مع بدء الاعداد للبيان الختامي لمؤتمر القمة الاسلامية بداكار بالسنغال، عادت الأزمة اللبنانية إلى الواجهة والتي لم تكن قد غادرتها بالفعل. اقترح الوفد اللبناني بنداً في البيان ينص على تسريع انتخاب رئيس للجمهورية بلبنان، ومنع تعويقه.
وهذه توصية من ضمن مئات التوصيات التي ترد في البيانات الختامية. والغريب أن الوفد السوري اعترض على هذه المادة بحجة انها تخالف المبادرة العربية بشأن الازمة اللبنانية! قال اعضاء الوفد السوري للمسلمين الحاضرين انه لا مصلحة في الأسلمة والتدويل ما دام الملف لبنانياً داخلياً. وقالوا للعرب إن هذا البند يشير من طرف خفي الى سوريا، وسوريا هي أكبر مشجعي الانتخاب، فاللبنانيون يريدون التوتير مع سوريا ولا داعي لذلك ولا حاجة؛ اذ ان الانتخابات قادمة وهي لصالح سوريا وليست ضدها!
اما ان النظام السوري هو المعوّق، فهذا لا جدال فيه. انما لماذا يفعل السوريون ذلك؟ هناك من المراقبين من يذهب الى ان التصرف السوري سببه افتقاد الأفق منذ العام 2000، والا فلماذا الاصرار على التمديد للرئيس لحود، والاستماتة في تثبيت الوضع الذي كان قائماً. وعندما صدر القرار الدولي رقم 1559صار لدى السوريين وحزب الله ملف مشترك هو التدخل الأجنبي ومنعه، اذ بسبب الافتقار الى استراتيجية وأفق وهدف مع الأمل في استعادة لبنان ما فهم السوريون القرار 1559 بشكل صحيح، اي باعتباره وفاقاً دولياً على استقلال لبنان واخراجهم منه، ومنع بقائه اداة للاستخدام في الصراع الاقليمي والدولي. واذا صح الذي قيل ويقال ان السوريين دأبوا منذ العام 1977 على ادارة حتى الشأن السوري من لبنان؛ اتضح مغزى هذا الاصرار المنقطع النظير على التشبت بالبقاء فيه مهما كلف الأمر.
بيد أن هناك من يضيف ان السوريين دخلوا في شراكة استراتيجية مع ايران، وهذه لها خطط بعيدة المدى في الشأنين العربي والاسلامي. فالسوريون من جهة يفتقدون للافق باستثناء حفظ النظام، وقد خافوا كثيرا بعد اخراجهم من لبنان، وجاءت الخطط الايرانية الاستراتيجية والتي تتضمن تصورات لما ينبغي ان تقوم به سوريا، ولما ينبغي ان يقوم به حزب الله. والواقع ان هذا يفسر الكثير مما جرى خلال السنوات الثلاث الماضية. فقد عرضت على بشار الاسد، بعد استشهاد الرئيس الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، عشرات العروض الشديدة الاغراء، دون ان يستطيع الاستجابة لها. وعندما شعر الايرانيون قبل اشهر، ان نظام الاسد يتعرض لاحراج شديد اطلقوا يده من جديد في لبنان بواسطة حزب الله وبدون واسطة. فظهر كأنما استعيد النفوذ السوري بالكامل، وهو ما خرج به فاروق الشرع بشكل موارب.
وجاءت المبادرة العربية لتشكل فرصة للنظام السوري للعودة المشروعة أو الغطاء المشروع كما حدث مع قوات الردع. لكن الظروف تغيرت منذ ما قبل العام 2000 وهذا ما لم يدركه النظام ايضاً. ولذا فعندما بدأ الاستئساد السوري، انسحبت فرنسا، واعترض السعوديون كما اعترض الأميركيون، وعاد اللبنانيون للتحشد في 14 شباط 2008.
لن يكف اللبنانيون عن محاولات الاحتفاظ بالاستقلال، والخروج من الاصطفاف المكروه. ولن يكف النظام السوري عن محاولات الاستيلاء او التخريب. ويراهن عرب كثيرون على امكان الوصول الى حل وسط بين سوريا ولبنان، لكن كل التقديرات والمبادرات وصلت حتى الآن الى طريق مسدود.
ان التنافر الذي بدا في المؤتمر الأسلامي سيبدو بشكل اوضح وأفصح في المؤتمر العربي في 29/3. وما بعد المؤتمرين سيكون أكثر هولاً وفداحة، وبانتخاب وبدون انتخاب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.