Sunday, October 2. 2011
استخدام كلمة الليبرالي في الاردن, وخاصة بين رجالات السياسة, وكأنها شيء مشين, أمر يدعو للاستغراب; فالكلمة (أو التهمة) أصبحت تعني في الاردن أن الشخص الليبرالي شخص ثري أو يسعى وراء الثراء بأية وسيلة, ولا يحس بهموم الاخرين
ويستخدم أرقاما صماء, وبالتالي فهو بعيد فكريا وعاطفيا عن حس الشارع وآلام الشعب. والواقع أن كلمة ومبدأ الليبرالية لا تعني ذلك أبدا, ومما يثير الحفيظة (أو يجب أن يثيرها لدى شعبنا المشهور بالثقافة والذكاء) أن بعض الساسة قد يستعملون هذه الكلمة للدلالة على عكس مفهومها, مع أنهم (ومن المفترض أن يكونوا) رجال سياسة متمرسين في العمل السياسي ومصطلحاته.
دعونا نعود للأدبيات أولا ونشأة الليبرالية في العالم كفكر سياسي واقتصادي. كلمة الليبرالية مشتقة من كلمة لاتينية (Liberalis) وتعني "الحرية", ولقد قاد هذا الفكر المفكر جون لوك في القرن السابع عشر حين طالب من خلال ما سماه ب¯ "العقد الاجتماعي" بسيادة القانون على الجميع (الحاكم والمحكوم) وأن الحكومة لا يجب أن تحكم الا برضاء الشعب وأن تستمد قوتها منه, وأن كل فرد في المجتمع له الحق في التملك والحياة الكريمة من دون غطرسة الحكومة. ويعتقد البعض أيضا ان المفكر الاقتصادي آدم سميث في القرن الثامن عشر كان ليبراليا حين طالب بأن يكون للحكومة دور في تقديم الخدمات العامة, ومنها المدارس والطرق وغيرها, لاعتقاد آدم سميث في حينه أن الحكومة أقدر من القطاع الخاص على تقديم هذه الخدمات وبأسعار وتكاليف تناسب المواطنين أكثر مما يقدمه القطاع الخاص.
كما أصبح الفكر الليبرالي في القرن الثامن عشر يعني رفض الملكية المطلقة وتفضيل الملكية الدستورية مما ساهم في نشأة وتنمية الدولة الحديثة التي تقوم على رعاية الشعب, وانتشار الحقوق والحريات المدنية والدينية والحرية من التعصب والتطرف, فتصدى بذلك هذا الفكر للنازية والفاشية والشيوعية والحركات المتطرفة الاخرى في القرن العشرين. أيضا, بدأ مفكروه مثل الفيلسوف جون راولز (أنظر كتابه, نظرية العدالة) بالمطالبة ليس فقط بحرية الفرد بل بالعدالة الاجتماعية من حيث التوزيع العادل للمصادر الاقتصادية والدخل ليتمكن الافراد في المجتمع من تحقيق مطامحهم, ولقد كان الحزب الليبرالي في بريطانيا الذي ظهر في مطلع القرن العشرين أول من غرس بذار التأمين ضد البطالة, والتأمين الصحي لجميع المواطنين مما جعل بريطانيا لاحقا جنة العمّال كما سماها البعض, ثم ظهرت اقتصادات السوق الاجتماعي في أوروبا مؤمنة بمبدأ الاقتصاد الحر من ملكية وعمل مع دور الحكومة في الرعاية الاجتماعية (أنموذج السوق الاجتماعي).
وبهذا فإن الليبراليون يؤمنون بالديمقراطية, وتساوي الحقوق, والدستورية, وحقوق الانسان, والرأسمالية, والتجارة الحرة, والانتخابات الحرة النزيهة, وينحازون الى مبدأ اقتصاد السوق الاجتماعي (أنظر المبدأ المعلن لجمعية الليبراليين الدوليين); وهو ما يعنى به حين يوصف شخص ما بأنه ليبرالي. وإذا سبق التعريف كلمة "الجدد" ليصبح المصطلح »الليبراليون« الجدد (Neoliberals) يصبح المعنى مختلفا كثيرا عن لفظة "الليبراليين" ومستوى مشاركة الدولة في تقديم الخدمات العامة, حيث يتفق الليبراليون الجدد مع سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أو ما يعرف ب "توافق واشنطن" وهو توافق مرفوض تماما من قبل الليبراليين.
وبهذا فإن الحكومة الحالية يجب أن تُعرّف على أنها ليبرالية محضة ومن الطراز الاول, فهي التي طرحت مبدأ هذا السوق مع بداية توليها زمام حوكمة الاردن قبل شهور. لذا, أرجو توخّي الدقة في استخدام المصطلحات ولن أعلق بأكثر من ذلك.
|