افتتحت حملة الانتخابات العراقية مؤخرا على خلفية من الحيل القذرة والقتل والفساد والابتزاز والتخويف. وبينما يبتهج الساسة المبتسمون من عشرات الملصقات المعلقة في بغداد ومدن أخرى رئيسية، وهو ما يجب أن يكون سببا للاحتفال، كعراقيين موعودين ببدء عهد جديد من الحرية والديمقراطية، انحدر العراق في الحقيقة إلى عنف وفوضى.. إن الحديث عن انتخابات حرة ونزيهة في السابع من مارس (آذار) ليس إلا وهما.
بدلا من السعي وراء دعم الناخبين العاديين لأحزابهم السياسية أو سياساتهم، تبدو النخبة العراقية الحاكمة مصممة على تدمير خصومها، بدلا من العمل على هزيمتهم. وبينما يتحتم على الغرب أن يملك شيئا من الصبر مع دولة ما زالت تعيد استكشاف الديمقراطية بعد خمسين عاما من الديكتاتورية والحكم المطلق، فإن الوضع الحالي يعد مقيتا ويلقي بظلال قاتمة على شرعية عملية الانتخابات برمتها.
لقد تنبه السياسيون من طرفي الأطلسي عندما أعلنت هيئة المساءلة والعدالة المهجنة في بغداد طرد 511 سياسيا علمانيا بارزا من الانتخابات. السبب المطروح هو أنه كان لدى الهيئة دليل جديد أن كل الـ511 شخصا كانوا إما مجرمين أو لديهم ارتباطات قديمة مع حزب صدام حسين البعثي المحظور، ولم يتم عرض أي دليل.
وتدار هيئة المساءلة والعدالة من قبل أحمد جلبي وعلي اللامي أحد أصدقائه الحميمين. وكلاهما له صلة وثيقة منذ أمد بعيد بطهران، وكلاهما أيضا مرشح للانتخابات في السابع من مارس، ولهما أيضا خلفيات سيئة. لم يكن مفاجئا إذن أن الـ511 شخصا المدرجين على قائمة الاستبعاد من عملية الانتخابات، كان معظمهم معارضين صاخبين للتدخل الإيراني في العراق والمنافسين السياسيين النشطاء للجلبي واللامي.
أحد الشخصيات الرئيسية المذكورة في القائمة السوداء كان القائد السياسي السني والعلماني الدكتور صالح المطلك، وهو عضو في البرلمان العراقي للسنوات الأربع الماضية. وكان قد اختير مرتين من قبل للترشح للانتخابات، كما كان أحد المؤلفين للدستور العراقي الجديد. وكان شريكا قياديا في تحالف يقوده إياد علاوي، وهو علماني، والمرشح الموالي للغرب للعمل في العراق مع رئيس الوزراء القادم. ولكن الدكتور المطلك قد كان ناقدا مستمرا لإيران، وكان طرده وطرد غيره من قبل الجلبي واللامي مثيرا للشك على نطاق واسع أنه طلب مباشر من طهران.
لا شك أن نظام الحكم الإيراني يستخدم كل قواه ونفوذه في العراق، ويجرد أهلية أي شخص في العراق من العملية الانتخابية ممن يعتقد أنهم خصوم. وبتوجيه ملاحظاته للولايات المتحدة في خطابه يوم الخميس 11فبراير (شباط) بمناسبة الذكرى السنوية للثورة الإيرانية، قال رئيس إيران أحمدي نجاد: «إن الشعب العراقي والحكومة العراقية تحت ضغط كبير، لإعادة البعثيين إلى السلطة.. لماذا تريدون فرض البعثيين على الشعب المقموع في العراق؟ لن تنجحوا إن شاء الله». لذا، فإن التجريد من البعثية يعد مجرد عذر. لهذا السبب تجريد، المرشحين من الأهلية ليس محصورا في السنيين فقط، ولكنه يتضمن أيضا بعض الوطنيين الشيعة البارزين ممن هم أعضاء في التحالف السياسي «أحرار» الذي يقوده إياد جمال الدين، وهو رجل دين ومفكر شيعي عراقي بارز. ويؤكد السيد جمال الدين وأعضاء من قائمته المطروحة للمرشحين للانتخابات أن المشكلة الأهم التي تواجه العراق اليوم هي تدخل نظام الحكم الإيراني في البلاد.
كان مثل هذا القلق حول الأثر المحتمل لزعزعة الاستقرار على العملية الانتخابية هو ما دعا نائب رئيس الولايات المتحدة جو بايدن إلى السفر إلى بغداد في أواخر يناير (كانون الثاني) في محاولة لحل هذه القضية القابلة للانفجار. وفي الوقت الذي بدت فيه جهوده جنبا إلى جنب مع احتجاجات قوية من البرلمان الأوروبي سارية المفعول، أعلنت محكمة الاستئناف العراقية أنها ألغت الحظر من قبل هيئة المساءلة والعدالة، وأن كل الـ511 مرشحا يمكنهم الآن الترشح للانتخابات.
هذا الحكم أغضب الملالي في طهران وحلفاءهم الموالين لإيران في بغداد. لقد جرى كثير من الحديث عن حكم محكمة الاستئناف عندما أعلن مساعدون كبار لرئيس الوزراء العراقي أنه كان حكما «غير قانوني وغير دستوري»، وأن الحكومة قد قررت أن تسيطر على أحكامها الخاصة.
لذا، فإن الانحدار إلى حالة الفوضى ما زال مستمرا. لقد أصبح القتل والتفجير جزءا اعتياديا من مشهد الانتخابات. فقط في الأسبوع الماضي، قُتلت مرشحة من حزب إياد علاوي في الشارع في شمال مدينة الموصل، وهي سها عبد جار الله، وكان عمرها 36 عاما.
بعد تصفية ميدان جميع المعارضين السياسيين، فإن القيادة الحالية تبدو مصممة على تشكيل حكومة شيعية السيطرة، موالية لإيران بعد انتخابات السابع من مارس، وبذلك تمهد الطريق للقبول النهائي لبغداد وصية طهران.
بالتأكيد إنه ليس من اهتمامات الدول الأخرى في الخليج أن ترى هذا يحدث، أو أن ترى نظام حكم الملا الفاشي في إيران يظهر كسلطة قيادية في المنطقة. ولكن بينما يستمر الغرب في صب أموال دافعي الضرائب للمساعدة في المهمة الهائلة المتمثلة في إعادة الإعمار، فإن الأسس الديمقراطية المهتزة تنهار وتبشر بمستقبل قاتم.
* عضو البرلمان الأوروبي، ورئيس الوفد البرلماني الأوروبي للعلاقات مع العراق
الشرق الاوسط