Monday, July 2. 2007
يبدو أننا لا بد أن نناقش أصحاب النزعة القائلين بمبدأ الحريةكلوك ومنتسكيو فهو من حيث الفلسفة دستوري ليبرالي
. وهو بذلك إنما يشابه لوك . لكنه يختلف معه من حيث المنهج . فهو لا ينطلق من مبادئ أولى رياضية أو هندسية . بل أنه يضع نقطة عند ملاحظة الوقائع ويبدو انه قد برع في هذا المجال وعليه فقد تخطى أي مفكر سياسي أخر كأرسطو وابن خلدون أو بودان . لأنه حاول أن يمتد بنظره تجاه مجمل القوانين التنظيمية للمجتمعات السياسية على طول الزمان والمكان . وكان إلى جانب ذلك يمتلك من القناعة ما تؤهله لمعرفة القوانين . لأنه ينظر إليها كعلاقات ضرورية تستمد من طبيعة الأشياء . ولذلك جاءت ملاحظات مقنني السياسة عن منتسكيو منسجمة مع هذا التوجه . فيعتبرون ؛ أن منتسكيو لم ينسجم في كتابه روح الشرائع على منوال الذين سبقوه . فلم يسترسل في مناقشات ميتافيزيقية كتلك التي يسترسل فيها الذين يتصورون تجريدياً . ولم يقتصر كسواه على تناول بعض الشعوب في أحوال خاصة . ولكنه تناول جميع سكان العالم وتطرق لأحوالهم الحقيقية . ودرس كل ما يقوم بينهم من علاقات . وقد لا تكون النظريات التي توصل إليها في بحثه الدائم عن أصول المجتمعات السياسية . دليلآً في الأحاطة التامة عن معلومات المجتمعات الأخرى . وإن كان يلاحظ فيه تتبعه لبعض الجزئيات في المجتمعات العالمية . وربما سجلت عليه تلك الملاحظات كأحد عيوب نظريته السياسية . ولهذا الأعتبار حاول تفنيد تلك الملاحظات , بارجاع ذلك إلى ذاتية القوانين والطبيعيات والسياسة . بحيث لا يمكن أعتبار رذائل السياسة كلها رذائل خلقية . وليست كلها رذائل سياسية . وبذلك يوجه العناية إلى اللاهوت . ويعتبر نفسه يتحدث إنسانياً عن المنتظم الإنساني للآشياء , وسياسياً عن المنتظم السياسي . فيدافع بذلك عن أعمق ما يؤمن به . وهو أن علم السياسة لا يمكن أن يبني إلا على موضوعه الذاتي . أي على الاستقلال التام للسياسة من حيث هي , وبهذا يكون قد تخطى المنهج الأستقرائي لأرسطو في تصنيف المجتمعات السياسية . وبذلك يكون ما كتبه في هذا المجال , يفوق ما توصل إليه هوبز ولوك وهيوم . وهذا يعود إلى أنه تابع الوقائع والظواهر دون المبادئ والجواهر . كما أنشغل بها لوك وجماعة من المفكرين الأوروبين . لأن ؛ علمهم كما هو واضح يبعد عن علم منتسكيو بعد طبيعيات ديكارت النظرية عن طبيعيات نيوتن الأختبارية . وهذا البعد في متناول الموضوع يقترن بثورة في المنهج . وإذا لم يكن منتسكيو أول من تصور فكرة تكوين طبيعيات أجتماعية . إلا أنه من أراد أن يعطيها روح الطبيعيات الجديدة . فلم ينطلق من الجواهر بل من الوقائع . وأستخراج القوانين من الوقائع التي لاحظها . لقد أعتمد منتسكيو في دراسته لأنتاج نظريات ضخمة . كنظرية فصل السلطات التي صارت مصدراً في دراسة الدستور , ولكن النظرية ظلت عاجزة عن مجازاة الواقع الأجتماعي للمنظمات في الدول الأخرى . لأنه بنى تصوراته على ملاحطة المنتظم السياسي البريطاني . ولذلك فملاحظاته تلك لم تكن بالمستوى الأكاديمي . الذي