Tuesday, December 18. 2007
لم يكن أحد يتصور قبل أقل من ربع قرن أن العالم سيشهد عصراً جديداً يسمى "عصر العولمة", يكون شاهداً على تنامي إحدى أهم القضايا الإنسانية الشائكة، والتي عجز العالم عن القيام بمهامها منذ عام 1948, ألا وهي قضية "حقوق الإنسان". وتعود صعوبة تخيل إمكانية التطبيق على مستوى عالمي إلى طبيعة السياسة الخارجية ذات المصالح المتضاربة
خاصة بالنسبة للدول الغربية العظمى التي استعمرت العالم, وفي مقابل نجاحها الساحق في فرض حقوق الإنسان في المواثيق الداخلية مثل الميثاق الأعظم وملتمس الحقوق في بريطانيا وتطبيق حقوق الإنسان التي أقرتها الثورة الفرنسية, وجدت هذه الدول الغربية نفسها تفشل فشلاً ذريعاً في حفظ حقوق الإنسان غير الغربي, بل تجاهلت حقوقه بشكل مطلق, مستغلة جهله بهذه الحقوق كذريعة لاستغلاله لأقصى درجة, مما خلّف مجتمعات متخلفة, ثم دولاً متخلفة في كل المجالات التنموية. وبرغم المساعدات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي قدمتها الدول الغربية ولا تزال تقدمها لهذه الدول, إلا أن قضية حقوق الإنسان في جميع الدول والمجتمعات الآسيوية لم تنل الاهتمام الكافي اللازم لتنميتها وغرسها في المجتمع والدولة من خلال القوانين والتعليم والإعلام. وبذلك ظلت قضية حقوق الإنسان برغم أهميتها القصوى, بعيدة كل البعد عن الضمير العالمي, خاصة في المجتمعات والدول غير المستقرة سياسياً واجتماعياً. وما أن حل عصر العولمة, وبزوغ النظام العالمي الجديد, حتى أخذ العالم الغربي على نفسه تحمل عبء نشر هذه الحقوق, بل وفرضها إن لزم الأمر على الدول الرافضة أو المتحفظة على بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته المنظمة الدولية لأسباب شتى دينية أو اجتماعية .
اليوم أصبحت قضية حقوق الإنسان الشغل الشاغل للدول الغربية, إلى درجة أن الدول الأوروبية، وهي الأكثر تشدداً من الولايات المتحدة في هذا المجال, فرضت هذا الإعلان في اتفاقاتها الدولية, بل ويعود عدم فعالية كثير من الاتفاقات المعقودة بين الدول الخليجية والاتحاد الأوروبي إلى عدم تلبية الدول الخليجية لشروط الاتحاد الأوروبي في قضية حقوق الإنسان, لأن ملف الدول الخليجية لا يبشر بالخير للأسف الشديد. واليوم تسعى, وهي قريبة من النجاح, إلى تبني الأمم المتحدة لرفض عقوبة الإعدام عالمياً, كما نجح الاتحاد الأوروبي في فرض كثير من شروطه على تركيا كأساس لانضمامها إلى الاتحاد.
ومن خلال متابعة تطور هذه القضية على مستوى السياسة العالمية, وتبني الدول الغربية لها, تبين أن هذه القضية في تطور مذهل في دول العالم الثالث الذي يمثل مرتعاً خصباً لانتهاكات حقوق الإنسان. وبسبب التقارير الدولية التي أخذت تنشر فضائح انتهاكات حقوق الإنسان، أخذت هذه الدول تسعى إلى تحسين صورتها الدولية, من خلال التشدد في فرض القوانين التي توفر أساساً جيداً لهذه الحقوق, مثل توفير أماكن الإيواء للعمالة الوافدة, وإقامة مجالس الشورى أو البرلمانات وشيوع الانتخابات العامة ولو بصورة تدريجية. وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه من تطور, وهو الأمر المرتجى والمتوقع, فإن العالم سيشهد طفرة غير مسبوقة في مجال حقوق الإنسان. فالمستقبل يحمل معه بشائر الخلاص, لكن لا يمكن أن نتجاهل حقيقة أن الشوط لا يزال في بدايته.
|