مقدمة إفتراضية :
مع إقتراب شهر محرم وإقتراب إيام وقعة كربلاء ، فأننا سنتوقف مضطرين عن مواصلة بحثنا في كتابي - التوحيد والسياسة .. والجهاد في الإسلام - موجهين عنايتنا لدراسة وقراءة كتاب - إشكالية الخطاب في القراءة التاريخية لوقعة كربلاء - للشيخ الركابي ، ونبدأ من حيث بدأ
:
من المقدمة التي أستعرض فيها قضايا إشكالية في خطاب الثورة ، وكذا الدور السلبي الذي قام به خطباء المنبر الحسيني في تعميم الخرافة وتعميم البكاء وتجهيل الناس ، في حركة إلتفاف غير محمود على هدف الحسين – ع - ومشروعه الحقيقي في التغيير وفي الإصلاح .
ولابد من الإعتراف بان المنبر الحسيني كان ولايزال وسيلة إعلامية غير ناجحة لأنه ببساطة سبب إرباك لمشروع العقيدة والفكر الشيعي ، وذلك ناتج من إعتبارات متنوعة منها :
1 - عقم المادة التاريخية المستخدمة والموظفة في هذا الإتجاه .
2 - هشاشة الوعي المطروح بسبب الإستغراق التاريخي الغير صحيح .
3 - طريقة عرض قضايا وأحداث وقعة كربلاء وتطبيقاتها .
4 - جهل رجال المنبر والوعظ في قضايا التاريخ والشريعة والعقيدة ، مما يسهل عليهم إطلاق أحكام ليس في محلها ولا من مقتضى واقع حال ثورة الحسين – ع - .
وللتاريخ نقول إن معظم رجال المنبر لا يتحرون الدقة والعلمية ولايبحثون عن الصحيح والهادف من قضايا وقعة كربلاء ، إنما يسرفون في التزييف التاريخي والخداع والتضليل والمخاتلة وتلقين الناس قصص وحكايا أسطورية لاتمت للحقيقة بأية صلة ..
وقد ضرب لنا الركابي مثلاً يمكننا الإستئناس به قوله : [ في القصة المزعومة والكاذبة والتي تقول : - إن ليلى زوج الحسين – ع - ، حين خرج ولدها علي الأكبر للمعركة تقول القصة : إنها دخلت إلى الخيمة ، ونشرت شعرها !! وأخرجت نهديها إلى السماء !! - ...
وهذه القصة باطلة من كل وجه ، وهي لا تنسجم وروح الإيمان لدى أهل البيت ، ثم إن القصة تعرض واقع حال فمن جاء بها إلينا ومن روآها ومن دخل وشاهد ليلى في منظرها هذا ؟؟ ومن يحق له ان يشيع خبر أسرار بيت النبوة ؟؟ ومن ومن ؟؟؟
فهي قصة كاذبة لأنها تلغي مفتاح الإيمان وهو الصبر على المكاره وهو من شيمة أهل البيت ومن أخلاقهم ، كيف لا والحسين - ع – كان حياً وحاضراً قبل إستشهاده ، وهو الذي يعلم الناس كيف يكون الصبر والعزاء والإحتساب ، وقد نهى أخواته وبناته وزوجاته عن الجزع وأمرهن بالصبر وأحتساب الأمر عند الله ( فما عند الله باق ) .
ثم أننا لن نرضى بتعرية أهل البيت على هذا النحو الرخيص الذي يستهدف جر العبرات والعويل والنياح لاأكثر .. ولو حاجج أحدهم من يقول بهذه القصة عن أصلها وفصلها التاريخي والموضوعي لكان الجواب هو : القصة صحيحة وأنا أعلم بمصدرها وهو خاص بي ، وعليك إيها السامع القبول فان النقاش بقضايا الحسين هو من عمل أعدائه !!!!!!