يمكن تعميمه على المدارس السياسية المختلفة . ولكنه مع ذلك يحتوي على نوع من الأيجابية الموضوعية التي يمكن ملاحظتها بصور مختلفة من الأتجاهات المنهجية في علم السياسة , ومع كل هذه الملاحظات التي يمكن تصويرها . لكنه يظل من أولئك الذين ساهموا على قدر ما في كتابة العلم السياسي وبحوثه التجريبية في المجتمع والدولة بشكل واسع ؛ أن منتسكيو كمفكر سياسي له طريقته في تصنيف المنتظمات السياسية . والذي يدقق النظر يلحظ عنده مرحلتين . الأولى ؛ المرحلة التي يصنف فيها المنتظمات السياسية تصنيفاً أستقرائياً , والثانية ؛ المرحلة التقييمية التي يصنف فيها الدولة المثالية أو المنتظم النموذجي , ففي الأولى يستخدم مقولة العدد . لكنه يضيف إليها فكرتي طبيعة الحكومة ومبدأها . وفي الثانية يعتمد على مقولة الحرية . وقد يتسرب إلى تصوراته حاجات تأريخية تأخذ قسطاً وافراً من تفكيره مع أنه يعتمد الملاحظة في البحث . ولقد تطرق منتسكيو إلى مبدأ له علاقة في البحوث السياسية في الوقت الحاضر . وهو مبدأ الأليات والوسائل التي قد تنسجم في المبادئ المفضلة . والظاهر أن التقسيم الذي يعتمده في تصنيف الحكومات هو التقسيم اليوناني الثلاثي . فعنده الحكومة على أنواع ثلاثة هي ؛ الجمهورية والملكية والمستبدة . ويكفي لآكتشاف طبيعة الحكومات ما عند أقل الناس ثقافة عنها من فكر عنها . وأفتراض ثلاثة تعاريف بل ثلاثة أمور ومنها أن الحكومة الجمهورية هي التي تكون السلطة ذات السيادة فيها للشعب جملة أو لفريق من الشعب فقط . وأن الحكومة الملكية هي التي يحكم فيها واحد ولكن وفق قوانين ثابتة مقررة . وذلك بدلاً مما في الحكومة المستبدة من وجود واحد , بلا قانون ولا نظام . فيجر الجميع على حسب إرادته وأهوائه , ويظهر بذلك أن نظرية العدد والقانون تتداخلان في تحديد طبيعة المنتظم السياسي . ولكن ليست هي تمام التصور لأن هناك كمبدأ الوجود له . ولذلك ترى العبارة تامة ؛ لأنه يوجد بين طبيعة الحكومة ومبدئها فرق , أن طبيعتها هي التي تجعلها كما هي . وأن مبدأها هو الذي يجعلها تسير وأحد الأمرين هو كيانها الخاص , والأمر الأخر هو الميول البشرية التي تحركها , فالأول هو المكان والقدرة فيه والثاني هو المقوم لها , ولهذا فعنده مبدأ المنتظم الديمقراطي هو الفضيلة والارستقراطي هو الأعتدال . ومبدأ المنتظم الملكي هو الشرف أما الأستبدادي فهو الخوف . ويظهر لديه أن المنتظم الديمقراطي أحوج إلى الفضيلة لأنه ؛ لا أحتياج إلى كبير صلاح في الحكومة الملكية أو الحكومة المستبدة حتى يستقيم أمرها . أو تبقى فقوة القوانين في الأولى , وذراع الأمير المرفوعة دائماً في الأخرى تنظيمات أو تمسكات كل شئ ولكنه لا بد للحكومة الشعبية من نابض زيادة لا بد لها من الفضيلة . وما أقوله يؤيده التأريخ بأسره ويلائم طبيعة الأمور كثيراً !!!
التتمة في الحلقة القادمة أنشاء الله
ـــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : كتاب رسالة في التوحيد والسياسة
المؤلف : الشيخ الركابي
المطبعة : مؤسسة البلاغ بيروت 1988م
|