لم يكد يمر أسبوع على التحذير البريطاني والأميركي لرعاياهما في دولة الإمارات بتوخّي الحذر من حصول أعمال إرهابية محتملة - وهو التحذير الذي أثار استغراباً عاماً لعدم وجود أي معلومات أو قرائن أو دوافع تسنده- حتى صدمتنا الأنباء من المملكة العربية السعودية باعتقال 520 إرهابياً خططوا لضرب منشآت نفطية وأمنية.
وأوضحت التفاصيل أن هؤلاء المعتقلين شكلوا 5 خلايا، كانت على اتصال بقيادات «القاعدة» في الخارج، كما أن أغلبية المعتقلين سعوديون وبينهم عناصر من العراق وأفغانستان وباكستان وموريتانيا و«شتى أمم الأرض»، وقد رصدت بحوزة المجموعات الإرهابية «أموال» وفيرة وأسلحة وذخائر ووثائق وكتب، أبرزها كتاب «إدارة التوحش»، وهو كتاب يشمل 5 مباحث تدور حول كيفية إدارة المعارك مع الغرب ومع الأنظمة العربية، باعتبار أن البلدان العربية والإسلامية هي أرض حرب ضد الغرب «المادي، والصليبي، والمنحل»، ويصف الكتاب «العالم المعاصر» بأنه يعيش مرحلة «الفناء الحضاري» بسبب الفساد والانحلال، ويصف أتباعه- أي أتباع «القاعدة»- بأنهم الوارثون للأرض لأنهم أصحاب «الفكر المجدد المعاصر للإسلام»، ويركز على ضرورة ضرب أنواع الأهداف جميعها الجائز ضربها شرعاً! وخصوصاً الأهداف الاقتصادية، وبالأخص «البترول» ورداً على من يقول إنه لا يجوز الإضرار بمصدر الثروة الأساسي للدولة العربية يجيب الكاتب بأنه لا بأس بذلك من أجل «النكاية» بالعدو.
يحاول الكاتب تبرير العنف الدموي المتمثل في العمليات الانتحارية والتفجيرية بأنه رد فعل على مظالم الغرب وأميركا للمسلمين منذ حقبة «سايكس-بيكو»، وهو يستثير عواطف القارئ المسلم للترغيب في المنهج التكفيري والأسلوب التفجيري بتوظيف معاناة المسلمين في العديد من مناطق التوتّر والصراع في العالم الإسلامي لترسيخ قناعة المتلقي بأن المسلمين مستهدفون دائماً وأبداً، وأنه لا خيار أمام المسلم الصادق «الملتزم» إلا العنف الدموي في مواجهة الأنظمة العربية، لأنها أنظمة متحالفة مع «الغرب» الكافر، وتأتمر بأوامره في ضرب الجماعات «الجهادية».
الكتاب من تأليف شخص يدعى أبو بكر ناجي، وهو اسم «كودي»، ويرجح خبراء أنه من تأليف «سيف العدل»، وهو ضابط مصري يعمل منسقاً للشؤون الأمنية والاستخباراتية لـ«القاعدة»، ومقيم في إيران. وفي ما يتعلق بأسلوب التجنيد وكسب الأنصار، أوضحت التحقيقات أن «الإنترنت» وعبر مواقعه المروّجة للأفكار المتشددة والمحرّضة على التكفير والتخوين والتجريح والمهددة بقتل الكتاب والمثقفين المعارضين، والمكثرة من الطعن والتشكيك في العلماء والمشايخ المخالفين لهم، هو الأسلوب الأمثل في اصطياد شباب المسلمين إلى فخاخهم المهلكة وشباكهم المميتة، لقد أصبحت المواقع الإلكترونية المتشددة «أئمة» الضلال والفتنة!
تقول بعض الدراسات إن 60% من العرب مكتئبون و15 مليوناً منهم مرضى نفسيون، ولا عجب في ذلك أمام الصدمات المتتالية التي مرت بها المجتمعات العربية منذ تسلم الثوار الوطنيون مقاليد أمورنا على امتداد نصف قرن، مشاريع التنمية العربية كلها أخفقت، ومراهناتنا جميعها على الوسائل والأساليب والآليات والنظم لم تثمر نجاحات تذكر، مؤسسات التربية والتعليم لم تحقق أهدافها، التقنيات المعاصرة في التواصل والحوار ونقل المعرفة والتنوير والحداثة تحولت إلى مصادر معوّقة للتواصل ومعزّزة للشعوذة ومروجة للفكر العدمي، حتى تيارات «المعارضة» العربية التي كنا نراهن عليها في العبور إلى غد أفضل، أصبحت اليوم «البديل» الأسوأ من الأنظمة العربية القائمة، يقول الرئيس اليمني مخاطباً المعارضة: أنتم البديل الأسوأ! هل تريدون أن نكون مثل السودان أم «طالبان» أم الصومال؟! ثم يضيف «إنهم لا يعرفون إدارة دولة ولا إدارة سياسة، هؤلاء من مخلفات الاستعمار والإمامة والمدارس المغلقة، من مدارس «طالبان»، من مدارس الإرهاب، انتبهوا من الإرهاب، فالإرهاب دمار». ما يصدق على المعارضة في اليمن يصدق على معظم «المعارضات» العربية، ولو حكمت «المعارضة» لأصبحنا أكثر بؤساً وتخلفاً وتشرذماً والأمثلة كثيرة، وليس هذا دفاعاً أو تبريراً للأنظمة القائمة، فالكوارث الوطنية كلها في حقبة ما بعد الاستقلال، أبطالها: قوميون وماركسيون وإسلاميون كما يقول خالد حروب، لكن الأنظمة القائمة على سيئاتها وعلاتها، أقل سوءاً من «المعارضة» وطروحاتها وشعاراتها العدمية والمعادية للعالم أجمع.
