنون ، بأنه رؤوف رحيم بعباده ، ولهذا دعاهم للحوار وحثهم على الجدل بالحسنى ، ولم يُصادر حقهم هذا في كل ظرف وفي كل مكان ، وقد خاطب رسوله العظيم بذلك ، وعلمه كيف يتعامل في سلوكه مع الناس المختلفين بقوله : - فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر - و المشيئة هنا هي مشيئة تشريع .
فللإنسان فيها حرية الإيمان وحرية الكفر ، حرية القبول وحرية الرفض ، هذا هو الله كما عّرف نفسه لنا وتعرفنا عليه من خلال ذلك ، ولهذا نسأل ويسأل غيرنا : من أين جاءت مثل هذه الفتاوى والتي قالت بوجوب قتل المرتد ؟ ومن الذي أسس لها وحكم بها وعممها ؟ .
وإذا كان الله قد ترك حرية الفكر للناس مباحة من دون قيود وجعل العقل على ذلك دليلا ، ولم يجعل على مايفكر به الناس مهما كان حدوداً أو قيودا ، وهكذا كانت سيرة الرسول العظيم في تعاطيه وتعامله مع قضايا من هذا القبيل ، بل وأكثر من هذا مادام الأمر كله يدور في مجال الفكر ، وقلق الأفكار طالما لم يتعد على ممتلكات الناس وحقوقهم .
إن قولي هذا ليس مجرد قول أو رغبة ، بل هو فتوى و حكم قال به علماء نعتز بهم وبعلمهم وتقوآهم في العراق ولبنان ، وهو ظاهر الفتوى لدى الكثير من الفقهاء من أهل المذاهب الإسلامية في سوريا ومصر وبلاد المغرب ، وحسبك ماقاله بعض فقهاء إيران من أصفهان ونجف آباد وطهران ومشهد .
السيد الخامنئي : إن رسالتي هذه تعبر عن حرص أكيد ، وعن خوف وقلق على مستقبل الإسلام في عيون العالم وشعوبه ، عالم يتطور ويراقب ما نحن فاعلون ، و لذلك تدعونا الحكمة إلى تلمس ماهو نافع ومفيد ، إن الإسلام كما أفهمه ليس هو الفزاعة وليس هو الخوف وليس هو الدليل على تعميم ثقافة الموت وإشاعة الفرقة والخلاف .
إن رسالتي تذكير للجميع في ظل عالم متغير ، وإن رياح التغيير ستطال الجميع دون إستثاء ، وإيران هي القادم بعد سوريا بكل تأكيد ، ولهذا أحببت أن تكون رسالتي مفتوحة ليطلع عليها أكبر قدر من الناس ، وليكونوا شهوداً وحكام على هذه الفعلات والأفعال التي تضر ولا تنفع ، وتُصيب الجميع بخيبات وإنتكاسات .
السيد الخامنئي : أرجوا النظر بعين الواقع وبعين الرعاية والإمعان ، فثمة أمور لابد لها من موقف متميز وشجاعة وحكمة ، لتكتب في صحيفة الأعمال ، وإني أرجوا أن يكون نظركم بعيداً عن حدود الفتاوى العتيقة ، وتنظروا بعين اللطف والسماحة للواقع وللزمان والمكان ، وإن تتركوا الناس أحرار فيما يعتقدون ويؤمنون ، وهذا هو أول الحكمة وأساس الإيمان ..
اللهم إني قد بلغت ، اللهم فأشهد