Saturday, October 27. 2007
البحث الأول :
يشير الركابي إلى تعبير العلماء عن المعجزة بأنها الخروج على العادة , أوتجاوز المألوف .
ويذكر هنا إلى ان المعجزة هي تحصيل حاصل بفضل عاملين .
الأول : هي القدرة العليا القابلة للتصنيف والإمتلاك , الإرادة والمشيئة الذاتيتين .
والثاني : هي الوجود الخارج بالقدرة عن الواقع الطبيعي .
على ان الأول يعبر عن الإرادة الألهية ذات الطاقة الهائلة التي هي صاحبة الأمر والفعل .
ويرى أن تحكيم مبادئ خارجة عن الإرادة البشرية في واقعها الحياتي متعلق بالهدف الذي ينبغي من ورائه. والحاجة إليه في تثبيت المبدأ من الناحية الفعلية
ويقول في كتابه الأسس السياسية والمذهب الواقعي . على انها قوانين للطبيعة العامة ودور العقل الفعال والمفكر .
وهنا يؤكد الشيخ الركابي . على الحقائق المطلقة الثابتة والتي لا تناقضها قوانين المعجزة سواء من خلال السببية أو المشيئة الألهية .
ويرى عدم تناقض مع الحقيقة الطبيعية ولكنها غير مالوفة في حينها أي انها لاتشذ عن نظام الأزلية الثابت والمتطور لأنها تحتفظ بماهيتها وكمالها الذاتيين ,
وهنا يجب أن نذكر عن موضوعات القانون الإلهي تجاه الظاهرة المتطورة ودور العقل في الأحتفاظ بها . وهو ان كل ما يشاؤه الله او يحدده يتضمن ضرورة وحقيقة ازلية ومتطورة حدوثية .
وهذا الأستنتاج قائم على عدم التمييز بين عقله وإرادته , ولربما يتصور البعض أن هنا فرق بين المشيئة والإرادة حال كون الإرادة غير التصور على شئ ما .
أقول : أن الضرورة في إرادة الشئ منه وفقاً لطبيعته وكماله لا تجعل الإرادة منه على خلافه , بل وفقاً لها لأن الحقيقة لا تكون مجردة إلا بأمره .
ويترتب على ان القوانين العامة للطبيعة ليست إلا مجرد أوامر تصدر عن ضرورة طبيعته وكماله , وبهذا يكون لوحدث شئ ما يخالف طبيعته فإنه لايتم وفقاً لذات الطبيعة , فحينما لا تكون بذاتها غير مألوفة فإنها حقاً تكون واقع طبيعي ولكنه واقع بالإرادة والمشيئة الذاتيتين فمعهما يحدث وبدونهما ينعدم ,
لأن العدم فيهما تحققه ذاتية الأمر المتعلق بعقله وطبيعته وتدبيره .
وهذا يعود بالنفع العملي على الحقيقة التأملية , بأن ما من شئ يحدث دون علة منه سبحانه , لأمتناع الحدوث دون إرادة وبدون سبب ( فأبرأ الأكمه وأحيا الموتى ) تمت لوجود إرادة الأمانة والأحياء مع علته الشرطية في ذات السؤال مع عدم المناقضة لقانون الطبيعة , لأن العقل يدرك أن ما تم كان عملية مترشحة من القدرة المطلقة وأنتفاء المانع .
يرى الشيخ الركابي على أنها بحسب الوجود تامة في نفس الفعل ( كن فيكون)
ولأننا على الطبيعة صفة الأمكان الحدوثي منه فما فيها بالقدم والحدوث منه لتعلق الكل بقدرته تعالى , التي هي ذاتها ماهيته ,
ويقول الركابي: أن الحدوث الأستثنائي ليس علة خارجة لا تقرها الطبيعة وقوانينها , لأنه لو صح ذلك لأمتنع الحدوث .
فالإرادة إنما تضفي على الطبيعة الصفة المتحركة القابلة للحدوث منه والممتنع من غيره أي أنها محدودة بشرطها وظرفها وعلاقتها بالوجود والإثبات .
ويرى أن كل مايحدث حقيقة الله وبأمره ,أي أنه لا يحدث شئ إلا وفقاً لقوانين وقواعد المشيئة الضرورية مما يستتبع توافق بين شرط القانون والمشيئة مع الطبيعة التي هي وعاء الحدوث في ظرف معين . لأن الطبيعة المجردة ليست لها قوة وقدرة بلا حدود ,
وكذلك : يرى أنها محدودة تتحرك ضمن قانونها العام الذي يضفي على كلياتها صبغة الأستدامة على أن لا تكون ذاتية لأنها في الواقع جامدة , وما حركتها إلا بفعل نظام الضبط والربط الموافق لطبيعتها الوجودية , فهي أذاً تنطبق على الجل ولكن البعض لا تنطبق عليه,
فالموت والحياة والتوالد قوانين طبيعية مستديمة كلية ,تتعلق بمفهومنا العام للطبيعة ولكنها تصبح بعيدة عن القانون مرتبطة بإرادته حالما ينسب إلى عيسى (ع) فالأذن منه والعملية في الحدوث على الهيئة الطبيعية , أي أن الضرورة حقيقتها ,أنطباق الكل على بعض مصاديقه ولكنه قد ينطبق بالمجموع إذا ما قلنا بأن الحدوث اللامألوف هو منها بعد تعلقه بالإرادة والمشيئة الألهية ,
ويقول : أن النفي المتقدم من قبلنا كان على أساس التفريق بين قدرة الله وقدرة الطبيعة الذاتية ,
أما كونها من قدرته تعالى فذلك صحيح لأنها جزء من الممكنات الحادثة بقدرته ولهذا فلا يصح القول بأن قوانينها هي أوامر الله ذاتها إذ ليس واجباً الأعتقاد بأن قدرتها لا نهائية . وأن قوانينها من الأتساع بحيث تسري على ما يتصوره العقل الألهي ثم أننا لا نقصد بذلك القول بعجز الطبيعة وعمقها ,
بل نريد من ذلك أنها لا تتحرك بفعل ذاتها أو بفعل عقلها المجرد ما هي طبيعة , فالقول بوجود عنايته فيها لا يعني سلب إرادتها الذاتية بل يعني المحافظة على سيرها بإتجاه قوانينها العامة , حتى لا يقع التصادم بين قانونها ومصاديقه الطبيعية .