المجتمعات العربية تواجه- اليوم- سلاحين خطيرين يهددان شرعية الأنظمة العربية القائمة، ويسعيان إلى تدمير مؤسساتها الرسمية واختطاف الدولة المدنية نفسها، وذلك لخدمة أطراف اقليمية تسعى بكل جهد وثورية الى بث أكبر قدر من الفوضى السياسية في المجتمعات العربية وتكريس الطائفية السياسية وإشاعة العنف الدموي واستنزاف الموارد العربية وإشغالها بالخلافات السياسية عن مشاريع التنمية والتحديث.
هذه الأطراف الخارجية تنفق بسخاء مذهل على حلفائها، وتهدر أموال وموارد شعوبها من غير حسيب أو رقيب.
هذان السلاحان هما: «سلاح المقاومة» ممثلاً في «حزب الله» في لبنان، و«حماس» في غزة، و«طالبان» في أفغانستان، و«الحوثيين» في اليمن، و«المحاكم» في الصومال، وأما السلاح الآخر فهو «سلاح الإرهاب».
بالنسبة الى «سلاح المقاومة» فقد انقلب سلاحاً على مجتمعه ودولته وسلطته بدلاً من أن يكون سلاحاً موجهاً ضد العدو الخارجي، وأبرز مثال هو «سلاح حزب الله» الذي أصبح سلاحاً موجهاً إلى صدور الشعب اللبناني بهدف تحقيق مكاسب سياسية وتوظيفه لكسب مزيد من النفوذ والتسلط، ولا ينسى الشعب اللبناني كيف عربد هذا السلاح في الساحة اللبنانية واستباح بيروت والجبل وأسقط العشرات من القتلى والجرحى وقصف وأحرق مبنى تلفزيون «المستقبل» وصحيفته.
لقد تحول سلاح «حزب الله» إلى سلاح متحكم بشؤون لبنان، وبحجة حماية «السلاح المقدس» أعلن الحزب أنه لن يقبل بأي قيادة أمنية أو عسكرية في لبنان لا يطمئن لها، بمعنى أنه يريد فرض وصايته على الدولة ويكون هو الرقيب والحسيب عليها! وهذا وضع غريب لا يمكن قبوله في أي دولة ذات سيادة، ولا حل لهذه المعضلة إلا بأحد أمرين: إما أن يقبل الحزب بدمج سلاحه بسلاح الدولة، بحيث تكون الدولة هي صاحبة قرار المقاومة والسلام لا الحزب، وفي ذلك حماية لأمن لبنان- عامةً- وللحزب- خصوصاً- ويجنبهما كوارث القرارات الفردية، وللتذكير هناك قرار دولي رقم (1559) بتجريد الميليشيات كافة من السلاح ويلاقي ذلك قبولاً عربياً، وأما الحل الآخر فهو أن تسعى الطوائف اللبنانية الأخرى إلى حماية نفسها عبر مزيد من التسلح، إذ لا يمكن في بلد يعج بـ(18) طائفة دينية قبول تسيّد طائفة واحدة بقوة السلاح، لقد رأينا الطرابلسيين يبيعون مصوغات نسائهم ويرهنون سياراتهم لشراء السلاح، وهذا حل خطر.
وعودة إلى «سلاح الإرهاب» الذي شقيت به «أرضنا» فقد طال وأزمن واستفحل، وبعد أن كان محصوراً تمدد إلى معظم المجتمعات العربية، وقفز الحواجز الجغرافية إلى الجاليات الإسلامية في الخارج فأشقاها!
شهدت مصر والجزائر بدايات الوباء الإرهابي ثم استوطن أفغانستان في ظل «طالبان» وتمكن واستحكم، حتى إذا دمر المارد الأميركي أوكاره، حل بأرض الرافدين فوجد ملاذاً لدى جماعات ساءها سقوط النظام، وبلغ الإرهاب أوجه بفتكه بعشرات الألوف من الأبرياء، ولأن الله لطيف بعباده، تداركت رحمته العراقيين، فانقلب حلفاء الأمس عليهم وأصبحوا مع حكومتهم يداً واحدة، وهكذا لفظتهم أرض العراق بعيداً إلى ديارهم فأصبحوا شوكة في ظهور مجتمعاتهم، ولعلنا نتذكر اليوم مطالبات العراقيين المتكررة لدول الجوار بضبط الحدود ومنع تسلل الإرهابيين وتحذيراتهم من أن الإرهاب سيرتد عليهم، وهذا هو ما يحصل اليوم.
لقد تعافى العراق اليوم، ويبقى على دول المنطقة حماية أبنائنا من هذا الوباء، فالوقاية خير من العلاج، وهي تكمن في أمرين:
-1 تحرير «المنبر التعليمي» من الفكر الأحادي، وتضمينه «المنهج النقدي».
-2 تحرير «المنبر الديني» من هيمنة جماعات «الإيدولوجيات السياسية» و«الاحتكار المذهبي والطائفي».
* كاتب قطري