يجب ان لايفوتنا التذكير بأهمية زيارة الرئيس بوش الأخيرة للعراق ، كما يجب ان لايفوتنا التذكير بمضامين ودلالات الزيارة من الوجهة الرسمية والنفسية ، فهو لم يحط الرحال في بغداد ولم تكن مقصداً بل جعل من الأنبار غاية ولهذا التوجه دلالة يمكن قراءتها من وحي المرحلة المقبلة وماتؤول إليه
وهذا ليس إستنباطاً وحسب بل هو تحليل منطقي وواقعي لما يجري ولما يمكن حدوثه ، فالعراق مقبل على تغييرات حاسمه ستطال كل شيء ولعل المشروع السياسي ستتبدل الكثير من آليات فعله بحيث يكون بغير هذا الشكل الذي عليه الآن ، وهذا يعني ان الزيارة جاءت لتؤوسس لهذا التوجه الجديد طبعاً المطلوب هو تقمص الأرادة في الفعل لكي يكون العراقيين قادرين بالفعل على أخذ العبر وتجاوز دوامة الصراع الذي يفعله مغامرين نكرات ، هذا الشيئ يستبطن معناً أخر يتعلق بمشروع العراق المستقبلي أعني تنبيه زعماء العشائر العراقية إلى دورهم وأهميتهم في عملية التغيير ، وما صحوة الأنبار إلاّ حركة شعبية تولدت من رحم العشائر لتكون القوة المناهضة لفكرة هيمنة الأستبداد الديني أو التفكير بحكم رجال الدين، وهي بهذا اللحاظ خطوة متقدمة في العمل السياسي والوطني وتنم عن وعي وأدراك من الذين تجمعوا من أجل تطهير العراق من حالته الشاذه التي خلقتها أعمال الحقد الطائفي البغيض ، هذه المبادرة يمكن النظر إليها من وجهين أو من زاويتين فهي أولاً : عملية تحرير ذاتي ، وثانياً : هي رؤية من اجل تحقيق حالة توازن طبيعي بعدما أدى الدمار إلى خلق نوع من القيادات الفاسدة والمريضة ، و من دون هذا التوجه إلى هاتين النقطتين يغدو التعايش مستحيلاً وتصبح الحياة غير ممكنة ، وصحوة الأنبار هي تجربة عملية لبناء مشروع وطني من رجال مخلصين وأهل مرؤة وكرم وشجاعة وليسوا نكرات أو دخلاء أو مجهولي الحال بل هم زعماء عشائر من بطون العرب أقحاح ، وتجربتهم هذه يجب ان تؤخذ في الحسبان لتكون القاعدة التي يمكن من خلالها تحرير العراق من المليشيا والمجموعات المسلحة التي أصبحت وباء ومرض يخل بواقع حال العراق والعراقيين ، وكما نهض أبناء الأنبار وتنادوا من اجل رسم خارطة لطرد الدخلاء يجب ان يكون هذا التوجه بمثابة السنة الحسنة التي يتخذها أبناء العراق وعشائره في الوسط والجنوب لتحرير مناطقهم من العبث والفوضى التي تشيعها المليشيات فالقتل والسلب والنهب الذي تجاوز كل معقول وعجزت الحكومة في مواجهة ذلك ولم تستطع ولن تستطيع خاصة في ظل جهاز شرطة منخور بل هو عبارة عن مجموعة مليشيات مجموعة في جهاز واحد مع بعض ، وكلامنا هذا تؤكده الوقائع والقتل الذي طال محافظي السماوة والديوانية وماجرى في كربلاء من قتال وتدمير وإنتهاك ، تجربة صحوة الأنبار يجب ان تتخذها العشائر العراقية كطريق للحل والتصدي لقضية التحرير الداخلي الذي هو هم العراقيين جميعاً ، أعني في كلامي هذا ان يبادر شيوخ المناطق الجنوبية للتصدي لظاهرة الفلتان وتنامي الغدد السرطانية التي تفتك بالجسد العراقي ، وهي دعوة أوجهها لمن يجد في نفسه الكفاءة ليكون رمزاً للعراق ولمستقبله فنحن نعلم ان السياسة الجديدة تدفع باتجاه بناء فكر جديد يقوم على أستنهاض أبناء العراق من زعماء العشائر لكي يتصدوا لمسؤولياتهم ، ولم تكن زيارة بوش إلاّ توكيد على ذلك من خلال دعم العشائر وأعتبارها هي القوة التي يمكن الوثوق بها ، ولهذا جعل محطته الأنبار وأمر السفارة لتدعوا موظفي المنطقة الخضراء إلى هناك وهذا أكبر مؤشر على ان الأستراتيجية الجديدة لكلا الحزبين هو التقليل من الدعم للحكومة والتوجه نحو زعماء الشعب قادة العشائر ليكونوا هم صمام الأمان وهم الرهان على الخروج بالعراق من حالة الفوضى إلى حالة البناء ، تجربة يجب ان تكون المثل الذي يحتذى لشيوخ العشائر ومن يجد في نفسه القدرة على ذلك فالشيخ أبو ريشه صار حديث المحافل السياسية والأمنية في العالم ، كما قلنا تجربة يجب ان تنجح في المناطق الأخرى لكي يعود للعراقيين ما سُلب منهم جراء الظلم والأستبداد ..