بغداد/المسلة: لم تهبّ عواصف التشكيك بسياسات رئيس الحكومة العراقية، مصادفةً، إنْ لم يكن مرسوماً لها، لتُطلَق في وقتٍ تجابه فيه البلاد أعتى هجمة إرهابية، يمثّل رأس الحربة فيها تنظيم داعش التكفيري، وتتزامن هذه العواصف الحُبلى بالارتياب والتآمر، مع أجندة التسقيط والإفشال لكل جهد يقوم به رئيس الوزراء حيدر العبادي في مجال محاربة الفساد والإرهاب.
هذا التزامن بين أجندة "التشكيك" بمنهج رئيس الوزراء، والهجوم الإرهابي، بدا متناسقاً، ليتبادل المشكّكون والمرجِفون من أعضاء برلمان وسياسيين، الأنخاب مع الإرهابيين وداعميهم، على طريق إفشال الحكومة، وبعثرت جهودها، وإزاحة قطار الإصلاحات عن سكّته التي أسسّ لها العبادي، وصولاً إلى الانتصار العظيم، على الفساد والإرهاب.
وإذا كانت أهداف الإرهاب، مرصودة، وغير مفاجِئة، للعراقيين من نخب وعامة، على حدٍ سواء، فإنّ أغراض هؤلاء المشكّكين، باتت مكشوفة أيضا، وتفصح عن أنفس أمّارة بالسوء، تتقلّد مناصب حكومية وبرلمانية، اعتقدت لفترة من الوقت أنها تستطيع تمرير أجندتها التآمرية بسبب تداخل الخنادق السياسية، وظروف المعركة ضد الإرهاب، وهو اعتقاد ناتج إما عن "غباء" سياسي، أو "سوء" فهم، و"قلة" وعي، أو مواقف "مدفوعة الثمن"، ارتضى أصحابها بيع ذممهم لمموّلي المؤامرات الإقليمية، على رئيس الوزراء.
المأزق التأريخي الذي انزلق إليه تجّار "السياسة"، هو انهم لم يدركوا إنّ المواقف التاريخية تُدرك في أوقات الأزمات والشدائد، التي تمرّ بها الشعوب، حين يقف الجميع خلف القائد متناسين التفاصيل الخلافية، وصغائر المشكلات السياسية، لكي يسجّلوا لهم صفحة بيضاء في تاريخ الجهاد ضد الفساد والإرهاب، حتى يتسنّى للشعب، الانتصار.
إنّ إطلاق صفة "الخونة" على هؤلاء المطبّلين للبرامج السياسية المُريبة، والتصريحات المغرِضة، التي تعرقل عمل الحكومة والسعي إلى إزاحتها عن نهجها المكافح للإرهاب والفساد، لن يكوم مُبالغاً فيه، طالما انهم ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا في جبهة العدو، سواء ادركوا ذلك أم لم يدركوه، فالقياس في هذه اللحظات الحرجة، حيث الحرب على أوجّها، لن يكون بالنيات "الباطنة"، بل بالأفعال وتداعياتها.
يتحدث التأريخ، بكل وضوح وتفصيل عن أدوار الخونة في اللحظات التاريخية، أولئك الذين سعوا إلى شق صف الجبهة الداخلية لشعوبهم، بخلق الفتن الطائفية والسياسية، والخلط المريع، والتشكيك بقدرات القيادة، ليرقى فعلهم إلى مرتبة "الخيانة" الوطنية، التي جعلت بعض الشعوب تنهزم في وقت كان فيه النصر، قاب قوسين أو أدنى، من متناولها.
هذه الهزائم، وقد بلغت الزبى، لم تكن لتحصل لولا الطابور الخامس، من الساعين، إلى ثني قيادات بلدهم عن العزم في توحيد البلاد نحو الأهداف المرسومة، وهو طابور تشير تجارب التاريخ إلى إنّ
أقطابه كانوا على الدوام من الحاقدين على نجاح الشعب وقيادته، وممّن شاب تكوينهم النفسي، الغرور و شهوة الانتقام، والتربّص بالناجحين، والأهواء الشخصية المرتبطة بحب الشهرة والمال.
