كانت هجرة الناس في عهد النظام البائد فرار من السياسة الحمقى والحروب والموت الذي كان ينشره في كل زاوية وبيت ، وهذا كان الهاجس الذي دعى الكثير من اهل العراق إلى الهجرة في سنوات متفاوتة من العقود الماضية
كما ان سياسة التهجير القسري التي أعتمدها النظام المقبور أدت هي الأخرى إلى تفريغ العراق وزيادة التوتر ، ولكن مابال العراقيين يفرون اليوم ؟ مابالهم بعد التحرير والإنفتاح وشياع لغة الديمقراطية ؟ مابال العراقيين يفرون الآن سنة وشيعة في داخل العراق وخارجه ؟ ومن الحكمة بمكان ان لا نحمل الحكومة تبعات ذلك فهي ليست طرفاً في هذا ، ولم تعمد إلى طرد وتهجير الناس كما كان يجري ذلك في السابق ، ولسنا هنا في صدد الدفاع عن الحكومة بل الموضوعية تقتضي ان تسمى الأشياء بمسمياتها ، واذا كان الموت الأعمى يطال الناس في الطرقات والشوارع فيجب ان نعترف إنه من صنع أدوات الماضي وعناصره سواء من حيث الشكل أو المضمون وهو نتاج عن عقل الحكم البائد وبقاياه من الذين يروجون للهروب على أساس أوهكذا يظنون بان ذلك الفعل سيسهم دولياً في إحراج الحكومة والضغط عليها هي سياسة إذن ، أو هي جزء من مشروع لتخريب النظام السياسي الجديد والمشروع الجديد ، كل ذلك معلوم لدينا وهو معلوم لدى المجتمع الدولي ، ولكن ضرر هذا الفعل وهذا الإجراء يصيب المواطن البسيط في الصميم ويأتي على مانسميه تاريخ ووجود وهويه وتعايش ، فالمواطن البسيط يلاقي جراء ذلك تغريب وقطع متعمد عن الجذور وتفتييت للحمة الإجتماعية وتقويض للبناء الثقافي الذي تميز به العراق على من سواه ، وكذا لهذه السياسة تداعيات نفسيه وأخلاقية تلحق ظلماً وتمييزاً وعنتاً في نفسية هذا الإنسان العراقي من قبل الدول التي هاجر ويهاجر إليها وتلك حقيقة لا يجب تجاهلها لأغراض وقتية ودوافع ستزول حتماً ، ثم إن دول الجوار التي فتحت بواباتها للعراقيين كإجراء غير حسن تكره اليوم أسم العراقي بل ولا تحتمل بقائه ، معتبرة كل مشكلة وكل خطئية في بلدانهم هي بسبب وجود العراقيين الذين صاروا مع الأسف لقمه سهله وشماعة يعلق بها كل فشل الحكومات في باب الخدمات والأمن والوظائف والصحة ، فاذا أنقطعت الكهرباء قالوا إن ذلك بسبب الأستخدام الزائد من قبل العراقيين وان انقطع الماء قالوا ذلك من العراقيين وان أصيب احدهم بمرض قالوا هذا من فعل العراقيين !! .
العرب لا يحتملون العراقيين ولايودون مساعدتهم ولن يستطيعوا إلى ذلك سبيلا ، ولهذا فحياة العراقيين في بلدانهم رخيصة و ذليلة ويرتكب بحقهم كل الفضاعات المتصورة والمتخيلة ، ناهيك عن درجة الحرمان والنفاق والتأييد الذي أجبروا عليه لكي يعيشوا بسلام تأييد لتلك الحكومات والتصفيق لها وهذا بحد ذاته كارثة ، صحيح ان العراق يعاني الكثير من المشاكل التي ما كانت يجب ان تكون لولا النزعة الطائفية التي تملكت بعض من فقدوا السلطان والحكم ، وكذا ضيق الأفق لدى من تحكموا بعد التحرير فغدى الناس يعيشون ردات الفعل المتبادلة ، ولكن كل ما حدث على بشاعته وفضاعته أهون بكثير من التهجير والفرار من الديار ، كما يجب ان يعرف العراقيون ان ذلك كان بسبب عدم التعاطي بروح المسؤولية مع المتغيرات فلم ينظر الساسة الى مصلحة العراق ومستقبله ، وهذا كله سبب أرباك لدى الناس الذين أقلقتهم الدعاية والترويج والتضليل فغدوا من حيث لايشعرون أسرى ذلك الزيف والتهريج ، ولكي نضع النقاط على الحروف يجب ان يعلم الجميع ان التاريخ لايعيد نفسه وان عودة الماضي بصيغته القديمة ضرب من المحال فذلك لم ولن يكون ، إنما الممكن الوحيد هو القدرة على تجاوز ضغط التأثير النفسي ودعاة التفرقة والأنضمام لحركة الواقع الجديد التي بموجبها يمكن التعايش وقبول الآخر والتسامح والشراكة في العمل الوطني والحرص على وحدة وسلامة الوطن وعلى نمائه وتقدمه وعلى مستقبل أبنائه ولن يتم هذا بضربة حظ إنما هو بالعمل وبالجهد وبالصبر ولابد من الأشارة إلى هذه الروح لدى جماعة صحوة الأنبار الذين نحيهم ونشد على إيديهم ليكون الهم الوطني فوق كل الهموم ، وهذا التوجه لايأتي إعتباطاً إنما يلزمه الإيمان المطلق بان العراق هو للعراقيين هو ملكهم جميعاً ليس لطائفة أو لجهة أو لحزب ، وهذا الإيمان يلزمه الثقة بالعراق والثقة بالشعب العراقي وحب العراقيين لبعضهم البعض الحب الوطني الصادق الغير مزيف.
وهنا يجب التنويه إلى أنني أنطلقت في مقالي هذه من المشاهد المفزعة لحياة العراقيين في المهجر وخاصة في البلاد العربية وما يحصل لهم من معانات ومشاكل لا حصر لها إضافة إلى مشكلة الفقر والفاقة التي تضغط بحيث تؤدي إلى مشاكل في صميم الروح العراقية وفي كرامتها ، فلاسوريا قادرة على تحمل العراقيين ولا الأردن كذلك ، ولاحتى الدول الأجنبية فأنها بالمطلق غير مستعدة لقبول لاجئين جدد وتحمل معانات جديدة ، أتمنى ان يعي العراقيين ذلك ويعلموا ان لا مكان لديهم افضل من بلدهم فهو وان جار عليهم خير وان تجبر فهو خير لهم إيضاً من كل بلاد الأرض .
وانا على يقين ان الحكومة ترغب بعودة الناس إلى بيوتهم وأرضهم وهي تساعد في ذلك ، من اجل تحدي الترويج الفاسد الذي يطلقه الفاشلون والذين كانوا السبب في هذه الهجرة الذليلة ، فمن يريد الحياة ويحب العراق عليه التضحية من غير أستنكاف ومن غير عقد فالكل أخوة لا فرق بين عراقي وأخر
وتحمل ذلة العراق أهون بكثير من تحمل إذلال الأخرين لهم وعلى الحكومة تخصيص المال اللازم الذي يساعدهم على العودة بكرامة إلى وطنهم والمال متوفر وبدل ان يعطى للنواب وللأحزاب فالمهاجرين العائدين أولى به ..