دعوني أخبركم عن السبب الذي دعاني للكتابة في هذا الموضوع ، الذي أكره أن أخوض به لما يحمل من مطبات وعقد وتراكم من الكراهية والتطرف ، بين هؤلاء وهؤلاء ولكني وجدت نفسي مجبراً في الكتابة في هذا الموضوع من حيث أدري ولا أدري ..
عائشة هذه التي تعرفونها هي واحدة من نساء النبي – ص - ، بل هي المرأة الوحيدة التي سُلط الضوء عليها من قبل الأطراف المتنازعة جميعاً ، والأمر في ذلك كله يعود لكونها كانت جدلية بإمتياز ، ولأنها في مناسبات كثيرة قد تجاوزت حتى الخطوط المسموح بها في ذلك الزمان ، ولا أريد أن أُفتح الجراحات التي أحدثتها حركاتها هنا وهناك ، لكني وجدت نفسي أمام جمهرة من الناس حملوها أكثر مما تحتمل وأعطوها منازل أكثر مما تستحق ، وبذلك غطوا على غيرها من نساء النبي الكريمات ، لهدف سياسي صنعه كيد ساحر ونفاق سياسي من أجل تأجيج الصراع وجعله مشتعلاً إلى يوم يبعثون .
هذه المرأة دفع بها القدر أن تقف بوجه الإمام والولي والزعيم المنتخب من قبل الناس ، وهي على غير العادة في موقفها من الخلفاء المتقدمين ، كانت عدوانية تجاه هذا الزعيم وعليه تحمل إحقاداً وكراهية دفينين ولؤماً منقطع النظير على شخص أميرالمؤمنين وصاحب لواء الفتح والنصر في كل ملحمة ، وفي صحاح المسلمين تظهر هذه العاهة في شخصية هذه المرأة وفي نظرتها غير المستقيمة للسيدة فاطمة الزهراء وعلى خديجة الكبرى زوج النبي ، وكذا في موقفها من الإماميين الحسن والحسين وبقية ذرية الزهراء الطاهرة .
كل هذا كان مفروضاً عليَّ أن أقول الحق في عائشة المرأة وفي عائشة زوج النبي ، فهذه المرأة كانت مليئة التناقض والتطرف في السلوك وفي المواقف ، والمرأة الزوج لم تحفظ سر هذا البيت أعني بيت النبوة ولم تحترم رسول الله في رسالته ولم تحترم فيه غيابه ولا سلوكه أو منهجه ، ولم تحترم دعوة السماء في عدم التبرج تبرج الجاهلية دعوة نبوية وقرآنية مباشرة ، وأحدثكم هنا عن ذلك الموقف الظالم تجاه الإمام علي عليه السلام وتجيشها الجيوش ومؤازرتها للناكثين والمارقين والفاسدين في كل الجبهات التي شُنت ضد الإمام في الجمل وصفين والنهروان وما تبع ذلك وماتلاه .
عائشة وبحدود النظرة القانونية المجردة هي مجرمة من الدرجة الأولى ويحق للحاكم والولي إنزال أقصى العقوبة بحقها ، ولكن الإمام علي لم يطبق بحقها المبادئ القانونية والشرعية ، بل كان روؤفاً رحيماً بها حماية لتاريخ النبي ورسالته وعرضه ومشروعه ، ولهذا تركها ولم يُعقب بل حماها من المغرضين والمنهزمين والفاسدين وأهل الهوى .
كان الميزان في دراستي للتاريخ موضوعياً يحمل روح البحث والتدقيق وتسمية الأشياء بمسمياتها ، ولهذا تركنا جانباً حملات التشهير من الفضوليين وأصحاب النوايا ، وتركنا جانبا تعليقات المتنافرين حماية لهذا الأرث ، لكنني لن أقبل بعد اليوم من الدارسين والباحثين والناشرين حشر هذه المرأة في قضايا التشريع ورواية الأخبار فهي ليست مؤتمنة على ذلك وليست أهلاً له ، وسنظل نحترمها كونها من نساء النبي أماً لنا حسب سياقات النص القرآني ، لكن الكلام هنا عن موقفها السياسي والإجتماعي والثقافي وهذا شأن أخر ، ولهذا لا يلومنني أحد بعد اليوم وأنا اكتب في هذا ، لأني أبداً لا أريد إلاَّ الإصلاح ما أستطعت إلى ذلك سبيلا ، وكم كنت مدافعاً عنها ضد الموتورين وأنصاف المتعلمين ، وسأظل وفياً لقيم السماء وأوامر الله التي نهتنا فرادى ومجتمعين عن السباب والشتيمة ، لأنها تنم عن تخلف وفقر فكري وثقافي .
وأدعوا الموؤسسات ذات العلاقة في الأزهر أن تتقدم خطوة في هذا المجال ، لوقف هذا الزيف خدمة للنبي ورسالة النبي ونساء النبي ، على أن تُسمى الأشياء بمسمياتها ، فعائشة بحدود القانون مجرمة شأنها شأن كل مثيري الفتن ، ونعلم ان الفتنة أشد من القتل ولهذا نرفع الصوت عالياً لكي نحيط من يهمه الأمر ، جدوى التفريق وجدوى الموضوعية ونحن جميعاً بصدد قراءة التاريخ والتراث على نحو جديد ومتقدم .
آية الله الشيخ إياد الركابي