انتخابات.. انتخابات.. وكأنه موسم عالمي للانتخابات الرئاسية والتشريعية في أكثر من دولة غربية وشرقية وعربية وإسلامية، تثير اهتمامات الرأي العام في بلدانها، وخارج بلدانها، ربما لشيء واحد هو البحث عن الديمقراطية الحقيقية التي تضيع بشراء الأصوات أو تغيب ببطش السلطة.
سواء تلك التي يتحكم فيها المال فلا يتقدم إليها ولا فرصة لأن ينجح إلا أصحاب الملايين ومرشحو لوبيات المصالح، أو تلك التي تحكم فيها السلطة أحيانا لصالح نفسها أو حزبها النتيجة سلفا إما بالتزوير المقنع أو الصريح، وإما بتفصيل القوانين إياها على يد ترزية غير مهرة، أو باعتقال المرشحين أو بمنعهم من الترشيح لأسباب فنية!
وكله باسم شعار يبدو حقيقيا وحالة غير حقيقية اسمها الديمقراطية، التي اتفق الجميع على تسميتها باللعبة الديمقراطية، ليس فقط لأن لكل لعبة قواعد، ولكن لأن الديمقراطية في الواقع السياسي سواء في العالم العربي أو الغربي هي اللعبة التي ليست لها قواعد واحدة ولا نظم ثابتة في كل الدول، وهى اللعبة التي قد تلتزم بقواعد شكلية دعائية أكثر من المضامين الحقيقية، وأحيانا لا تلتزم بقواعد قانونية شكلية ولا موضوعية، وفى بعض الحالات لا تلتزم بقواعد على الإطلاق.
ومع ذلك تبقى مصرة على تسمية كل ذلك بالممارسة الديمقراطية. ولأنه لم يثبت على مر التاريخ منذ ظهور الديمقراطية وحتى الآن مشاركة كل الشعب أبدا في أي حقبة تاريخية أو في أي نظام حكم قديم أو حديث في العملية الديمقراطية، سواء في شكلها المباشر الأول في «أثينا» أو في شكلها النيابي غير المباشر الحالي.
وسواء في ظل النبلاء أو الملكيات الدستورية الأوروبية، أو في ظل النظام الجمهوري النيابي في فرنسا أو الجماهيري المباشر في ليبيا، يكتفي المراقبون الآن بالدلالة على الديمقراطية بمشاركة غالبية الشعب في التصويت في عمليات الانتخاب، أو بمجرد فوز المرشحين بنسبة غالبة من الأصوات القليلة التي شاركت فعلا في التصويت وأحيانا لا تتعدى ال10%، إما لعدم الثقة الشعبية في العملية الانتخابية، أو لمنع بعض الناخبين في دوائر معينة من التصويت لإسقاط معارضيهم...
لكن ذلك كله لا يعني أنه لا توجد هناك بعض الدول المحترمة بشعوبها المحترمة تحول اللعبة الديمقراطية إلى عملية جدية لا لعب فيها، لأنها ترى أن الديمقراطية السليمة مهما كان عليها من ملاحظات، أفضل من الدكتاتورية وأفضل من البدائل الأخرى لحكم الشعوب، لذا تسعى بقوانين انتخابية عادلة ومتوافق عليها من أوسع القوى السياسية، وبضمانات رقابية نزيهة ومانعة للطعن أو التشكيك، ومن احترام للنتائج الانتخابية أيا كان الفائز فيها إلى الاقتراب بأقصى درجة من جوهر الفكرة الديمقراطية.
ورغم التسليم بغياب الديمقراطية الحقيقية، وأهمها الخلط بين مفهوم الحرية ومفهوم الديمقراطية، أو ضعف الرقابة على الانتخابات أو باختزال الديمقراطية في العملية الانتخابية، ليكون حق الشعب هو التصويت فقط بينما تستأثر القوى الحاكمة بالقرار، وبرغم ما عليها من ملاحظات تنقض جوهر الفكرة الديمقراطية، التي هي في نصها الحرفي تعنى «حكم الشعب بالشعب للشعب»، وفى مفهومنا العام تعني مشاركة غالبية الشعب في صنع كل قرار وطني..
يبقى القول في النهاية، إنه مع التسليم بواقع يلزم تصحيحه، ومع أن مالا يدرك كله لا يترك جله، فإن الصيغة المقبولة وليست المأمولة لتطبيق الفكرة الديمقراطية، هي ضمان حق الشعوب في اختيار حكامها ونوابها بحرية وبلا ترهيب أو ترغيب بأوسع مدى وعلى جميع المستويات.
وضمان مشاركتها الحقيقية لا الشكلية في صنع القرار المؤثر على واقعها ومستقبلها بلا تمييز ولا إقصاء ولا تهميش لفئة ما على أساس العقيدة الدينية أو الأصول العرقية أو الأيديولوجية السياسية، في ظل نظام يصون الحقوق والحريات ويؤكد الواجبات والمسؤوليات لكل من الحكومات والشعوب