Sunday, May 23. 2010
أكد لي صديق عزيز وهو حزين لم يعد شيئاً في العراق لم يسرق, حتى الكتب بدأت تسرق وتطبع دون علم المؤلف أو الدار التي تعاقدت على نشره. فكل شيء مباح في العراق في ما يمكن تسميته فوضى الحرية أو حرية الفوضى.
نحن أمام مجتمع عانى من هيمنة واستبداد الدكتاتورية ما يزيد على أربعة عقود, وبالتالي ضاعت الكثير من القيم والمعايير في خضم غرها وقمع وبؤس وفاقة المجتمع. وهناك سعي من أجل تغيير هذه الحالة وسوف تستغرق وقتاً ليس بالقصير لكي تستقر معايير وقيم حضارية جديدة تستجيب لطموحات وإرادة وحقوق الإنسان ويفترض وضع العراق على السكة الصحيحة فيندفع إلى الأمام ويتخلص من اثار الماضي المرير.
عاش العراق سنوات عديدة حيث كان الإنسان يقتل على الهوية الدينية والمذهبية أو الفكرية والسياسية , أو من أجل الاستيلاء على ما في جيبه من نقود, أو من أجل الثأر والانتقام الشخصي دون الذهاب إلى القضاء, أو بتكليف من جهة أو الاختطاف والتغييب أو السطو على البيوت وسرقة ساكني الدار وربما قتلهم من الوريد إلى الوريد, كما حصل مع بعض أفراد عائلتي وعائلات عراقية كثيرة لا تزال يلفها الحزن والأسى على موت أحبتهم.
كلفني صديق في بغداد أن أرسل كتاباً لصديق طُبع في بغداد دون علم وأذن المؤلف الصديق. والكتاب لا يحمل اسم دار للطباعة أو دار نشر ولا مكان وسنة النشر. والكتاب وضع له عنوان من عنديات "حرامي بغداد" الذي قام بتنزيل المقالات التي نشرت تباعاً في مؤسسة إيلاف الإلكترونية والتي تتحدث عن ذكريات الصديق العزيز والكاتب المبدع والمتخصص باللغة العربية وآدابها والمحقق للكثير من كتب العرب الأولين الأستاذ الدكتور شموئيل موريه (سامي المعلم).
كتب لي الصديق شموئيل موريه يحتج على طبع مقالاته في كتاب دون علمه وبأخطاء فادحة وطباعة غير جيدة. كتبت له أواسيه وأبين له بأني قد نقلت له الكتاب من بغداد, وناقل الكتاب المسروق لصاحبه ليس بسارق الكتاب أو مسؤول عن سرقته. وطيبت خاطره بالكتابة له بأن كتبي التي وصلت نسخ قليلة منها إلى العراق طبعت دون علمي أو إعلامي بصدورها, وهكذا جرى التعامل مع الكاتب الروائي والشاعر المميز الصديق الدكتور فاضل العزاوي والصديق الدكتور رشيد الخيون وغيرهما من الكتاب. كان هذا يجري ضمن الفترة التي هيمن فيها صدام حسين على العراق ومنعت كتبنا بل كان يحكم من يعثر في بيته على أحد كتب ما يقرب من 1000 كاتب وكاتبة عراقية وعربية وأجنبية. وكان طبع كتبنا بهذه الطريقة مقبولاً, ولكن لم يعد هذا الأمر مقبولاً الآن لأن إمكانيات طبع ونشر ووصول الكتب إلى السوق العراقي لم يعد صعباً أو ممنوعاً.
وكتبت له: أخي الفاضل كل شيء غير محرم في العراق الراهن, كل شيء حلال بما فيها سرقة الكتب, دع عنك سرقة الناس والأموال ودور السكن والمقابر وما إلى ذلك, فلا تحزن على كتابك المسروق مع سبق الإصرار. المحرم في العراق هو أن تكون لك حريتك في اختيار مسيرتك وما تمارسه, يحاول البعض منع ما لا يمكن منعه, ومنها المشروبات الكحولية, رغم أن من يحاول أن يمنع يعرف مقولة العراقيين الشهيرة على مدى قرون: "ما دام بالنخل تمر .. ما جوز من شرب الخمر". أما ابن خلدون في مقدمته فقد ذكر ما مضمونه: "أن العراقيين كانوا أذكياء فأطلقوا على المشروب الكحولي اسم "العرق" بدلاً من "الخمر" لأن العرق لم يذكر في القرآن ولم يحّرم.
المحرم في البصرة الجميلة وفي بعض مناطق العراق المشروبات الروحية ونزع العباءة التي كافح من أجل نزعها العراقيات والعراقيون منذ أوائل العشرينات من القرن الماضي, وها نحن في العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين والعراقيات يجبرن على ارتداء أشكال من الأغطية السوداء التي تحجب الشمس والحرية وجمال الحياة عن عيون المرأة وتسلبها إرادتها وكرامتها وتمنعها من رؤية الناس مباشرة, علماً بأن كلا الجنسين يولدان عراة وليس بينهما من يرتدي العباءة أو الجادور أو القناع أو الپوشية حين ولادته. متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.
لا تغضب عزيزي سامي المعلم فسارق مقالاتك يبقى أفضل بما لا يقاس من ذلك المجرم الذي يختطف الإنسان ويقتله أو يفجر نسفه ليقتل عشرات ومئات من الناس أو من يستعبد المرأة !
22/5/2010 كاظم حبيب
|