ثمة ما يستدعيني للكلام هاهنا اليوم عن قضية الإجتثاث التي أرآها تؤصل العداء والفرقة وتباعد بين مكونات الشعب العراقي الواحد ، فالموقف من الجرائم التي أرتكبها صدام وبعض من أعوانه ، أصبحت الشماعه التي يرمون بها كل مُخالف لنظام إيران المتخلف البالي ، نعم ثمة مايؤرقني على مستقبل العراق في ظل هذه الروح العدائية الهدامه ، وكلما قلنا غداً سيكون الأمن و السلام ممكناً في العراق ،
يخرج إلينا من بطون العفن التاريخي من يشتت الشمل ويزرع الكراهية وينمي الحقد ويُضاعف الطائفية والعنصرية بيننا ، وكل هذا إن محصناه بدقه لوجدناه نتاج فعل أنصاف المتعلمين وأهل السوابق ممن كانوا أعوان للنظام السابق ومخابرات دول الجوار ، نعم لا أحد من العراقيين الشرفاء من يؤمن بالظلم والجريمه وهم لذلك لا يفرقون بين جرائم صدام وأعوانه وجرائم المرحلة الراهنه ، فالظلم كما يقول الحكماء - ملة واحدة - ، ومن كان يمارس القتل والجريمة وحفر القبور الجماعيه مثله كمثل من يمارس الجز والبتر والخديعة والتزوير وسرقة المال العام وقتل الأبرياء في عصرنا الحاضر .
وقلنا ونقول : إن العراق بلد متعدد الثقافات والديانات والمذاهب والقوميات ، وهو لذلك ولكي يعيش الحياة يجب عليه وعلى أهله الإيمان بحق الحياة والمشاركة فيها للجميع ومن الجميع ، ولعلنا لا ننسى تجربة - مجلس الحكم - بعيد سقوط الطاغية على ردائتها كانت تجربة للتذكير بهذه الحقيقة والتذكير بوجوب التعايش والعيش المشترك ليكون للحياة في العراق معنى ..
كما يجب التذكير بالحقيقة الأخرى ألاّ وهي : إن كل من يشارك في العمل السياسي اليوم عليه إن يعلم إن هذا العمل وهذه الطريقة هي من صُنع أمريكا ، وهي لم تكن نتاج فعل أحد من العراقيين المشتغلين في العملية السياسية ، حتى يحق لهم تصنيف الناس وإختزال الحقيقة والإدعاء بإنه صاحب التغيير أو إنه أحق من غيّر ، ولايتنطع علينا بالقول ليُصادر الحقيقة في ترويج إعلامي ودعائي هزيل ، ثم إن على من يدعي الوطنية ان يكون بحجمها وبعدها وسعة أُفقها ، وعليه ان يتقدم للشعب ببرامج نافعه وان يُقدم للشعب رجال مخلصين من غير أهل السوابق ، كما على من يريد المصالحة عليه ان يعلم ان الصلح مع من ؟ هل مع من يردد كلمة نعم من دون ضمير أو كرامه ؟ أو إن الصلح الواجب مع المختلف ؟ ، وإذا كان للإجتثاث من معنى ، فلماذا تعج وظائف الدولة ومجالس الإسناد ببعثيين وضباط من الأمن القومي ومن المخابرات السابقين ؟ وإن منهم من تلطخت يديه بالجريمة والقتل ، فلماذا لا يجتث منهم ؟ أليس أستخدام العشائر بهذه الطريقة السمجة هو أستخدام صدامي بإمتياز ؟ وإذا كنتم تدعون الدين وتتلحفون بشعاراته ، أليس من الواجب ان تمتثلوا لكلام النبي محمد - ص - حين دخل مكة فاتحاً وتستمعوا لقوله لأهل قريش من أعدائه : - أذهبوا فأنتم الطلقاء - ، أي أذهبوا فأنتم الأحرار ، ولم يقل إني سأقتص منكم !! ومن كل أحد ممن حاربني !! ومن كل من أنتهك حرمات وأعراض المسلمين !! ، لم يقل هذا بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين قال : من دخل بيت أبو سفيان فهو آمن - ، على ماله وعرضه ونفسه ، وهو آمن مادام سيعيش مؤمناً بالواقع الجديد ، لم يجتث من هند آكلة الأكباد !!! ولم ينادي بسبي الحرمات !!! بل دعا إلى أعزازها وإكرامها ، بل شاركهم في غنائم الحرب في حنين وهوازن وأعطى رآية حربه لبعض القادة منهم ، ألم تكن هذه أسوة حسنة لمن يستمع القول فيتبع أحسنه .
وللتاريخ نقول : كان يمكن للأكراد الإجتثاث من الجنود العراقيين بُعيد عاصفة الصحراء الذين بقوا في منطقة كردستان ، لكن قادة كردستان قالوا لهم : أذهبوا فانتم أحرار !! مع إنه كان بالإمكان فعل ذلك مع وجود الفوضى وفقدان الأمن والسيطرة على المشاعر وإنقلاب الحال في ذلك الزمان ، وكان يمكن فعل ذلك بحجة الدماء التي جرت في الإنفال وحلبجه ، لكنهم ترفعوا وأمتثلوا للحكمة وللغة التعايش ولمبدأ عفا الله عما سلف ، وأمتثلوا لقول الله تعالى - ولا تزروا وازرة وزر أخرى - ، نعم نحن أحوج ما يكون إلى رجال يمتلكون الحكمه وينظروا للمستقبل فدوام الحال من المحال ..
راغب الركابي