في قراءة هادئة لكل من المرشحين للبيت الأبيض تبدو لنا حظوظ - أوباما - أكبر من حظوظ خصمه ، وهنا إنما نتحدث عن ديناميكية محتملة وعن تغيير في مفاهيم العمل السياسي والخطاب السياسي والتركيز على مصادر القلق الحقيقية وليس المفترضة كما فعل بوش ،
وهو تغيير في مباني تفكير المرحلة التالية أي في آليات ووسائل إنتاج تلك المرحلة ، وكما فهمت إنه سيسعى لفك الحصار الدولي عن أمريكا وهو حصار نفسي برز مع تشدد بوش في مناطق ما كان ينبغي له ذلك وما كان يلزم ، كما إن مرحلة بوش أخطأت الهدف في تحديد مراكز القلق ولم تستطع إبلاغ حكمتها في ضرب الضعيف لكي يرتدع القوي بل إن سقطات التنفيذ ولدت نزعة لدى البعض في إمكانية التصدي والمغالبة وهو طبع ما رغبنا به لولا تشوش إرادة التغيير وعدم حسمها للأمر منذ أول وهلة ، كما إنها لم تفرق على مستوى الوعي الإجتماعي بين العقل الشرقي ومكوناته والعقل الغربي ومكوناته هذا على مستوى النظر الأولي لكل فكرة يُراد لها التطبيق ، إذن فأوما واثق من حمله لفكرة التغيير ككونها مقدمة لبناء مجتمعي وسلوك سياسي سواء في المجال الدولي الذي يهمنا أو المجال الداخلي موضع التنازع بين جيلين وين مرحلتين وبين توجهين فلو حقق أوباما نصره في معركة الرئاسة فأن ذلك سيشكل منعطف في الوعي الإجتماعي والسياسي لدى كافة الشعوب والأمم من حيث مفهوم ودور الحرية والعدالة في تقاسم السلطة ومنع إنحياز الحكم على طول الخط لنوع من البشر وهو على المستوى النفسي تحرير لأمريكا من نظرتها تجاه الآخر أو كيف يمكن للآخر التحقق من شعارات أمريكا عن الحرية والعدل والديمقراطية والسلام .
إن مورثات حقبة بوش وما رافقها من فوضى غير خلاقة لم تنتج على الصعيد الدولي أية نتائج إيجابية يمكن الأعتماد أو التأسيس عليها كما إنها راكمت الفشل في الداخلي وزادت في نسبة التضخم والعجز الإقتصادي ولم تقدم حتى أنصاف حلول ، أوباما إذن يتحدث عن التغيير لا من وحي عقلية المنظر والمفكر والأستراتيجي وحسب بل من وحي متطلبات المرحلة والواقعية السياسية التي ينشدها في تخفيف المعانات وتحديث البيت الأمريكي وخلق فرص واقعية للمشاركة والبعد عن منطق الهيمنة من دون حق والخروج من عنق الزجاجة الذي راكم الأزمة وأحدث شروخ لا يمكن تناسيها بسهولة ، ولذلك فهو يتحدث لا عن مفهوم ترميم وتصحيح بل عن بناء له طابع الجدية والحزم والنمو أخذاً بنظر الأعتبار حراجة وتناقض شعارات المرحلة السابقة عن الحرية وعن الديمقراطية وعن حقوق الإنسان ، تلك الشعارات التي ظلت حبيسة مرتهنة غير محررة بالفعل نتيجة لعجز الفاعل الأمريكي على ترجمتها ، وكذا أعتماده في الغالب على طريقة الخطاب القائل - من لم يكن معنا فهو ضدنا - في تبرير غير مصون للدفاع عن الحقوق ، وألغائه للغة الحوار في فهم الآخر والتعاطي معه ، حدث هذا في العراق وفي إيران وفي لبنان ، مع إن محركات عناصر الصراع تحتاج إلى وعي تاريخي وليس لقبضة حديدية مع إنها مرجوة في محلها ، وهنا نصل للقول بان أمريكا على موعد مع التاريخ إن هي فعلاً تبنت نظرية التغيير كسلوك للمرحلة وكتعميم لمنطق الديمقراطية ، وهذا وحده يؤهلها للخروج من بعض الأزمات بأقل الخسائر ، وهذا الفعل كما هو مطلوب بذاته للمواطن الأمريكي ، ونحن نشارك أمريكا الرجاء والأمل في إعتماد منهج التغيير ليتم محاصرة الراديكالية والتطرف والأرهاب وحركات العنف الديني ، إذ المقابلة تحتاج إلى خروج من دائرة الديني التي غرق فيها بوش وأغرق العالم من حوله ..