Sunday, February 15. 2009
أنا- بكل تواضع – لأفهم كيف يكون الإسلام سياسياً . ولا أفهم من أين جاءنا هذا المزيج السرياني الامعقول, وهذا الهوس العجيب بتوليد مصطلاحات ما أنزل الله بها من سلطان مثل : الثلج الأسود ، الظلام المضيء ، الفوضة المنظمة ، الشمس العمياء ، اللامنتمي .
ولا أفهم – بكل تواضع ايضاً – لماذا على الإسلام فقط وفقط من دون الملل و الأديان والعقائد أن يكون سياسياً أو لا يكون خصوصاً وأنني لم أسمع أحداً يتحدث عن يهودية سياسية ولا عن مسيحية سياسية ولا حتى عن هندوسية سياسية .
ولا أفهم – أخيراً – إن جاز القول بوجود إسلام سياسياً لماذا لا يجوز بوجود إسلام سياحي أو إسلام نووي أو إسلام ملون أو إسلام بالأسود و الأبيض ؟
2- حين قرأت ابن تيمية في " درء تناقض العقل والنقل " ورأيته
في مقدمة أصول التفسير يرفض الترادف ويشن النكير على أهل الباطن وأصحاب المخاريق من المتصوفة القائلين بالتقمص والتناسخ والحلول والتجلي ، وعلى الفلاسفة القائلين بالصورة والهيولى والأنا ، التاركين مفردات القرآن ومصطلحاته الى مفردات ومصطلحات هجينة مستوردة ومستعارة ، ظننته – لحداثة عهدي بمسالك الفكر وجهلي بمنعطفاته وقلة خبرتي بمزالقه – من بني خشب أو من بني خرير ( 1) لولا أنني اكتشفت بعد أن اشتد ساعدي أن الرجل على هدى ، وأن الدفع والتدافع بين الناس اللازم لصلاح الأرض , كما في آية البقرة 251 ، شيء أخر تماماً غير الديالكتيك الذي يقول به الفلاسفة . وصرت أفهم لماذا أنكر أبو ذر الغفاري على معاوية بن أبي سفيان تغييره تسمية
" بيت مال المسلمين " إلى " بيت مال الله " .
3- أقف طويلاً أمام قول من قال : " ذاع صيت هذا المصطلح
وانتشر في الإعلام بعيد الثورة الايرانية " فلا أدري هل
المقصود حرفية المصطلح أم دلالته ومعناه . إن كانت الحرفية
فنحن بحاجة إلى أدوات وأرضيات – لا أظنها متوفرة فيما
أرى – لاثبات صحت أن " الإسلام السياسي " ذاع وإنتشر
عقب عام 1979 , رغم كونه موجوداً إلا أنه لم يكن مشهوراً
قبلها . هذه الأدوات والأرضيات متوفرة في الإنكليزية مثلاً,
بدليل أن معجم وبيستر يبين لنا العام الذي ولدة فيه
المصطلحات وظهرت لأول مرة في الأدبيات المخطوطة
المكتوبة . أما في العربية فلا أظن أحداً يستطيع أن يقرر –
ولو بشكل تقريبي – متى ماتت لفظة الحيزبون ] أي المرأة
العجوز[ ومتى تم استبدال الهيام بالعطش والسغب بالجوع
وهذا أمر طبيعي الأن العربية لغة سماع قبل أن تكون لغة
خط . وإن كان المقصود هو الدلالة والمعنى فنحن أمام
مصطاح يعود بنا قروناً وقروناً إلى الوراء لنجده واضحاً في
كتب السياسة الشرعية وعند العديد من الكتاب كابن المقفع في
" كليلة ودمنة " والماوردي في " الأحكام السلطانية
الولايات الدينية " وابن تيمية في " السياسة الشرعية في
اصلاح الراعي والرعية " وابن ظفر السقلي في " سلوان
المطاع في عدوان الأتباع " .
