المســألة الشيعية كيف يمكن علاجهــا (2/2) الجزء الثـاني / البروفيسور أبو يعرب المرزوقي إذا حررنا التشيع من التوظيف العقدي والترسيب المغرض لشق وحدة الأمة آل الخلاف بين السنة والشيعة في مسألة الحكم إلى المقابلة التالية التي صاغها الغزالي في فضائح الباطنية: ولاية الأمر تكون بالوصية عند الشيعة وتكون بالاختيار عند السنة... المسألة الشيعية كيف يمكن علاجها؟ :
البعد الأول: وهم الخلاف العقدي في مسألة الحكم إذا حررنا التشيع من التوظيف العقدي والترسيب المغرض لشق وحدة الأمة آل الخلاف بين السنة والشيعة في مسألة الحكم إلى المقابلة التالية التي صاغها الغزالي في فضائح الباطنية: ولاية الأمر تكون بالوصية عند الشيعة وتكون بالاختيار عند السنة. لكن التاريخ يثبت أنه لا السنة طبقت مبدأ الاختيار ولا الشيعة طبقت مبدأ الوصية. فتاريخ الحكم السني يبين أن السنة انتهت إلى الوراثة في الحكم وحصرت حكم الدين في الاحتكام إلى الشريعة التي يمثلها العلماء. وتاريخ الحكم الشيعي يبين أنها انتهت إلى الوراثة في واقع الحكم وحصرت واجب الحكم في المختفي فحصر حكم الدين في الاحتكام إلى الشريعة التي يمثلها العلماء حتى وإن كان لهم دور أكبر مما عليه الشأن عند السنة بسبب هذا الفصل بين الحكم من حيث هو أمر واقع والحكم من حيث هو أمر واجب. وفي الحقيقة فإن الفرق بين الفرقتين نفسه لم يبق موجودا حتى في التمييز بين الواقع والواجب. ذلك أن السنة بمجرد أن أصبحت الخلافة ملكا عضوضا قابلوا بين الخلافة الراشدة والخلافة غير الراشدة فباتوا مثل الشيعة يميزون بين الحكم من حيث هو أمر واقع والحكم من حيث هو أمر واجب. ولما كان علي رضي الله عنه أحد رموز الخلافة الراشدة فإنه يعد أيضا جزءا من واجب الحكم قبالة واقعه فيكون السني بنحو ما متشيعا لعلي تشيعه للخلفاء الراشدين الآخرين. فيزول الخلاف من أصله لو أن الشيعة لم يحصروا مثال الحكم الأعلى في أحد الخلفاء بل عمموه على الخلفاء الراشدين حتى من أجل وحدة الأمة واستراتيجية بناء مستقبلها في استئنافتها التاريخية: إلى متى نضحي بالمستقبل باسم عداوات الماضي التي أكل عليها الدهر وشرب ؟ كيف ينسى الفرنسي والألماني خمسة حروب بين أمتيهما – وهما أمتان- خمسة حروب اثنتان منها كانتا عالميتين ومات فيها عشرات الملاييين من أجل المستقبل ونحن-الذين ورثنا عنهم النزعة القومية المقيته- أمة واحدة لم يجر بيننا من الدم ما جرى مثله في أدنى معاركهما وليس في معاركنا لأي من جمهور الفريقين ذنب؟ فالمعركة بين السنة والشيعة هي إما بين حكام فاسدين أو بين حكام متشاطرين يريدون أن يوظفوا مثل هذه الجلائل في حساباتهم القصيرة من أجل نزعات قومية جاء الإسلام لتحرير البشرية منها والارتفاع بها إلى الأخوة البشرية بدءا بالأخوة الدينية وختما بالأخوة الخالصة. أليس من قصر النظر أن تلعب إيران لعبة الصين فتسعى إلى تلهية أمريكا بحطب حروب من أجوارها من أجل تحقيق حلمها القومي مضحية بالشيعة العربية التي هي أصل التشيع: فكل مرجعيات الشيعة لا تكون من الأسياد إذا لم تكن من عترة النبي ومن ثم فزعامتها الروحية ينبغي أن تكون عراقية أو لبنانية إذا كانت حقا روحية ودينية لا إيرانية إلا إذا كانت سياسية دنيوية. البعد الثاني: وهم ترسيب ردود الفعل ومثلما أن التوظيف الصفوي للتشيع قد أفسده فإن الرد