هناك فرق كبير بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري في انتخابات الرئاسة والإعداد لها. فالجمهوريون انقسموا على السياسات، بينما الديموقراطيون لم ينقسموا، كما ان هناك انقساماً بين اليمين والوسط في الحزب الجمهوري،
وليس هناك انقسام بين الديموقراطيين ويسارهم. لكن اذا فكرنا في الأمر نجد ان وحدة الديموقراطيين هي مجرد وهم. فلو ان الديموقراطيين فازوا في انتخابات الرئاسة لظهرت الانقسامات على السطح من تحت الوحدة الظاهرة.
أول ما سيظهر من خلافات بين الديموقراطيين سيكون بشأن العراق. فكلا المرشحين الديموقراطيين هيلاري كلنتون وأوباما، أشار الى انه ان فاز فسيسحب سائر القوات الاميركية من العراق؛ وخلال 12 الى 16 شهرا، لكن لو ان ذلك حصل فسيكون المعركة التي تستنزف الرئاسة في عامها الأول. ستكون هناك مقاومة من الأنظمة العربية لقرار الانسحاب، سيتحدث العرب سراً، لكنهم سيكونون واضحين بالخوف من العودة لظروف العام 2006، وسيُعارض القرار عسكريون اميركيون يرون في الانسحاب السريع تضييعاً لمكاسب العام 2007، كلنتون وأوباما ليس لهما سجل عسكري أو خبرة عسكرية. ولذلك فسيواجهون غضب مجموعة من الكولونيلات ذوي النجوم يظهرون في وسائل الاعلام ويتهمونهم بالخيانة. وسيكون هناك نقد كثير أيضا من غير ذوي الخبرة العسكرية من الجمهوريين والمستقلين. سيقولون ليس من الملائم سحب القوات في وقت يستعد فيه العراقيون للانتخابات، والاضطرابات في أوجها. وسيقولون ايضا انه ليس من المهم إيقاف عمليات الاعمار وتدريب الجيش والشرطة، في حين بدأت العمليتان تؤتيان أكلهما. وسيقولون اخيرا ان الرئيس الديموقراطي يقلد رامسفيلد من حيث اراد مخالفته، لانه يسحب القوات متجاهلاً وقائع ما بعد الغزو وضروراته كما فعل رامسفيلد من قبل، وبذلك يجري تسيير الامر بالأيديولوجيا بدلاً من ضرورات الواقع ونتائجه.
كل الأحلام بشأن تغير اللهجة والمزاج بواشنطن سوف تتبخر، وكل دعوات اوباما للوحدة والتضامن لن يكون لها اثر. واذا تراجع الموقف بالعراق بعد الانسحاب من جانب القوات، فكل الدماء النازفة ستقع على عاتق الرئيس الجديد. ولذا فعندما تقوم ادارة ديموقراطية جديدة بدراسة الخيارات؛ فانها سوف تنقسم حيالها. وسيكون من شأن كبار الوسط في الحزب والادارة القول ان الانسحاب السريع سوف يكون خطأ، ولا بد من نظرة استراتيجية جديدة بسبب الوقائع المتطورة على الأرض. والتي قد تكون نتيجتها النصيحة بالانسحاب التدريجي والبطيء وابقاء عشرات الالاف من الجنود على الأرض لبقية مدة الرئاسة.
لكن الجناح اليساري في الحزب سوف يمضي الى الثورة بشكل مباشر، فموضوع العراق كان رئيسياً في الحملة الانتخابية، ولا بد من الانسحاب سريعاً. ولذلك سيكون على الرئيس ان يتخذ قراراً صعباً.
وهناك موضوع آخر للانقسام العميق ضمن الحزب الديموقراطي: الإنفاق العام. فكلا المرشحين يقترح تنظيماً وضبطاً، ويأتي معه ببرامج كثيرة وطموحة، وهذا الامر ليس سهلاً ولا شعبيا ولا محموداً لدى الخبراء رغم اغراءات الكعكة الشهية بعد ان بلغ العجز في الموازنة العام الماضي 163 بليون دولار.
والواقع ان التباطؤ الاقتصادي، وكثرة المخصصات والبرامج المحجوزة سلفاً، سوف يؤدي الى بلوغ العجز في حدود الـ 400 بليون دولار عام 2009. وهذا يعني ان الدين العام يمكن ان يبلغ حدود الـ 10 تريليون دولار، وسيكون مؤشر ذلك العودة الى العام 1993 ثانية. ووقتها كان كلنتون بين احد خيارين: التوفير والضبط لتنظيم العجز والدين وخفضهما، أو الانطلاق باتجاه تنفيذ البرامج الكثيرة زيادة وتمويلاً. واذا اختار الرئيس الخيار الأول فسوف يثير سخط اليسارين. واذا اختار الثاني فسوف يخسر الوسط السياسي والخبراء الماليين. والحق ان هذا لبُّ الموضوع الذي انفق الديموقراطيون السنوات الماضية وهم يتناقشون فيه في حين لم يكونوا مسؤولين عنه. واليسار مصمم على الكسب في هذا الملف. ولا شك انه سيطلب الانفاق على الطاقة وعلى التعليم وعلى الضمان الصحي من اجل الاستجابة لطلبات وقلق الفئات الوسطى. بيد ان أي رئيس لا يستطيع تجاهل آراء المستقلين الذين لا يقبلون إنفاقاً بدون ضوابط. كما ان الرئيس لا يستطيع تجاهل "مراكز الأبحاث التي فكرت طويلاً في مسائل اجتماعية عديدة من بينها السلامة النقدية والاقتصادية للأمة في المدى الطويل. وهكذا سيكون الأمر مرة اخرى صعباً على الرئيس.
قال ويليام ستونتز من كلية الحقوق بهارقرد في الويكلي ستاندارد ان الديموقراطيين فكروا وأجابوا: نعم، نحن نستطيع! وذلك من دون ان يتناقشوا فيما بينهم كفاية، ودون ان يفحصوا نتائج هذه المحاولة أو تلك. لكن الوصول للسلطة غير التفكير فيها. ولذا سيكون هناك كفاح عنيف. وسيكون هناك أيضاً قرار لا بد ان يجري التوصل اليه. ووجهة نظري ان تيار الوسط هو الذي سوف يحصد الفوز.