إن الاعمال والنصوص الفكرية والسياسية والادبية التي اخذت مؤسسة المدى الثقافية إعادة نشرها تثير اشكالية معقدة في مجال الحقل الايديولوجي للفكر العربي الحديث، فهذه الادبيات نشرت في بدايات القرن الماضي وكانت جزءاً من صراعات فكرية وسياسية ومثلت تياراً نهضوياً ليبرالياً تنويرياً من المفترض انها انجزت مهماتها الفكرية والسياسية والتاريخية ولكن تم احباط هذا المشروع الليبرالي النقدي مع ظهور الدولة الوطنية العربية،
فقد اخترعت هذه الدولة ومؤسساتها التقليدية (آيديولوجية إسلامية شعبوية) قامت على تماهي بل توازي شديد بين الدين والدولة وذلك لازمة الشرعية المستديمة التي تعانيها..
وبرغم الفترة التاريخية الطويلة التي مرت على نشر كتاب الاسلام واصول الحكم لـ:علي عبد الرازق 1925 فان هذا النص يؤكد حضوره الفكري والسياسي في تاريخ المجتمعات العربية والاسلامية ولاسيما بعد صعود أيديولوجية الحركات الدينية والاسلامية الاصولية مرتبطاً بالاسئلة والمعضلات السياسية التي واجهتها النخب العربية في الربع الاول من القرن الماضي بعد اعلان اتاتورك نهاية الخلافة الاسلامية وفي هذا تحديد الحقل النظري والتاريخي للعصر التنويري العربي.
ان كتاب الاسلام واصول الحكم قراءة استكشافية لتاريخية مؤسسة الخلافة وقد تم فتح النقاش حول مسألة التداخل بين الحقل الثقافي (و) النسق المقدس وبالذات فيما يتعلق بالسلطة السياسية مستخلصاً ان تاريخ مؤسسة الخلافة لم يكن لها أساس ديني وانما هي تجسيد مؤسسي لعلاقات القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقبلية أي قدرة جماعة قبلية على تحقيق مصالحها. هذه القدرة تتوقف على شبكة من العلاقات والتوازنات داخل النظام المجتمعي (حيث يفتقد النص الى جدولة مفصلة بالقيم والمؤسسات وانماط السلطة التي تقوم عليها في القرن تقوم عليها علاقات القوى في القرن السابع الميلادي في شبه جزيرة العرب."
وقد استطاع الاسلام التاريخي اعادة انتاج الانساق السياسية والثقافية التداولية ف جزيرة العرب للخروج بنمط بنيوي تركيبي على صعيد نسق السلطة السياسية = الخلافة، لقد حاول الفكر الاسلامي التقليدي ان يطمس او يخفي قانون السلطة (للخلفاء الاوائل) وطبيعتها السياسية على اساس انها تقوم فوق الطبقات الاجتماعية او ذات ابعاد مقدسة او سلطة محايدة في حين كشفت لنا القراءة النقدية ان الخلافة مؤسسة تشتغل في الحقل السياسي كمصفوفات و تحولات، توزيعات قوى اجتماعية، انساق اقتصادية، بنى معرفية، وتستمد قوتها من سلسلة المفاهيم والمقولات الثقافية بالارتباط مع الفضاءات السيوسيولوجية والتخيلية لهذه المجتمعات..
القراءة الالتباسية للسلطة تجاوزت الاطر الموضوعية التي تحكم آليات الوصول الى السلطة السياسية في مجتمعات شبه جزيرة العرب (القرن السابع الميلادي) حيث ان سلطة (الخلفاء الاوائل) هي سلطة بشرية تم تأسيس تاريخها خارج النص المقدس، وانتاج للتوازنات القبلية والسياسية والدينية السائدة آنذاك ، ان مقولة (التوازنات القبلية) اضافة الى عوامل اخرى (المكانة الاجتماعية، المكانة الدينية الثروة، العصبية) التي لعبت ادوار متباينة للوصول الى السلطة = الخلافة.
لقد كان تداول السلطة بين بطون قريش (بني تيم ، بني مخزوم، بني أمية، بني هاشم) جزءاً من التوازنات والتسويات السياسية، استناداً الى هذه القراءة تكون المهمة الاولية للمؤرخ المعاصر دراسة حقل التاريخ بمعزل عن البنى المقدسة وتفكيك الصور الايديولوجية والتكثيف الاسطوري الذي تم تأسيسه من قبل مؤسسة الانتلجتيا التقليدية داخل الوعي الجمعي الديني حيال تلك الظواهر والشخصيات والأحداث التاريخية وقراءة المفهومين (الخليفة، الامام) كعناصر سياسية لدراسة تشكيلة مجتمعية في نظام السلطة بالإطلاع على الدلالات اللغوية الحاضنة لهما والكشف عن مرجعية العلاقات السياسية والتي تعمل داخل النظام الثقافي لكون البنى المفاهيمية في انظمة الفكر تتأسس داخل تاريخ الصراعات الاجتماعية.
ان التفحصات النقدية للخطاب القرآني كمرجعية دينية لم يحدد اطاراً معيناً للسلطة السياسية يمكن ان يشكل (مابعد القرآن) مفصلاً للتأسيس برغم ان الخطاب القرآني يحتوي على مفردات ومفاهيم تحمل ملمحاً سياسياً .
هنا نفهم مدى التعقيدات النظرية والتاريخية في اشتغال المتخيل الاسطوري للجماعات الدينية المقصية عن حقل السلطة السياسية = الخلافة، وكيفية تشكل الرأسمال الرمزي واستخدام نتف من النظام التيولوجي خارج السياقات التاريخية لبناء منظومة سلطة سياسية تخيلية، عندها نصل الى ان ستراتيجية النصوص والتي تعمل داخل تأطيرات الفكر الشيعي الامامي على سبيل المثال برغم كثرة النصوص، الا انها لا تحتكم الى التاريخية بقدر ما تلجأ الى التكثيف الآيديولوجي، كونها تدافع عن سلطة بمقولات دينية.
ان تلك السرديات والمرويات المتعددة لابد من ان تقرأ في ضوء آليات حديثة لتشكل التصورات النصية داخل الحقل الآيديولوجي للطائفة الدينية. حيث ان هذه الستراتيجية تقضي على استقلالية العقل التاريخي كإدارة معرفية في تحليل الوقائع السياسية والتاريخية والاقتصادية . متحولة الى انساق مقدسة داخل نسيج النظام السياسي للجماعة الدينية.