المواظبة على فعل الخير والسير في طريق الإعتدال نهج وإرادة ، وهو يحتاج إلى الإبتعاد عن مواطن الخلل والمصالح الضيقة ، وها أنا منذ زمن كنت ممن يشجع منهجك أيها - الهلالي - في البحث و نشدان الحقيقة من مصادرها دون إلتواء أو أعوجاج ، وهكذا كنت دوماً شغوفا ومحترما البحوث التي فيها من الواقعية والعلمية ، ولهذا ساندتك أيها الهلالي في غير موقع ومكان وعلى روؤس الأشهاد .
لكني اليوم فوجئت وظننت إن في كلامك عن - عاشوراء - كبوة عابرة أو سقطة من غير قصد ، وأنت تحاول لي المعاني خدمة لأغراض سياسية طارئة ، والخطيئة إنك أعتبرت عاشوراء عيداً يجب محاربته لأنه يدعوا للفرقة والفتنة ، وليتك لم تدلي بدلوك في هذا المجال ، لأنك تخطيت العلم والعلماء والمباحث الرصينة في هذا وقد خانتك عاطفتك وإندفاعك الزائد عن الحد والمبالغ فيه ، وأجزم إنك في ذلك قد أنطلقت مدفوعاً بقصد سياسي مغيء ، حاول الداعمين تمريره عبر كلماتك وتبريرك الفاسد هذا .
وأنا على يقين إنك لم تميز بين مفهوم العيد هنا ومناسبة عاشوراء أو هكذا بدى لي ، فمناسبة عاشوراء ذكرى أليمة بكل المقاييس ومحاولة طمسها هو مساعدة الظلم والظالمين في النمو والتمدد ، ولك أن تعلم ما حصد الظلم في يوم عاشوراء من أرواح طيبة طاهرة لم تبغ الفتنة ولم تدع للحرب والقتال أبداً ، ومناسبة عاشوراء أيها الهلالي هي يوم نستذكر فيه سطوة الظلم وعنفه وجبروته وتجلياته الدائمة في تمام الأزمان والأماكن ، كما أنها دعوة لتحرير الانسان وتذكيره بمعنى العدل وماينبغي له من السعي لتحرير الأوطان والأبدان .
ذكرى عاشوراء هي توكيد وتأكيد من الشعوب المغلوبة - إنه ما ضاع حق وراءه مطالب ، وبان العدل غالب - مهما كانت سطوة الظلم وجبروته ، وللناس كل الناس الحق في أن يستذكروا شهيد عاشوراء وبما جسده من معنى روحي وجسدي وفكري ، ولك ان تقرأ بتجرد ومن غير عماء المدونات في هذا الشأن ، وبإن شهيد عاشوراء كان داعية سلم ، لم يسعى للحرب والقتال حتى في لحظاته الأخيرة الأكثر قتامة ، ولك أن تقرأ في ذلك كتب التاريخ والأخبار المعتبرة ، وعندها ستجد إنك قد تعاميت وتغافلت عن هذا كله ورحت تؤلب الناس بعصبيات وأوهام قبلية مقيته وسمجة ، وهذا كما ترى تناقض مع منهجك الذي تدعوا له .
عاشوراء ليست مناسبة يستذكرها الشيعة وحدهم ، بل هي مناسبة إنسانية يستذكر فيها الإنسان معنى العدل وقيمته ومعنى الميثاق الغليظ الذي أمر الله به والأمانة التي عرضها الله على السموات والأرض ، أحدثك بهذا وأنا ناقم من داخلي على كل سياسي وسياسة ، إنما أنا أمرء أمر بالمعروف وأنه عن المنكر ودالتي في ذلك الحقيقة ولا سوآها ، ولهذا ركبت سفينة عاشوراء من غير إنتماء ، ركبتها لعلمي إن ربانها هو السليل والوريث الشرعي لمؤوسس الإيمان والإسلام ، ركبتها من أجل أن أحذف عن طريقها ما دسه المخربون وضعاف النفوس وأهل الفتن ، ولم ألو جهداً في تصحيح ما يجب تصحيحه ورفض ما يجب رفضه ، من غير مواربة أو مداهنة لهذا الطرف أو ذاك ، وحسبك أن تقرأ منهجي من خلال جملة المقالات التي نشرتها هنا أو هناك .
أيها الهلالي عُد إلى ماكنت عليه يحترمك أهل العقل من هذه الأمة ، ودع عنك شغل السياسة فهي لا تليق بك ، وتمهل فلربما تكون إعادة النظر منجاة من الزلات والخطايا ، ويعلم الله ماكنت راغباً أن أكتب في هذا ، لولا إني رأيت أن من واجبي أن اقدم لكم النصيحة لعلك تتذكر وتخشى ، وأترك المجال لك في الأعتذار وتصويب ما أخطئت فيه ، فنحن قوم يعرفنا الناس وتدل علينا سجايانا إننا من أمة تحترم العفو والمعذرة ، وأنا من موقعي هذا أدعوك أن تزور كربلاء وتقرأ بهدوء وقعة كربلاء ، وستجد نفسك إنك رحت بعيداً وجافيت الحقيقة ومزجت عن قصد أو بدونه بين الخطايا العشر ، فلا عاشوراء من الأعياد ولا هو من صنيعة الأعجمي إنما هي ذكرى إنتصار الدم على السيف ، والعدل على الظلم ولا شيء أخر ، وإنها مجزرة أرتكبها الحمقى وعديمي الضمير والشرف ، رحمنا ورحمكم الله وأصلح حالنا ..