وهنا الشيخ الركابي يعترف بأن ما في الطبيعة من مصاديق قد لا تسير بالرغبة الذاتية المقررة , بل تشذ أحياناً وفي كثير من المرات يقع التصادم بين عقل الطبيعة وأفرادها , مع الأعتراف المسبق أن التصادم ناشئ من الأفراد لا من عقلها المستديم الغير ذاتي ,
مما يولد نزعة تجاه الحقيقة القائلة , أن القوانين فيها ليست ثابتة بحيث لا تتغير , ترتب على أثرها نظام ثابت لا يتغير مما يشكل فيما بعد قناعة مشتركة بأن المعجزة ليست اللفظ الذي لا يمكن أن يفهم إلا من خلال صلته بأراء الناس .
بل هي حادثة لا نستطيع أن نبين علتها أعتماداً على مبادئ الأشياء الطبيعية كما ندركها بالنور الفطري ,
ولقد أخطأ سبينوزا وجماعة من الفلاسفة الأوروبيين الذين حاولوا تأويل الظاهرة الأعجازية .
يقول في كتابه رسالة في الدين والدولة : على أنها قانون طبيعي مألوف لكنه غير متكرر , لذا فالتذكير به على أساس ما يشابهه , قد يعود على العامة بالفائدة ونفي الظاهرة ككونها خرق للعادة الطبيعية وقالوا:
من المؤكد أن القدماء قد أدخلوا في باب المعجزات كل ما لم يستطيعوا تفسيره بالوسيلة التي أعتاد العامة الالتجاء اليها لتفسير الأشياء الطبيعية , أي بالإتجاه إلى الذاكرة لتذكر حالة مشابهة يتصورونها عادة دون دهشة , إذ يظن العامة أنهم يعرفون جيداً ما يرونه دون أن تعتريهم الدهشة .
مع أن القانون للطبيعة مشتق منه وتسير وفقه ظواهر الوجود جميعاً بغير أستثناء أو شذوذ , فهذا الكون المجسد من الله بمنزلة الجسر من قوانينه الرياضية الميكانيكية التي بني على أساسها , إذ القوانين هي جوهرة وقوامه إن زالت أندك هو على الأثر , ولكن تبقى صحيحة إذا ما أدخلنا عليه أن نفس الإدراك للطبيعة من العقل ,
يقول الركابي :
إنما هو توكيد على الإدراك باتجاه المطلق فرؤية الطبيعة بكل تجلياتها وماهيتها وكمالها هي رؤية الله بأكمل صورة . وإلى هذا يشير الإمام علي :
( والله ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله معه وقبله وبعده وفيه )
إذن فلا العقل ولا الإرادة المجردتين جزء من طبيعة الله بمعناهما المعروق ,
ولكن إرادة الله هي مجموع الأسباب كلها والقوانين التي تسير في الطبيعة على أساسها , وعقل الله هو مجموع العقول كلها المنبثة في الكون ,
( إن عقل الله هو كل القوة العقلية المنبثة في أرجاء المكان والزمان , هو الإدراك
المنتشر في العالم وهو الذي ينفخ فيه الحياة )
لفظة العقل كما جأت في المعجم الصفير , أنما تطلق أصطلاحاً على سلسلة الأفكار , وكما تطلق لفظ الإرادة , أي أنهما يمثلان جوهراً مشتركاً واحداً , له صفة معينة لا تشذ حركة أحدهما دون موافقة الأخر , لأنهما يمثلان صورة في الماهية لكنهما يختلفان على أساس طبيعة كل منهما ,
ومع هذا كله فأن العقل لا يمكنه ان يفرض هذا الأنتقال إلا مشاركاً للتخيل والحس ولا يمكننا إذا رجعنا إلى العقل الصريح أن نعقل جملة الحركة وأزاء الأنتقال العقلي فيما نعقله دائرة معاً ,
الركابي يرى :
أن لا مانع من أن يكون هناك قوة نفسانية تكون هي المبدأ القريب للحركة , ولا يمنع أن يكون هناك أيضاً قوة عقلية تنتقل هذا الأنتقال بعد أستناده إلى شبه تخيل ,
(يتبع)
|