نظرة متفحصة للواقع الدولي الجديد الذي أصبح واقعا معقدا تتداخل وتتشابك فيه مصالح الدول الاقتصادية والتجارية حتى ذابت الدول في تكتلات كبيرة أزيلت فيها الحدود والحواجز الجمركية وتحولت شعوب الدول إلى شعوب واحدة تتعاون فيما بينها على حل مشكلاتها بل أنها بدأت تفكر في كيفية تصل بها إلى فكرة بناء دولة وحكومة واحدة تتجمع فيها جميع الجنسيات والقوميات بعد ما تقاتلت فيما بينها على مر التاريخ .
ومتسببة في حروب عالمية أوقعت الملايين من القتلى فضلا عن دمار أوروبا كلها، فبمجرد إلقاء نظرة على هذا الواقع الدولي الجديد يتبادر إلى ذهننا سؤال نحتار في الإجابة عنه وهو: أين نحن كعرب من هذا العالم الجديد؟هل لنا مكان محترم فيه؟أم أننا سوف نظل كعادتنا على هامشه؟!
أوروبا تجمع اليوم أكثر من 350 مليون نسمة هي خليط من أعراق وجنسيات ولغات وديانات مع ذلك كله نجحت في تجسيد مشروعها الاندماجي بتوحيد كياناتها وعملاتها وذلك لإيمانها بأن عالم اليوم لا يعترف بالدول المهزوزة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ولا يرحم الدول التي لا تتمتع بمقومات القوة الاقتصادية والتكنولوجية وهاهي النتيجة أن أوروبا اليوم عملاق اقتصادي وسياسي ومالي.
بل فرضت عملتها اليورو على العملات الدولية، أما حال العرب فحال يرثى عليه من نزاعات سياسية، وحروب طائفية، ومجاعة وبطالة ومستقبل مظلم وجامعة عربية يجتمع قادتها مرة كل سنة على أكواب الشاي ويلتقطون صورة تذكارية لهم يحفظها التاريخ وينصرفون إلى مخادعهم الرئاسية العالم يتجه نحو بناء الأحلاف والتكتلات لإيمانه بأن الهموم والمشكلات الدولية لا تقدر على حلها الدول منفردة.
بل الضرورة تحتم التعاون والتوحد لمواجهتها ولكن أين نحن كعرب من هذه التحولات الدولية هل استطعنا أن نتكيف معها ونفكر كغيرنا في مشاريع وحدوية نستطيع من خلالها أن نظفر بمقعد محترم في العالم الجديد الذي لا يرحم الضعفاء؟
يبدو من واقعنا المؤلم أننا سوف نضيع فرصة صنع التاريخ مثلما أضعنا فرصا عديدة قبلها استغلتها القوى الكبرى لصالحها حتى تكالبت علينا واستعمرت أراضينا وها نحن أصبحنا جاهزين لمرحلة استعمارية جديدة لا نعرف كم سوف تدوم من سنوات وقرون. صحيح أننا نتحسر على هذا الواقع المرير الذي نعيشه والذي تسببت فيه بعض أنظمتنا السياسية بفشلها في الإدارة وفي وضع مشاريع تنموية.
بل ما تفكر فيه هذه الأنظمة هو كيف تزيد في قمع شعوبها وتجويعه وتجهيله وكانت النتيجة ظهور فكر ايديولوجي متزمت لا يؤمن بثقافة الحوار والانفتاح واحترام الديانات والثقافات، فقد عم الجهل الإيديولوجي والديني العالم العربي بأسره وأصبحنا محاصرون بين نزعة إيديولوجية ترفض التكيف مع حركة الواقع الدولي الجديد الذي تحكمة مبادئ العصرنة والليبرالية واحترام الثقافات والديانات وبين أنظمة سياسية لا تتقبل هي الأخرى فكرة السماح بالتناوب على السلطة.
فمعظم الدول العربية واقعة تحت استبداد ايديولوجي وسياسي من جماعات تستبد بشعوبها إيديولوجيا وأنظمة سياسية قمعت حريته وخنقت صوته. أصبحت ثقافة السلم والمصالحة مع الذات مطلوبة ومفروضة على الشعوب العربية إن أرادت التغيير والخروج من المأزق الذي أرغمت على أن تكون فيه.
فمن حق هذه الشعوب أن تعبر عن آرائها وتنفتح على ثقافات العالم لأن ديننا دين الوسطية يدعو إلى الحوار والتعايش السلمي مع الثقافات الأخرى، فالعالم اليوم يتجه نحو الثقافة الكونية حيث تتتعايش شعوب العالم مع بعضها من دون أن تفقد هويتها وثقافتها ودياناتها،
فلم يعد في مقدرة دولة واحدة أن تواجه مشكلاتها بمفردها بل هنالك اليوم زهموما دوليةس تستدعي من جميع دول العالم مواجهتها مجتمعة كمشكلة الأوزون والسلاح النووي والاحتباس الحراري ومرض الايدز وانفلونزا الطيور وغيرها، فجميعها تعتبر تحديات جديدة تفرض الاعتماد المتبادل بين الدول، ومثل هذه التحديات يفترض أيضا من الشعوب العربية أن تفكر بها وتشارك في إيجاد حلول لها لأنها جزأ من هذا العالم .
ولكن قبل ذلك عليها أن تصنع مصيرها المستقبلي بنفسها وتتحرر من الفكر الإيديولوجي الدخيل الذي يريد أن يعيدها إلى عصور الظلام، ونحسب أن بقاء العالم العربي على واقعه الراهن من شأنه أن يساهم في تآكل البنية العربية من الداخل، حان الوقت لفتح حوار جاد والتفكير فيما يجب التفكير فيه لإحداث ثورة في العقل العربي قد تعيده إلى صوابه قبل أن تستفحل المشكلات على هذا العقل.
وعندها فقط سوف يفقد العرب ما تبقى لهم من ثوابت، والخوف كل الخوف أن نتمادى في أخطائنا وسباتنا ولن يتبقى لنا عندها إلا الانتحار والانقراض من عالم الدول كما انقرضت حضارات سابقة!!.
Khiredine12@hotmail.com