إن السلفية، كمصطلح، ليس مذهباً ولكنه منهج يقود الطريق إلى عقائد وقناعات. ولذلك فإن السلفية لا تقتصر على مذهب ديني واحد، لأن كل توجه فكري أو عقائدي أو ايديولوجي أو حتى عرقي من الممكن أن يستظل تحت ظل "السلفية" كمنهج.
فكما لدينا التوجه السلفي السني الرسمي (المملكة العربية السعودية) لدينا أيضاً التوجهات السلفية المتطرفة (الجماعات الإرهابية المنتشرة في كل مكان)، ولدينا أيضاً التوجهات السلفية الشيعية (ايران وبعض التوجهات الشيعية في العراق)، وتواجدت السلفيات العرقية (هتلر والرايخ الثالث)، وهناك سلفيات علمانية أيضاً (تركيا والنموذج الأتاتوركي). فـ "السلفية" هي منهج ترى في زمان مضى معين ومحدد، بظروفه وعقائده وآلياته وحتى اشكالياته وحلوله، هو اساس الخلاص ولب الحقيقة وطريق السعادة. و "المنطق" السلفي يقود اتباعه إلى الإستنتاج أنه إذا ما تم تبني منهج هؤلاء "القدماء" فإن طريق "السعادة" هذا سوف يكون ممهداً للخلاص. تلك هي خلاصة "الحقيقة".
المنهج السلفي يقود اتباعه إلى إيمان راسخ بأن الماضي كان أفضل بكثير من الحاضر. بل إنه يقودهم إلى تلك النظرة التي تزدري الواقع المعاصر، أي واقع، لأنه لا يمثل بتاتاً تلك "المدينة الفاضلة" التي يتوهمون أنها قامت في زمان قديم. فالسلفية السنية ترى في حديث "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" دليلٌ ساطع على "دونية" الواقع بالنسبة إلى الماضي "السعيد" في تلك القرون الثلاثة المفضلة، بينما السلفيات الشيعية ترى في ظروف خروج المهدي الذي لن يخرج حتى تمتلئ "ظلماً" دليلٌ آخر على أن الزمان من سيء إلى أسوأ في حتمية لازمة ومفروضة من الرب جل شأنه حتى تكتمل دورة الزمان بخروج مهديه ليملأها لهم "عدلاً"، أما السلفيات العرقية فإنها ترى في ذلك "العرق" هو المعنى الصحيح للـ "إنسانية" التي يجب أن تهيمن حتى تعود تلك "الحضارة" البائدة إلى سابق عهدها.
تلك القناعات سوف تقود اتباع هذه السلفيات إلى رفض مباشر وصريح، في حال الوصول إلى سيطرة سياسية أو مراكز القرار الوطني، لكل ما هو بديهي لمبادئ الدولة المدنية. فـ "المؤمن" السلفي لا يساوي في القيمة حتماً الكافر بها (السعودية وايران). والقيمة الإنسانية لا تكون مجردة بغض النظر عن ما يعتقده الإنسان ويؤمن فيه (السعودية وايران). والديموقراطية هي حتماً ليست وسيلة ليحكم الشعب نفسه بواسطة ممثليه الذي يختارونهم بحرية ولكنها وسيلة لتأكيد منهج سلفي متفق عليه من مشايخ النظام أو فقهاؤه (السعودية وايران). والقانون لا يخضع ابداً لإعتبارات التجرد والتعالي والمصلحة العليا ولكنه مشتق من نص كما فهمه فلان أو علان منذ اكثر من الف سنة تزيد أو تنقص على حسب قناعات مشايخ النظام (السعودية وايران). والحريات هي مصطلح لا يكون القانون هو معياره الرئيس ولكن معياره هو المحاكم الشرعية التي تضع بعين الإعتبار الفروقات بين الزنديق والمؤمن والمستقيم وصاحب البدعة والمسلم والكافر والسني والشيعي (السعودية وايران). والخطاب ذاته ينطلق من قناعتهم بأنهم يتكلمون بإسم الرب وبإسم حكمه وبإسم تفويضه في مواجهة أي خطاب "شيطاني" آخر يخالف نظرتهم وفهمهم وقناعاتهم وحكمهم ومشيئتهم ورغباتهم (السعودية وايران).
إن السلفية، كمنهج، هي مصادمة لكل المبادئ المدنية التي تقوم عليها الدول الحديثة. هذه حقيقة لا فكاك منها. ولذلك فإن خطورة وصول هؤلاء إلى مراكز التشريع واتخاذ القرار سوف يؤدي بالدولة حتماً إلى الإنشغال بصراعات داخلية بين النسيج الإجتماعي المختلف من ناحية، وبين مؤسسات الدولة المدنية وقوانينها واعرافها وبين القناعات السلفية وعقائدها من ناحية أخرى.
السلفية مصادمة بطبيعتها للدولة المدنية، ولذلك يجب على التوجهات العلمانية أن يستعدوا لـ "معركة" سوف تأخذ طابع الشراسة. هي شرسة لأن السلفيون لا يقبلون بطبيعتهم ذلك الآخر المخالف، وإنما يسعون إلى تصفيته.
ولو أن أبو قتادة الفلسطيني يمثل التطرف السلفي السني في أقصى درجاته، ولكن الإقتباس من كلماته "الذهبية" (!!!) سوف تعطينا الإنطباع العام لما اقصده من هذه المقالة. يقول أبو قتادة:
"والوصول إلى التمكين من خلال شوكة النكاية المتكررة لن يجعل همَّنا إرضاءَ الناس بتأمين السكن والخبز والعمل لهم. ولسنا محتاجين إلى أخذ رضاهم فيمن يحكم أو بما يحكم. سيحكمهم أميرنا شاءوا أم أبوا. وسنحكمهم بالإسلام، ومن رفع رأسه قطعناها".