يقول الركابي : عندما صدر كتابنا وقعة كربلاء في طبعته الأولى سنة 1986 م ، أحدث في حينها موجة جدل غير منتظم تحكم في معظمها كما يقول - فرنسيس بيكون - أوهام القبيلة وأوهام السوق .. لكن هذه الموجة في مجملها أدت غرضاً مزدوجاً كما يظهر لنا فهي :
1 - من جهة نبهت الناس إلى الطريقة الواجب إتخاذها في قراءة التاريخ وموضوعاته .
2 - ومن جهة ثانية أطلقت العنان للذهن الشعبي لكي يتأمل مدى خطورة المقولات التي يتبعها وعاظ المنبر الحسيني ، في إرباك للعقيدة وللفكر الشيعي ..
من هنا يلزم التركيز على تحديد أولويات التحرك الحسيني وتقصي الحقايق التي رافقت ذلك التحرك وتصحيح المنهج المتبع في الحكم على قضايا وقعة كربلاء .
فمن الأولويات يلزمنا إستبعاد مقولة : - إن الحسين ذهب لكي يستشهد في كربلاء ، أي إستبعاد فكرة ان الحسين تحرك من أجل الشهادة في كربلاء - لأن الشهادة ليست هدفاً للناس العقلاء ، بل هي نتيجة وعرض في حركة الهدف وليست هي الهدف بذاته ، وذلك لأن الله نهى عن تعريض الإنسان نفسه للتهلكة ، والشهادة كهدف مستقل يعني تعريض الإنسان نفسه للتهلكة ، كما يفعل الإرهابيين اليوم في قتل الأبرياء في شوارع بغداد ..
ومن أجل تأسيس منهج علمي في قراءة التاريخ والتحقق من قضاياه يقترح الركابي : حذف القراءات التاريخية التي تعتمد القراءات المسبقة والمؤدلجة لقضايا التاريخ ، وثانياً يرى من اللازم تعميم الدراسات الواقعية التي تختزل التاريخ في موضوعه وحسب من دون زيادات ونقصان .. فمنهج الركابي هو الإعتماد على التحقيق العلمي لقضايا التاريخ ، على سبيل المثال يعتمد الركابي على معرفة السند التاريخي لكل حادثة ورواية تاريخية وثانياً يحقق في دلالة النص التاريخي في سياقة الموضوعي يعني في داخل زمنه التاريخي ومطابقة ذلك على الواقع الموضوعي والتاريخي وهنا يعتمد الركابي فلسفة التاريخ في تكوين الصورة المراد الحكم عليها ..
هذا المنهج لو إعتمدناه لأمكننا ضبط حركة التاريخ وحذف كل ماهو دخيل عليها ، وبما أننا نستهدف وقعة كربلاء وقضاياها هنا ، فسيكون من اللازم حذف الكثير منها على سبيل المثال :
حذف خطبة خط الموت على ولد آدم المشهورة بين الألسن لأنها غير صحيحة سنداً ودلالة .
* حذف حديث شاء الله ان يرآني قتيلا .. لأنه خبر غير صحيح سنداً ودلالة .
وحذف أخبار كثيرة وكثيرة جداً سيتعرف عليها القارئ العزيز بين ثنايا كتاب إشكالية الخطاب هذا .
يستهدف الركابي من دراسته تلك كما نرى تقريب الذهن الشعبي لقضايا وقعة كربلاء الصحيحة من دون مشوشات خبرية ودعاوى باطلة ، وهو بذلك يقوم بعملية فرز موضوعي بين ما هو مقرؤ وما هو مسموع ، داعين الجميع إلى التدبر وعدم الوثوق بالسماع فهو ليس الدليل على الصحة كما يقول الإمام علي – ع - ، وهو بهذا يحاول إزالة ما علق في ذهن الناس من تاريخ حركة الحسين - ع - السيء وبناء شيء صحيح محله ، من خلال بيان حركية الثورة ومنهجها في العدل والحرية والسلام وهذا ما كان يريده الحسين – ع - ، وكما قال أهل الميزان : العدالة هدف الإنبياء والأولياء والشهادة عرض في هدفهم ذاك - ..