ربما كان الأمر غريبا إلى حد تطحلب وجمد فيه العقل العربي أو صار فيه شبه متطحلب أو جامد... أمر ليس بمنتهى السهولة ولا يتوقف على رغبات أهل الإدراك لخطورة الأمر على أمة (ضحكت وتضحك من جهلها الأمم)،
فإن كنا قد كنا أمة أعزها الله بالإسلام وصرنا متحضرين بعد ما كنا همجا لا يحقون حقا ولا يبطلون باطلا.. فهاهم العرب اليوم يعودون إلى الوراء والتخلف مرة أخرى دون الإعتبار من تقلبات الأحداث ومتغيراتها بين السلب والإيجاب، وقيام واندثار الشعوب والأمم الأخرى، ويسيرون في مؤخرة الركب يجرون أذيال الهزيمة في هرولة الهارب والمطرود وراء الدول والشعوب الأخرى بثقافاتها وحضاراتها وتقنياتها المختلفة بصفة تابع لا متبرع..! الدليل الواضح على تخلف الأمة والتصاقها بأذيال الحضارة... ! أمر غريب... يؤدي إلى الاشمئزاز... ونبقى نحن العرب عربا شئنا أم أبينا... يرانا الغير ويحكم علينا ويعاملنا بحسب ما نحن فيه أو عليه أو بالأحرى ما وضعنا فيه أنفسنا وعقولنا السليبة إلى حد ما... ! فمهما حاولنا أن نرتدي ثيابا غير ثيابنا... والتكلم بلغة غير لغتنا.. والتعامل بمعاملات ثقافية غير ثقافتنا... ومهما حاولنا التغني أو الإنشاد بأناشيد خارج السرب أو داخله غير ما تعودنا عليه أو سمعناه... ومهما سرنا إلى ابعد الحدود لنلون أنفسنا وأجسادنا بألوان تشبه أسياد الحضارة والتكنولوجيا والتطور الحديث... فسنبقى نحن العرب نحن عليه، بحالنا وفي مكاننا الذي طمرنا فيه عقولنا وعقلياتنا... ! سلبيات جلبناها و جنيناها على أنفسنا عندما رضينا بالمذلة كمواطنين بصفة عامة وكمثقفين بصفة خاصة، وسكتنا عن قول الحق في وجوه حكام الظلم والجور... في امتنا العربية... ورضي بعض ممن يحسبون على مثقفي هذه الأمة بالإرتماء في أحضان الحكام الجائرين وصاروا كمأجورين، والأسوأ أن الأقلام الجامدة البريئة يحسبها البعض مرتزقة نسبة لأصحابها... حقائق لا يمكن الإغفال عنها ولا يحاول ويريد الإغفال عنها إلا من أراد التستر على الواقع المزري وبعض أو جل حكامنا إن لم يكونوا جميعا ممن أوقعوا الأمة في مآسي وويلات... جعلت القاصي والداني يسخر منا كعرب ولا يولي لحكام بلادنا الأسيرة أي اهتمام يذكر- إلا اهتمام المصالح وما سيحققونه له... على حساب الأمة- وتبقى الأمة في واد والحكام في واد إلى إشعار آخر... !؟.
فإذا كان من يتحمل مسؤولية تخلف الأمة هم الحكام والمثقفون وأهل العلم فان هناك من عليه ان يتحمل مسؤولية أكبر بين هؤلاء وهم جل أو اكثر رجال الدين ممن ضلوا و أضلوا بسيرهم وطمعهم في فتات الدنيا والتآلف مع بعض حكام الجور تآلف مصالح على حساب قيم الأمة وعزتها وكرامتها والمساعدة في توسيع مساحة بركة التخلف الطحلبية المتراكمة... وجمود العقل العربي...
فإذا كان اختيار مصطلح التطحلب هذا لم يأت جزافا، بل اختير من طبيعة واقعية الطحالب المكونة بسبب ركود المياه في البرك المتسخة وعدم ترك ثغرة لها للنفاذ أو التحرك في أية جهة كانت... فذلك لأن جل حكامنا عقولهم كذلك فقد أرادوا( الخير لبني جلدتهم) حين أرادوا للعقل العربي أن يبقى كذلك راكدا في مكان واحد لصالحهم وفي برك مصالحهم التي تقيد وتحصر تحرك العقل حصرا... وتبقى الطحالب هنا هي الطحالب، إلا أنها تختلف عن طحالب هذه البركة وتلك حسب موقعها أو وجودها في قطعة أو بقعة أو موضع من الأرض أو عند هذا الحاكم أو ذاك... دون أن يحدث أي تغيير ما لم تنظف تلك البرك المتسخة... وتصب فيها مياه نظيفة قابلة للجريان باستمرار دون حواجز تعيقها من الجريان والتحرك في أي مكان و اتجاه... حتى لا تتراكم طحالب أخرى هنا أو هناك... ! والاهم من ذلك كله حتى لا يتطحلب العقل العربي مرة أخرى... !؟ ويبقى السؤال المعقول الذي يفرض نفسه، في كل زمان ومكان، لماذا أصلا يتطحلب العقل العربي أو يرضى بالتطحلب والجمود...؟!
ويبقى الناجون من هذا التطحلب والجمود عقول ناءت بأنفسها عن الوقوف على أعتاب أبواب بعض الحكام المغلقة أمامهم دائما... !؟ المفتحة لهم أحيانا بشراك صيد مكللة بحوافز مالية مغرية إلى حد بعيد (أي أنها اكبر واكثر بكثير مما تأخذه مرتزقتهم في الأصل)، ابتغاء استعطافهم واستقطابهم لصالحهم... للعمل ضمن فريقهم المتخصص في صيد العقول وتجميدها وتطحلبها لتروم العمل معهم لتحقيق مآربهم في الخفاء... والعلن... !؟ فهل حدد كل مواطن عربي منا منهجه واختياره بين التطحلب والجمود العقلي وغيره...؟
حماده المحجوب - من الصحراء الغربية