بعد إيام قليلة نودع نحن والعالم أجمع عاماً قضى بكل ثقله وأوهامه وعقده وسوآته ، بل وزيادة نفوذ التخلف في عقول الساسة المحليين والعودة إلى منطق الإستبداد والكراهية واللؤم ، كان عاماً مليء بالدموية والحقد والفساد الإداري والمالي فزادت الرشوة فيه وهيمنة على مقدرات البلد قوى غير قادرة وغير ناضجة على فهم طبيعة المتغير الذي حصل .
فكان أقصى همهم أن يبقى العراق سجين صراعه المفروض ، وأقصى غاية لديهم أن يبقوا في الحكم أكبر مدة ممكنة رغم كل الويلات فالحفرة الخضراء هي تمام المراد وتمام الغاية .
لهذا لا غرابة إن لم نجد مقطعاً واحداً من حارات العراق ومدنه الكئيبه قد حُلت مشاكله الجمه ، فالفقر زاد و البطالة أستشرت والخدمات في ذمة الله ، وقتل النساء تحت كل ذريعة صار مذهب العراق الجديد ، ونهب مال اليتامى والمساكين في سباق بين ساسة العراق ، وكل يحاول ان يجمع الكثير ويكدس الكثير إذ لا رقيب ولا حسيب ولاذمة ولا من شريف يعمل لمصلحة الشعب والناس .
يمر إذن عام وكأنه ألف عام من مشاكله وعظم هوله على الناس فلم تُحل فيه قضية الإصلاح الدستوري ، ولم تظهر دلالات واضحة على المصالحة الوطنية غير كلام وخطب وشعارات بل الذي نرآه في هذا المجال هو العكس تماماً ، فالطائفية في تقدم والمناطقية وعقم مشروع وخطاب الفدرالية الذي ينادى به مع إنه مشروع للحل والحياة ، وتظل قضية كركوك في تأجيل ومتروكة للزمن في لعبة خبيثة ، والقوى الأمنية عبارة عن طوائف ومليشيا فلاجيش يحمي ولا شرطة مؤهلة - هي فوضى - كما يقول يوسف شاهين ، وهوية العراق الجديد غير واضحة تماماً فلا علم ولا نشيد وطني ولا كرامة لشعب يعيش التهجير والخوف والإضطهاد والإستغلال ودول الجوار سخرت حرمات العراق وشرفه لكل ما هو قبيح فالدعارة والمخدرات أصبحت صفة سيئة مرافقة لكل ما هو عراقي ، ولا مغيث يرفع الحيف ويحمي الشرف والكرامة ،.
وهناك شبه تآمر على صحوات العشائر التي نبهت الرأي العام العالمي إلى حقيقة التركيب الإجتماعي في العراق ، وتلك الصحوات طهرت أجزاء من أرض الأنبار وما حولها من أرهاب الدين وعصاباته المفسدة ، فالساسة المحليون ذوي نزعات إيرانية لا يرغبون بإعادة الروح والكرامة للعشائر لأنهم يعلمون إن العشائر في طبيعتها وفي تكوينها تفترق وتختلف عن توجهات منظمات الدين السياسي الذي يهيمن في غفلة من الزمن على السلطة والنظام في العراق الآن ، ومن أجل الإلتفاف يفعل المنتظم الديني كما فعل من قبله - خايب الرجا أعني صدام - في تولية أناس وتقديم بشر مشهورين بكل قبيح وفاسد في حياتهم الإجتماعية والأخلاقية ، ولك ان تحقق في ذلك كله وستجد إن سبب بلوآنا وبلوى العراق هو من أولئك النفر .
مر هذا العام على العراق وشعبه يستقبل عام جديد نتمنى ان يكون خير من العام الذي شارف على الإنقضاء ، عاماً نتمناه ان يكون أفضل وأحسن للوطن والشعب في الخدمات وفي بناء المؤوسسات وفي رفع المعانات وسد منافذ الإختناقات وتخفيف من حدة الشعارات الدينية والطائفية والسعي لبناء ثقافة ديمقراطية رصينة ومحترمة غير هذه التي نشاهدها في العراق فهذه ليست من الديمقراطية بشيء وليست من اخلاقها وبناءاتها ، وهذا يستدعي فتح المجال للمشاركة الجادة و الحقيقية في صناعة القرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي ، يتطلب ذلك التخلي عن النظرة القديمة في تحليل وفهم منطق الحكم والسلطة ، على أساس وعي موضوعي لمفهوم الديمقراطية وثقافتها وتجاوز معنى الأكثرية العددية والنظر إلى البرامج النافعة ، وإعادة النظر بمشروع الإنتخابات القديم ، من خلال إعتماد مبدأ القوائم الإنتخابية المفتوحة فهي الأحق بتعريف الناس بمن ولمن ينتخبون ؟؟ فالقوائم المغلقة غش وتدليس وكذب فاضح خاصة في عراقنا المستغفل بالأساس .
إن تأسيس قواعد سياسية جديدة مهمة تنتظر الوطنيين في العراق خاصة في ظل نضوج وتبلور مشروع إعادة تصميم وترسيم حدود السلطة التشريعية في العراق ، من خلال وضع اللمسات الأخيرة لمشروع مجلس الشيوخ والأعيان في العراق ، وهذه واحدة يعكف عليها المشرعون الآن بعدما توضح بالدليل عقم فعل مجلس النواب وعدم فاعليته ونقصان الكفاية المطلوبة في نوابه وهي كفاية في السلوك الوطني والتشريعي .
إن إستقبال العام الجديد يجب ان يخرج من دائرة القلق التي خلقتها ظروف و عذابات السنيين والبؤس والحرمان والضيق والتشرد والعوز والحاجة ، بل يجب ان يكون عاماً يؤوسس فيه لنظام إجتماعي وصحي وأمني يحمي الشعب وطبقاته المحرومة ويشكل حافزاً في الذهن والعقل لتربية وطنية جديدة تحسم قضايا النزاع الوطني بروح المسؤولية والتحرر من عقد الماضي القديم والماضي الجديد ، فنحن جميعاً نعلم ان بعض الشعوب تمر في العادة بهزات كبيرة وعنيفة قد تؤثر في كيانها ومستقبل أبنائها ، ولكن في حالة العراق كان التبدل نتيجة طبيعية للإختلال في موازين العلاقة بين الحاكم والمحكوم ولهذا تطلب تدخلاً دولياً ، ونحن نريد ان لا يدوم هذا التدخل بحجة عجز العراقيين في إدارة شؤونهم أو إنهم شعب بدائي لا يحسن فن التعامل مع التغيير وفق الطبيعة الديمقراطية ، أملنا ان ترفع من شعبنا كل معانات إقتصادية وسياسية وإجتماعية وثقافية وحماية هذا الشعب من البطش والعبث الذي يقوم به أعداء العراق وأعداء قيمه في العدل والحرية والسلام ..