القومي العربي على الصفوية قد أفسد العروبة وهو لحسن الحظ لم يمس السنة لأن القومية العربية بزعم أصحابها علمانية. لكن ما أفسد السنة هو توظيفها السلفي: فطلب النقاء العقدي الذي هو محمود تحول إلى حرب على التشيع والتصوف دون تمييز حتى بات دفاعا عن الأموية. وفي ذلك خروج عن الموقف السني النزيه. وبذلك فإن فعل الترسيب القصدي لآثار الخلاف أخرج المقابلة بين الواقع والواجب عند الفريقين أخرجها عن بعدها الموجب فأضفى عليها من السلبية ما جعل الخلاف يزداد حدة. فقد أصبحت المقابلة مقابلة بين واقعين ينتجان عن شطر الخلافة الراشدة نفسها. فأصبح الراشد الوحيد هو علي وفسق الثلاثة الآخرون عند الشيعة. ثم جاء رد الفعل السني فعمم الرشد حتى على الأمويين كأن الأمر يتعلق بشفاعة الخليفة الثالث في بني أمية بخلاف ما أجمع عليه علماء السنة. وطبعا فحصر الرشد في علي يكذبه علي نفسه: لا يوجد نص واحد اتهم فيه علي الخلفاء المتقدمين عليهم بعدم الرشد حتى لو تصورناه أكثرهم رشدا. وتعميم الرشد على الأموية يكذبه كل علماء الأمة من السنة. وبذلك يتبين أن الوهم الثاني هو الذي يغذي الوهم الأول فيحول دون زواله الفعلي الذي بينا بل هو يعمقه. وهذا الوهم هو الذي يجعل الوصية تصبح وراثية بالمعنى العضوي للكلمة وليست بالمعنى العقدي كما يقتضي ذلك القرآن وجوهر الثورة المحمدية. وهو الذي يجعل الخلافة تصبح وراثية بنفس المعنى في أي أسرة مسملة استبدت بالحكم! فبدلا من وصية "والأرض يرثها عبادنا الصالحون" وهو مبدأ يوحد كل المسلمين لإجماعهم عليه إذ فيه يكون شرط الوراثة صفة من صفات الإيمان أصبحت الوراثة في آل البيت فيكون شرطها صفة من صفات النسل (آل البيت) أو في أي بيت مسلم فيكون شرطها صفة من صفات قوة العصبية المغتصبة للحكم. وهذا أيضا ينفيه علي نفسه ويجمع على عدم سلامته كل علماء الأمة. فلنفرض أن عليا كان أول من تولى الخلافة أفكان ذلك يعني أن غيره من الصحابة لم يكن أهلا لأن يتولاها من بعده فتكون حكرا على ذريته ويبقى علي مع ذلك إسلامه محمديا ؟ ما الفرق عندئذ بين النظام الإسلامي والنظام الملكي في كل المجتمعات القديمة ؟ عدم قدرة أي شيعي على الرد المقنع على هذا الشك يجعله يغالي فيفترض أن النبي لم يوص لعلي فحسب بل أوصى بالإمامة لعلي ولعقب علي: فيكون الحكم حقا إلهيا وليس كما يضع الإسلام مبدأه في سورة الشورى" وأمرهم شورى بينهم". أما الاغتصاب بقوة العصبية فالسنة حتى بعد القبول به تعتبره أمرا واقعا بديلا من الفوضى لكنها لا تضفي عليه الشرعية المطلقة: فهو وراثة مقبولة رضا بالمفضول في غياب الفاضل وليست وراثة مبدئية. وإذن فالمغالاة في الوصية ليست إلا رد فعل وقع ترسيبه القصدي بالاعتماد على الشعور بأن عليا قد أبعد عن الخلافة ثلاث مرات وأفسدت عليه خلافته في المرة الرابعة. والتاريخ يبين أنه لا السنة ولا الشيعة بقابلتين للاتهام في ذلك: فقد عادت قوانين السياسة إلى العمل بعد تعطلها المؤقت بفضل نور النبوة في حياة النبي. وهذه العودة هي التي تفسر التدرج في فقدان مؤسسة الخلافة المبنية على الشرعية الدينية وحدها القدرة على حكم المسلمين والعودة إلى الشرعية المستندة إلى العصبية. وهذا أمر موضوعي ليس لأي من الفرقتين ذنب فيه. وفهمه يساعد على بلسمة الجراح. لكن تطور رد الفعل وترسيبه القصدي حوله إلى موقف