هؤلاء اليوم، لا يجزعون من ضرب سوط الانتقام وجَلْد الذات، عبر المُجالَدَة المتواصلة في عدم أهليّة المسؤول للقيادة ،أهونها الشراهة في تحقير الخصم، وأخطرها تلفيق الفضائح والتهم له، إمعاناً في تسقطيه وتشويه صورته.
لم يكن رئيس الوزراء حيدر العبادي، بتواضعه الجمّ وسلوكه الواضح الذي لا يقبل التأويل من دعاة إخضاع الآخرين بقوة السلطة، على رغم إنّ ذلك مُتاح له بحكم منصبه وما يفرضه من إجراءات استثنائية، في أوقات الأزمات، بموجب الدستور الذي يحكم البلاد، لكنه زعيم راعٍ للحوار، وحريصٌ على تبادل الرأي والشورى.
غير إنّ كل ذلك لم يرِقْ للمتصدّين في الماء العكر، من أصحاب العقل الاتهامي التأثيمي، فاستغلوا المناخ الديمقراطي الذي يحرص عليه العبادي أكثر منهم، وسعوا إلى أهدافهم بالتحريض وشقّ الصف، بدلاً من الإقناع والحجة، الذي هو ديدن رئيس الوزراء في مجابهتهم وافحامهم.
ومن دون إلقاء الكلامَ على عواهنه، فإنّ الرفاق الذي يشدّون من إزر رئيس الوزراء، على طريق تحقيق الأهداف والغايات يجب أن يدركوا، إنّ بلوغ الغايات الوطنية و تحقيق أهداف الجماهير، لن يكون بالوقوف "الصامت" أمام الدعاة الذين يشككون بالقائد، ابتغاءً لمصالح ضيقة وتحقيقا لأهداف الدول التي يتبعونها، بل بتحدّيهم، وتعرية أهدافهم، لكي ينشكفوا بوضوح أمام الشعب.
هذا الاستنتاج، يتطلب الوقوف خلف رئيس الوزراء حيدر العبادي، تدعيماً لجبهة الحرب على الإرهاب والفساد، وتأكيدا للدور الوطني المطلوب، وتوثيقاً في التأريخ الذي لن يتسامح مع المتخاذلين، والمتلوّنين.
والعراق بتجربته الديمقراطية، التي أثمرت عن حكومات متعاقبة، لن يكون نسخة من دكتاتوريات قبل 2003، أو شبيهة بدكتاتوريات العالم الثالث وعائلاتها الحاكمة من حوله، لكنه في نفس الوقت، لن يسمح بأن تستثمِر أطراف سياسية وبرلمانية، أجواء التسامح الديمقراطي للبطش بإنجازاته، وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
في ذات الوقت، فانّ هذه التجربة الديمقراطية بما فيها من إيجابيات وسلبيات، يجب أن تقترن بالعدالة في التقييم والإنصاف، وأنْ يدرك أولئك الذي يشعرون إنّ مصالحهم "غير المشروعة"، انحسرت في ظل الحكومة الجديدة، بان سعيهم إلى رمي تراكمات أخطاء الحكومات السابقة في سلّة الحكومة الحالية، لن يجدي نفعاً، لانهم باتوا مكشوفين أمام الرأي العام للجماهير، بعدما مهّدت صراحة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، لسلوك اجتماعي رصين يتحسّس بكل دقة، مؤامرات أولئك الذين "يعتاشون" على أوهام إرجاع الماضي السياسي الى ما قبل حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي.
لم تنطق دعوات "سحب الثقة" ببنت شفة، بعد أن تلاشت بشكل واضح، في تأكيد على إنّه "لا يصحّ في النهاية ألاّ الصحيح"، وإنّ الشخصيات والقيادات المنضوية في "ائتلاف دولة القانون"، تدرك بوضوح إنّ وضع العصي في دواليب الحكومة، لن يزيد الأوضاع إلاّ تشرذماً، ويوفّر الفرصة للأعداء في الداخل والخارج، للنيل من العراق وشعبه.