ان ما نعرفه عن العرب وعن الشباب العربي إنه شعب خلاق وشعب معطاء ، هذه حقيقة تاريخية وموضوعية ولكن هناك ثمة مايعيق هذا العطاء وهذه الخلاقيّة ، هو في تلك السياسات التي يصنعها الحكام ،
والتي تجعل من الشعب العربي والشباب العربي يشعر بالإحباط والتخلف ، وهذا الشعور هو الذي يجعلنا نحن في قلق دائم على هذا المصير العربي ، فالتحول السياسي الذي صنعه فعل الشباب يعمد البعض على تسخيره أو على تجيره لصالحهم ، حدث هذا في تونس وحدث هذا في مصر وسيكون كذلك في ليبيا وحتى في اليمن السعيد وسوريا ، هذا البلدان التي أنتفضت شعوبها إن سرقة جهود وتضحيات الشعوب العربية عادة يستغلها أناس يأتون دائماً من الخلف وشعارهم في العادة المظلومية وغايتهم تلبية حاجات الناس ، هؤلاء نعرفهم جيداً جل مبتغاهم هو الحصول على السلطة وبأية ثمن ، والثمن هنا لا يهم إن تجاوز الخطوط الحمراء في الكرامة و في القيم الوطنية والشخصية ، و قد قلت ذلك سابقاً وها أنا اليوم أكرر ذلك وعلى نحو أشمل ، لأن خوفي هنا على المستقبل وعلى الضمير العربي الذي تخرب فيه الأمل وتخربت فيه الرؤية ، فالخلط بين الأهواء السياسية وبين القيم الدينية هو متاجرة وتزييف للدين وللقيم ، ولا يختلف أثنان بان الجميع قد لعب بقيم الدين حتى ويكأنه لا خبر جاء ولا وحي نزل ، وهذه هي الكبرى التي تفوق كل مايمكننا تصوره ، لقد لعب الساسة الجدد بكل ماهو ممكن حتى زيفوا الدين والأخلاق والقيم في أذهان الناس وعقولهم ، ولم يعد الدين ذاك الشيء الجميل الذي تهوى إليه النفوس وتتوق ، وكل ذلك بفعل النفاق والهوس وجنون الحكم والرغبة في الإستحواذ على كل شيء .
إن العرب في هذا التحول لم يكسبوا حسب ماأرى وأشاهد غير التبدل في وجوه الطغم الحاكمة ليس إلاّ ، فلا أجد للديمقراطية معنى غير هذا الإلتفاف الطائفي والمذهبي المقيت ، ولم أتلمس معنى للحرية كما كان مأمول أن يحسها ويعيشها العرب ، في مصر تسلق الأخوان والسلفيون وأخذوا كل شيء وحالوا بين الشعب ورغباته ، في مصر أنتهى حلم الحرية حين هوت مصر بيد أسلاف التاريخ الموغل بالكراهية والتدافع ، غرقت مصر وسيغرق العرب في وحل الجاهلية والتقاتل الطائفي وصناعة الإمارات والكتل والجماعات ، نرى هذا واضحاً جلياً ولندع حكايات القائلين عن إن الشعب هو الذي أختار ، فحسب علمي إن الشعب لم يكن غبياً إلى هذه الدرجة بحيث يسلب عن نفسه الحرية ويصادر عن نفسه الشعور بالوجود ، من هنا أقول إن الإسلام السياسي يدأب على تخريب العقول والنفوس في رحلته عن البحث عن السلطة والسلطان .
إن الثورة المصرية التي كنت بها متفائل وشجعتها من غير تردد وأعلنت وقوفي إلى جانبها و معها ، هذه الثورة فقدت بريقها ولم تعد تعمل بعمل الثوار ، إذ لم تغيير في أجهزة النظام ولم تغيير في مؤوسسات الدولة ولا في النمط السياسي المفترض ، والثورة كما أفهمها يجب أن تكون هي التغيير وهي التحول في كل شيء ، ففي إيران حصل هذا ومثله حصل مع الثورة البلشفية والثورة الصينية وفي فكر جيفارا ، نعم إن الثورة هي التحول من حال إلى حال مختلف ومغاير في الشكل وفي المضمون .
والشعب العربي والشباب العربي خرج من هذا التحول صفر اليدين ، فلا خدمات ولا حاجات ولا وظائف بل بطالة وقهر وعنف وكراهية وأحقاد ، هكذا هو الحال من غير تزييف ، والتحول الذي حدث طال وجوه ولم يطل برامج وحركة وتنمية ووسائل شغل ، هذا هو الحال في الوصف وفي النعت وتلك هي حال الأمة التي لم تبلغ من الإنسجام والوعي الدرجة التي تجعلها تفرض إرادتها بشكل صحيح وصادق ، وحين نكون بهذا الوصف فإننا لم نصنع حكومات قادرة ومؤهلة للبلوغ بمطالبنا في الحدود الدنيا ، إن ما نشاهده اليوم يعجز حتى في توظيف الصلاحيات الممكنة والتي يطالب بها بسطاء الناس .
إن الشباب العربي ضيع على نفسه فرصة تاريخية حين ترك مواقعه مما سهل المهمة للغانمين والمغامرين ، وبحسب ما هو متاح فالذين تسللوا على أكتاف الشعب لا يمثلون القوى الوطنية والديمقراطية ، وسوف يتذكر الشباب العربي كلامي هذا فالمجالس النيابية التي يُقال إنها منتخبة لا تمثله في الواقع ، ولهذا لا يأخذه بريق الصراخ كما و لا يجب عليه أن يستبشر بهذا كله ، ولينظر ثم يرى إن جهوده ودماءه قد سرقة جهاراً نهارا !!!.
إن ما يشكو منه الشباب العربي اليوم وما يَقلَقهم هو هذا التحايل من قبل القوى التي تدعي إنها تمثل الإسلام ، إن ما يقلق الشباب هو خيبة الأمل وتزييف التاريخ مما يجعلهم في مقابل الدين وهذه مما لا يرتضوها لأنفسهم ، أن الشباب العربي لا يستطيعون ان يقفوا بوجه الدين هذه حقيقة ، وهناك من يريد لهم ذلك في أن يصطدموا بحاجز يحول بينهم وبين تطلعاتهم التي يطلبونها و الحدود الموضوعية لنشاطهم وفعلهم وإرادتهم ، إن التحول في السياسي يلزمه تحول في الإجتماعي والإقتصادي والثقافي ، وهذا لن يكون ممكناً طالما أرتبط هذا التحول بالعامل السياسي الفاعل وهو بيد غيرهم .