تكفيري لمن يتهم بإبعاد الخلافة عن علي أعني الخلفاء الراشدين الثلاثة المتقدمين عليه ثم عائشة أم المؤمنين بل وكل الصحابة الذين بقوا على الحياد فلم يتشيعوا لأولوية علي في الخلافة أو لم يعتبروا ذلك حتى لو سلمنا بصحته مدعاة لإشعال الحرب بين المسلمين: وذلك ما ابتدع التنابز بلقبي الروافض والنواصب. ذلك أن المشكل ليس هو في وجود مثل هذا الردود وترسبها بل هو في جعلها جزءا من العقيدة لتأسيس البعد الأول: جعل الحكم جزءا من العقيدة وحقا إلهيا بخلاف ما تقول كل آيات القرآن الكريم فضلا عن كون هذا الزعم لو صح لكان الإسلام نفسه أمرا لا معنى له إذ ولاية الأمر بالإرث العضوي هو جوهر اليهودية وبالسلطة الروحية للإمام هو جوهر المسيحية فتفقد الثورة القرآنية علة وجودها. وحتى يتم البناء كان لا بد لأعداء الأمة الذين يغالطون التشيع الصادق أو حب آل البيت من أن يطيحوا بمبدأ وحدة الأمة فيضربون وحدة القرآن الكريم باتهام جامعي القرآن والزعم بأن القرآن الذي بين أيدينا ليس هو القرآن الذي نزل على محمد. وهذه التهمة ليست مسألة جزئية بل هي جوهر التوظيف السلبي لمحبة آل البيت أعني توظيف هذا الحب من أجل القضاء على الإسلام نفسه: أسطورة قرآن فاطمة. ولعل تعمق الترسيب والتجييش العقدي والطائفي إلى حد العزوف عن تسمية المساجد بوظيفتها كما هو الشأن عند جمهور المسلمين واعتبارها حسينيات ومن ثم إضفاء طابع المذهبية عليها هو الغاية التي ليس بعدها غاية خاصة بعد أن اكتمل الأمر فلم يبق يوم عرفة واحدا عند الفريقين! البعد الثالث: العداء التاريخي بين الفرقتين. الجميع متفق إذن على عدم رشد خلافة معاوية وعلى فسق زياد وعلى حب آل ألبيت وعلى انتماء الجميع للقرآن الذي نزل على محمد: فكيف يمكن أن يوجد عداء تاريخي بهذا الحجم بين الفرقتين السنية والشيعية ؟ كيف يكون التشيع واحدا في موقفه من السنة في حين أن السنة لها موقفان من التشيع أحدهما هو موقف جمهور السنة الذين لهم ما وصفنا من المشاعر إزاء آل البيت ومغتصبي الحكم من بين أمية ؟ أليس للتشيع نفس الازدواج فيكون لهم بنو أمية أعني ما يوصف بالتوظيف الصفوي للتشيع ؟ لم لا ينأى التشيع الصادق عن هذا التوظيف؟ لماذا لا نفسر الأشياء بأسبابها فنفهم أن الخلاف ليس بين جمهور المسلمين سنة وشيعة بل هو بين مغتصبي الحكم في كلا الحزبين ؟ كيف يمكن أن يكون الجمهور السني حبه لعمر لا ينفي حبه لعلي ويكون الجمهور الشيعي بالعكس من ذلك لو كان فعلا صادقا في انتسابه إلى الإسلام فيعتبر الحبين متنافيين ؟ أليس لأن الصفوية نجحت مع جمهور الشيعة بتواطؤ من علماء المذهب في ما فشلت فيه الأموية مع جمهور السنة لرفض علماء المذهب التواطؤ ؟ وأخيرا لم تخلى السنة على رمزية حصر الخلافة في قريش ولم يتخل الشيعة على حصر الإمامة في آل البيت لو كان القصد تعيين وراثة الأرض لصالح المؤمنين وإناطة ولاية الأمر بأي مؤمن تختاره الأمة لهذه المهمة ما ظل محافظا على شرع الله الذي يستمد منه شرعية حكمه ؟ أليس لأن ابن خلدون يقول بهذا الرأي خلال كلامه على نظرية المهدي وتشكيكه في نظرية الجفر اعتبر معاديا للشيعة في حين أنه كان يبحث عن الحل الذي يحرر الأمة من العداء بين السنة والشيعة ليعيد إلى الأمة وحدتها بعد أن أدرك ما يحيط بها من خطر ومكر سيء ؟ وحاصل القول إن العداء بين السنة والشيعة ليس له أصل مذهبي حديثا وإنما هو وليد الشحن الطائفي الناتج في عصرنا عن التوظيف القومي الفاعل من قبل الصفوية وراد الفعل من موقف المغلوب عند أصحاب القومية العربية لعدم انتساب العرب القوميين إلى الإسلام فضلا عن السنة بمقتضى تصورهم للعلمانية المتأثرة بالجاكوبينية الفرنسية. وهو عديم الأصل المذهبي قديما كذلك لأن الفرقتين تشتركان في حب آل البيت ولا تختلف به الشيعة عن السنة إلا بتوظيف هذا الحب توظيفا يعكس علاقة الفعل ورد الفعل إذ يعد التشيع راد فعل من موقف المغلوب لما كانت الخلافة الأموية تحكم بموقف شعوبي عربي وليس بقيم الإسلام. فإذا حررنا الجمهورين من غلو القوميتين عادت السنة والشيعة إلى فرق طفيف في تأويل مبدأ رمزي يتمثل في حصر الخلافة في من لهم نسب الرسول سواء كان من الدائرة الضيقة لأسرته المباشرة أو في الدائرة الموسعة لقبيلته. فيكون العباسي والشيعي والأموي كلهم منتسبين إلى موقف تأويلي لرمز تحرر منه الفقه السني منذ أن بات أمر الحكم غير مقصور على الرمز وحده فأصبح من الضروري أن يقدم شرط القدرة عليه ومن ثم عمم مبدأ الحكم على كل المسلمين وينبغي أن يتحرر منه الفقه الشيعي حتى يصح قول الرسول الكريم في الرعاية العامة فعلا وانفعالا: ينبغي أن يسقط شرط القرشية فيصبح بوسع كل مسلم أن يتولاه بشرط الأهلية مع القدرة وهما شرطان لا يضمنهما إلا مبدأ الانتخاب والاختيار لا الوراثة العرقية. البعد الرابع: والعمى الاستراتيجي لقيادات الأمة. لكي نفهم كيف ورطت أمريكا إيران ينبغي أن ندرك أن كل ما يعتبر من أخطاء أمريكا الاستراتيجية في العراق هو من عناصر الخطة التي تريد أن تورط الفرس والعرب في حرب لا تبقي ولا تذر. فبعد أن أوهمت إيران بأنها غير مدركة لخطتها في توريط أمريكا هي ذي بدأت تظهر عناصر الخطة: إنها تسعى لتوريط السعودية ومصر فتدفع إلى نسخة ثانية من الحرب العربية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات. أدرك استراتيجيو أمريكا أن أنجع الوسائل لتحقيق ما فشلت فيه الحرب الأولى أو عدم الوصول إلى السلطان المطلق على العالم الإسلامي ليست شيئا آخر غير الإعداد للحرب الطائفية. وتوريط إيران لا يمكن أن يكون إلا بتحميلها مسؤولية كل ما يجري للسنة في العراق ثم التهويل من الخطر الشيعي على المنطقة كلها لكي تستفز النعرة الطائفية المقابلة بدءا بمتطرفي السنة وختما بكل السنة. لذلك فالوقوع في أحابيل هذا المخطط سواء كان من الفرس أو من العرب هو ما يمكن أن يوصف بالعمى الاستراتيجي: فلا يمكن لأمريكا أن تسيطر على الخليج بضفتيه من دون إضعاف حماته فيهما أعني الفرس والعرب. ولا يمكن لها أن تضعفهما بقوتها الذاتية لامتناع ذلك بالذات خاصة إذا اتحدت الضفتان ثم لكون وجود الأمريكان غير المطلوب من أحد الطرفين لحمايته من الطرف الثاني يصبح عامل توحيد ليس له مثيل. لا بد إذن من إيهام العرب بأن إيران صارت قوة عظمى بل وإيهام الإيرانيين أنفسهم بذلك حتى بات بعض حكامهم يتصور نفسه قادرا على تحدي أمريكا باقتصاد هزيل لا يساوي فيه الدخل القومي الخام رقم أعمال شركة متوسطة فضلا عن كون ميزانية الدفاع الأمريكية تساوي عشرة أضعاف هذا الدخل. جعلوا الإيرانيين يقعون في نفس الأخطاء التي وقع فيها العراقيون: ألم يقولوا إن جيش العراق هو خامس جيش في العالم ؟ وهاهم الآن قد وصلوا إلى جعل رئيس إيران يتصور بلاده قادرة على محو إسرائيل من الخارطة: أي إنهم جعلوه أفضل داعية لحربهم على إيران وعلى المسلمين كلهم بإيهامه أن قنبلته حتى لو حصلت يمكن أن تخيف من يملك ملايين منها. وبدلا من السعي الجدي لتوحيد المسلمين حتى يصبحوا قادرين على المنافسة الحقيقية في مجال شروط النهوض الفعلي ومن ثم حماية ثرواتهم المادية والروحية ها نحن نتحول إلى شعوب متناحرة لخدمة مقاصد العدو البعيدة بسبب ما أصاب نخبنا من عمى استراتيجي ليس له مثيل. البعد الخامس: الخطر الاستراتيجي الذي يتربص بالمسلمين. ونأتي الآن إلى الخطر الاستراتيجي المحدق بالأمة ودار الإسلام. فهذه الدار يستعمرها حاليا عملاقان ويتربص بها أربعة عماليق. وإذا لم نتحد حتى بأقل أشكال الاتحاد متانة قصدت نوعا من الكومنوالث الاقتصادي والثقافي فإن الكماشة ستخنق المسلمين قبل منتصف القرن الجاري. فأما العملاقان اللذان يستعمرانها فهما الولايات المتحدة وإسرائيل. وإسرائيل عملاق ليس بالعدد ولا بالعدة بالمعنى المادي بل بسلطانها على من لهم العدة والعدد. فهي بنخبها في الغربين الأدنى (أوروبا) والأقصى (أمريكا) تسيطر على أدوات القوة الخمس أي الإعلام والاستعلام والمال والثقافة والعلم وهي بهما تحرك أداتي السياسة الدولية الظاهرتين أي الدبلوماسية والعسكرية الغربيتين. ولا ينبغي أن ننسى علاقاتها بمن سيصبح من عماليق المستقبل القريب قصدت الهند والصين وأوروبا المتحدة وروسيا وقوى أمريكا الجنوبية الصاعدة: فكل هؤلاء يخطبون ودها لعلتين لما عندها مباشرة ولما يمكن أن تسرقه لهما مما عند الغرب من أسرار علمية وتقنية. وأما العماليق الأربعة الذين يتربصون بالعالم الإسلامي فهم العماليق المحيطون به إحاطة حبل المشنقة بعنق الغافلين. فدار الإسلام يحيط بها من الغرب الاتحاد الأوروبي وروسيا ويحيط بها شرقا الهند والصين. وقريبا سيصبح التنافس على دار الإسلام بين المستعمرين الحاليين (إسرائيل وأمريكا) والمترشحين لاستعمارنا: أوروبا المتحدة وروسيا والهند والصين. كل هؤلاء أكثر حاجة لما في أرض المسلمين من أمريكا. فهي تريد ما عندنا لتصمد أمامهم في حين أنهم هم يريدونه لكونه ليس ضروريا للانفراد كما هي حال أمريكا بل للوجود العادي. كلهم أحوج للطاقة الإسلامية من أمريكا. ومن لم يفهم ذلك يصح أن يوصف بالأعمى استراتيجيا: التكاثر البشري وتناقص الثروات يؤدي ضرورة إلى عودة البشرية إلى ما كانت عليه القبائل البدائية من حروب على الماء والكلأ. الفرق الوحيد أن البشرية أليوم ستضيف إلى الماء والكلأ الطاقة والغذاء. وكلاهما خزيتنها الكبرى في دار الإسلام التي هي أقل بلاد الله كثافة سكانية وأكثرها ثروة بحرية وطاقية. ولما كانت بالضعف العلمي والتقني والنمو الاقتصادي الهزيل التي نعلم بات من الواضح أن العالم الإسلامي سيستعمر من جديد وتتقاسمه العماليق إذا لم نسارع إلى الاستعداد بدءا بتوحيد الجهود في المعركة العلمية التقنية والاقتصادية والدفاعية. ومن شروط ذلك التحرر من حزازات الماضي على الأقل بالمستوى الذي فعلته أوروبا حتى يصبح لنا دور في تشكيل عالم الغد وحتى لا نكون ذبيحة العرس الدولي في تقاسم العالم الذي بدأ منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. والله ورسوله أعلم وهو الهادي إلى الصراط المستقيم والسلام.