4- للإسلام وجهان : نظري وتطبيقي . أما النظري فواحد , أنزله الله على نبييه ( ص) وحياً فصار بنزوله عليه رسولاً
وأما التطبيقي فنوعان : أولهما التطبيق المحمدي ، وهو ما مارسه النبي ( ص) عملياً بأفعاله أو أوعز بممارسته بأقواله
وكان يمكن لمن رأى أفعال النبي وسمع أقواله أن يحكم دون تردد بأن ما رآه وما سمعه هو التطبيق العملي المحمدي للنص النظري الموحى , اما اليوم فذلك غير ممكن وإن أمكن ترك في النفس أشياء , نظراً لما اعترى السنة القولية من وضع وتصحيف وتحريف وتوظيف ولما تعرض له الرواة بفعل التعصب الطائفي والمذهبي من جرح وقدح يبلغ في كثير من الأحيان حد الشتم والتكفير . والثاني التطبيق الفقهي التاريخي , وهو ما مارسه التابعون وتابعوهم وأئمة المذاهب والطوائف والسائرون على خطاهم من الخواص ومقلدوهم من العوام على امتداد القرون منذ وفاة النبي
( ص) إلى اليوم .
نخلص من هذا التبويب إلى القول أن مدلول لفظ الإسلام إختلف اليوم عما كان عليه في العصر النبوي . صحيح أنه مازال – كما كان – يعني النهج الإلهي الذي لم يرض سبحانه غيره لعباده , لكن الناظم المرجعي فيه هو الذي اختلف وتغير
فعلى مدى ربع قرن هو عمر البعثة المحمدية في مكة والمدينة ثمة ناظم مرجعي واحد هم الكتاب المجيد ليس لإحد – كائناً من كان – أن يضيف عليه أو ينقص منه تحت طائلة قوله تعالى } ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين { الحاقة 44, 45 ,46. أما اليوم فنحن أمام تلة هائلة من المرجعيات أشبه بكرة ثلجية على منحدر شاهق يزيد حجمها مع كم مطلع شمس ،لسلطتها قدرة مرجعية لا تقل عن قدرة الآية القرآنية وقد تفوقها في كثيراً من الأحيان . لهذا كله لابد في رأينا من توضيح أي إسلام نقصد حين نقول " الإسلام السياسي " .
5- قد يكون صحيحاً تعريف ميكافيلي للسياسة أو تعريف غيره
لها وقد لا يكون وقد يكون تعريفنا للسياسة هنا صحيحاً عند البعض أو غير صحيح عند البعض الأخر. ذلك من طبائع الأمور فالحقائق كالماسات المصقولة لها ألف وجه كلها صحيح .
السياسة هي أسلوب الحكم وقواعده وأدابه , وهي بهذا المعنى لا من ألفاظ العرب ولا من مفردات القرآن . لقد عرف العرب – على صعيد الحكم – الإمارت والرئاسة لكنهم لم يعرفواالسلطنة والحكم . وعرفوا السياسة في مجال الأنعام لكنهم تركوها في المجال الإنساني عزة وأنفة لما تحمله من معاني التطويع والتطبيع إلى الرعاية والإمامة . فالسائس عندهم شيىء والراعي شيىء ثان والوالي شيىء ثالث والإمام شيىء رابع لكنها جميعاً تصب بالمحصلة في نهر الحكم . ولعل خير مثال يوضح ما نقول مصطلح " ولاية الفقيه " الجديد في لفظه والقديم في مضمونه , الذي يعني بكل بساطة الثيوقراطية أي حكم الكهنة ورجال الدين .
6- لما كان التطبيع والتطويع – كهدف للسياسة الحاكمة وغاية –
يستلزم بالضرورة سلطة ً قاهرةً تفرض النهج الحاكم وتحميه من خصومه , فقد كان من الطبيعي أن نجد كلمة " رجال الشرطة police " مشتقة من كلمة " السياسة policy " في اللغات الأجنبية .
7- القول بالإسلام السياسي محاولة لتسييس الإسلام , والقول
بالسياسة الإسلامية محاولة لأسلمة السياسة , والمحاولتان تثيران الضحك الساخر عندنا , وتثير الغضب أو العجب على الأقل عند أخرين .
|