بعد خمس سنوات من الغزو الاميركي للعراق والاطاحة بصدام حسين، من الصعب رؤية اي تقدم في المجالات المهمة لتنمية البلد. حيث لا توجد اي بادرة تنمية اقتصادية. والبنية التحتية للبلد محطمة وكذلك الحال بالنسبة للروح المعنوية للشعب العراقي. وهناك قليل جدا من التفاؤل بشأن المستقبل. بل اننا يكتنفنا الخوف والكآبة والعنف.
رجعت الى بغداد اواخر العام الماضي وشعرت في البداية بالامل. ومع ان جيراني واصدقائي قد رحلوا عن الحي القديم الذي كنت اقطنه، الا ان العنف كان ينحسر والامن يبدو في تحسن. غير ان تفاؤلي تلاشى عندما استكشفت العاصمة. اذ على خلاف ما تركتها عليه قبل عدة سنوات فإن وسط المدينة محاط بالجدران الخرسانية التي تجعله اشبه بالسجن. وهذه الجدران التي قصد بها حماية الأهالي لكنها لم تنجح الا في تقليص الجمال والخضرة التي كانت تتمتع بها بغداد في السابق.
والتغيير الذي شاهدته لم يكن في الطبيعة فقط. بل ان الخوف يستبد بالناس والتركيبة الاجتماعية للمدينة تدمرت. ولم يعد يجرؤ احد على التفوه بكلمة مثيرة للجدل امام اصدقائه او جيرانه خشية ان ذلك الشخص يمكن ان يوشي به لحزب سياسي او ميليشيا.
وعندما حاولت الحديث إلى احد الرجال عن الوضع الحالي في البلد، قاطع نجل هذا الرجل وعمره 19 سنة قائلا" من فضلك،نحن لا نتدخل في السياسة. ونحن لا نعرفك انت ولا حزبك."وعندما اكدت له ان الحديث عن القضايا ليس حديثا في السياسة اجاب كل شيء الان صار سياسيا.
يبدو اغلب العراقيين منهكين وتظهر سنوات من التوتر والقلق على وجوههم. ويمكن ان ترى في اعينهم: انهم يتوقعون الموت في اي لحظة وفي اي مكان. ويحمد الناس الله عندما يصلون منزلهم بسلام للاستمتاع بوقت مع عوائلهم. لكن عندما يخيم الليل يغطي الظلام. ويجلس اولئك الذين ليس لديهم مولدات كهربائية خاصة في الظلام بسبب النقص المستمر في المعروض من الكهرباء. وهم يخافون من ان ميليشيا ما او عصابة اجرامية يمكن ان تأتي في جنح الظلام لتقتلهم او تختطفهم.
ويمكن للمرء ان يسمع اطلاق نار بشكل عشوائي في كل ليلة في العاصمة ليزيد ذلك من مخاوفهم. وقد اجبر غياب القانون والنظام سكان بغداد الى التكيف مع نزعة السعي الى البقاء. حيث بدون فرص عمل او احتمالية ان يتم توظيفهم يتحول الكثير منهم الى الجريمة لا لشيء الا للبقاء.
ومن اجل الترفيه يشاهد الناس جلسات البرلمان المذاعة. ولا يعتقد احد على وجه الحقيقة بان الاعضاء هم هناك للدفاع عن مصالحهم او لحماية حقوقهم. وبعد سنوات من الشجار والجمود ينظر كثيرون الى العملية الديمقراطية الموعودة على انها مزحة سخيفة.
المرارة التي يحسها الناس واضحة. فالمسئولون يقدمون وعودا ويدلون بأحاديث لكنهم لا يوفون بأي وعود وسأم العراقيون من ذلك. حيث يتم النظر إلى رجال السياسة على انهم كذابون والبرلمان عاجز.
بعد خمس سنوات من الاطاحة بصدام، اللافت للنظر هو عدم وجود شيء يمكن عرضه او استعراضه مقابل المعاناة التي تحملها ويتحملها الشعب العراقي.
علي مرزوق
مراسل في العراق يكتب لمعهد تغطية الحرب والسلام وهو منظمة غير ربحية تقوم بتدريب الصحفيين في مناطق الصراع.