أحببت في البداية أن أقدم التبريكات لشعبنا العراقي ولشعوب المنطقة والعالم مع بداية العام الجديد ، متمنياً للجميع عاماً سعيداً وحياةً ملؤها الأمل والشعور بالغد الموعود ، وأملي أن يكون هذا العام الجديد خير من الأعوام الماضيات ، ونحن في العراق والعالم يدري كم عشنا في العام الماضي من أعمال خربت الوجدان والضمير عبر موجات من التدمير المنظم والقتل العمدي والتقسيم المباشر والشعور السلبي تجاه بعضنا للبعض الآخر .
أقول : لقد زادت في مجتمعنا موجات التطرف الديني من ذوي اللحى الصفراء والعمائم المزيفة ، وزادت نسبة الفوضى في سلوك الناس وفي معتقداتهم على نحو كيفي غير منضبط ، وزورت الحقايق عبر الكيد والمؤامرة ليختلط في ذهن الناس الصالح بالطالح ، وكان البعض منا يهدف للبقاء كيفما كان وبأية صورة لهذا قدم بعضنا كل التنازلات متناسين حكم التاريخ والضمير والأخلاق ، كل هذا كي لا يُقال إن زيداً قد هزم ولم يستطع البقاء .
وفي العام الماضي شاهدنا كيف أنقلب العلمانيين على بعضهم وكيف تآمر دُعاة الليبرالية على بعضهم فخسروا كل شيء ، بل الأدهى من هذا إن البعض من هذا البعض تكتل خلف قضبان الطائفية والشوفينية لعله يحصل على مقعد في البرلمان ، والمؤسف إن هذا البعض يرى في سلوكه هذا حق له ولوجوده متناسين إن الليبرالية ليست إنتهازية أو وصولية بل هي قيم وثقافة ووعي إجتماعي ، وإن أخر ما تفكر فيه هو المشاركة في السياسة العامة ، لأن هدفها نشر الوعي وتركيز دعائم الخير في ضمير ووجدان الإنسان ، هي هكذا وليس تقديم التنازلات أو الإنضواء بين أحضان الفاسدين والمنحرفين من أعداء الوطن والشعب .
أقول : إن الكثير من خيبات الأمل التي أصابت شعبنا في الصميم جاءت من أدعياء الوطنية والنزاهة والشرف ، أولئك المتحذلقين والمزيفين الذين زيفوا التاريخ والجغرافيا والقيم والأخلاق تبعاً لمصالحهم وأهوائهم ، كما إن خيبت الأمل من رجال الدين الذين تحولوا إلى سماسرة وعرابين لسياسين وتجار دماء ، مما زاد في إنزواء المرجعيات الدينية التي خضعت للتضليل وللزيف وللنفاق ، وهي تُداري على حساب قضايا الوطن المصيرية خدمة لمصالح الأغيار .
إننا في العراق ويعلم العالم قد كوينا بنار الحقد والكراهية من الكل فتلاعب بنا الجيران تارةً حسب غاياتهم ، ودمرتنا يد الغدر والتخلف القادم من أعماق الظلم والخديعة والتسويف تارةً أخرى ، ولذا كان عامنا الماضي سيئاً من كل وجه ، والذي أساء فيه هم هؤلاء الحفنة من السياسين المرتزقة الذين خربوا كل مقدس عندنا واستباحوا كل شرف ، وكانت أخريات هذا الزيف هو الذبح المتعمد لأبناء الرافدين المسيحيين ، وبحدود علمي إن الذي عمل هذا هم طوائف من الحقبة المظلمة لنظام صدام ، الذين يظنون إنهم بفعلهم هذا إنما يستطيعون إقناع العالم الغربي بإمكان عودة عقارب الساعة إلى الوراء ، وبحدود علمي أيضاً إن هذا العمل ليس سوى دعاية رخيصةً يُراد منها الترويج للقول الزائف إن التعايش في العراق الجديد غير ممكن ، وأن لا مكان لهؤلاء في الحياة إن لم يُعاد تصحيح الوضع ، وعودة أيام البعث الخوالي إلى الحكم - هي هكذا - ، ولكن من ينفذ الجريمة هم هؤلاء الوغدان من طائفة المنبوذين والمشعوذين من القاعدة ونفر من الأعراب الحاقدين .
كم تمنيت وأنا أكتب مقالتي هذه أن أُعدد منجزات وأعمال هذا العراق الجديد ، لكنه مع أسفي الشديد إن العراق بفضل هؤلاء الحاقدين والموتورين قد فقد كل مقومات البناء والإنجاز والتحضر ، أقول : كنت أتمنى ان تكون الحكومة الجديدة على غير هذا الطيف وعلى غير هذه الهيئة والتوليفة ، فثمة مايوحي حين أرآها بخيبة الأمل ، وثمة مايدعوني للقول وآسفاه على حاضر العراق ومستقبله ، حين غابت عنه شمس الأمل والحياة ، والحكومة التي أُعلن عنها ماهي إلاّ مصداق لذلك المثل القائل - من كل بيت أغنية - ، وأقسم صادقاً إنها في شكلها هذا وفي نوعها هذا ، لن تحقق غير المزيد من خيبات الأمل والمزيد من الفساد ومن تراكم الضعف والأنزواء ، وكنت وكان أملي ان تكون الحكومة من ذوي الإختصاص والخبرة والحرص ، أولئك الغير مسيسين والغير متحزبين والغير طائفيين ، ولكن كل هذه الأماني ضاعت سدى ، بفعل هذا الإنبثاق الفاشل ، لكن أملي مازال ودعائي إن يستقيم الحال ويعود من فقد رشده إلى جادة الصواب ، وليتذكر الجميع إن لعنة التاريخ والناس لن تستثني كل رخيص أو لئيم . وتمنياتي للعراق الشعب والوطن الخير والعز ولن يكون ذلك ممكناً من غير الإتفاق على إن العراق بلد الجميع والكل فيه يجب ان يكونوا سواء ، أقول : ليكن هذا العام الجديد عام مختلف ولنكن فيه بقدر حجم المخاطر والتحديات ، وليكن شعار الجميع البناء والإعمار ونكران الذات والشعور بالمسؤولية الوطنية ، فوطننا العراق أغلى من كل غال ..